مسألة تالية
متن:
وَأَيْضًا فَقَدْ اُسْتُحِبَّ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولَ : بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ . اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك . وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ يَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك . فَهَذَا السَّلَامُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ كُلَّمَا يَدْخُلُ يُغْنِي عَنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ . وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ فَيُصَلُّونَ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ إذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ وَيَطْلُبُونَ لَهُ الْوَسِيلَةَ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ ; فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ . } وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الَّذِي يُسْتَحَبُّ عِنْدَ قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ هُوَ سَلَامُ التَّحِيَّةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ كَمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ قَبْرِ كُلِّ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ لِقَائِهِ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } وَقَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } . وَكَانَ إذَا أَتَى الْمَقَابِرَ قَالَ : { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ . أَنْتُمْ لَنَا فَرْطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ . أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَة لَنَا وَلَكُمْ } وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ } . وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ . وَاَللَّهُ يُسَلِّمُ عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَاحِدَةً سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا . وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُمْ وَمَقْصُودُهُ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِهِ وَغَيْرِ مَسْجِدِهِ فَلَمْ يَبْقَ فِي إتْيَانِ الْقَبْرِ فَائِدَةٌ لَهُمْ وَلَا لَهُ بِخِلَافِ إتْيَانِ مَسْجِدِ قباء فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَهُ كُلَّ سَبْتٍ فَيُصَلُّونَ فِيهِ اتِّبَاعًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَعُمْرَةِ . وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ إذْ كَانَ أَحَدُ هَذَيْنَ لَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ بَلْ يَحْصُلُ بِهَذَا أَجْرٌ زَائِدٌ . وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ إلَى الْبَقِيعِ وَأَهْلِ أُحُدٍ كَمَا كَانَ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لَهُمْ كَانَ حَسَنًا لِأَنَّ هَذَا مَصْلَحَةٌ لَا مَفْسَدَةَ فِيهَا وَهُمْ لَا يَدْعُونَ لَهُمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يُقَالَ : هَذَا يُغْنِي عَنْ هَذَا . وَمَعَ هَذَا فَقَدَ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ اتِّخَاذِ ذَلِكَ سُنَّةً . وَلَمْ يَأْخُذْ فِي هَذَا بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا لَمْ يَأْخُذْ بِفِعْلِهِ فِي التَّمَسُّحِ بِمَقْعَدِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بِاسْتِحْبَابِ قَصْدِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا لِكَوْنِ الصَّلَاةِ أَدْرَكَتْهُ فِيهَا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَحِبُّ قَصْدَهَا لِلصَّلَاةِ فِيهَا وَكَانَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ لَا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ ; بَلْ يَسْتَحِبُّونَ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّهُ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَكَانَ أَبُوهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى مِنْ يَقْصِدُهَا لِلصَّلَاةِ فِيهَا وَيَقُولُ : إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا فَإِنَّهُمْ اتَّخَذُوا آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِيهِ فَلْيُصَلِّ وَإِلَّا فَلْيَذْهَبْ . فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمَا سَنَّهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِمْ وَلَهُ خُصُوصُ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبِأَبِي بَكْرٍ حَيْثُ قَالَ : { اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ } . فَالْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ أَرْفَعُ مِنْ الْأَمْرِ بِالسُّنَّةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ . وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْمَجِيءِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَّخَذَ السَّفَرُ إلَيْهِ سُنَّةً فَإِنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لَمَّا جُعِلَ لِهَذَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا لَا فِي قباء وَلَا فِي قُبُورِ الشُّهَدَاءِ وَأَهْلِ الْبَقِيعِ وَلَا غَيْرِهِمْ كَمَا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَفِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ . فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ هَذَا . مَعَ أَنَّهُ صَلَّى التَّطَوُّعَ فِي جَمَاعَةٍ مَرَّاتٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَوَقْتَ الضُّحَى وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُجْعَلْ الِاجْتِمَاعُ مِثْلَ تَطَوُّعٍ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ سُنَّةً كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَكَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجُمْعَةِ . وَأَمَّا إتْيَانُ الْقَبْرِ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَدْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَفِي إتْيَانِهِ بَعْد الصَّلَاةِ مَرَّةً بَعْد مَرَّةٍ ذَرِيعَةً إلَى أَنْ يُتَّخَذَ عِيدًا وَوَثَنًا وَقَدْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ . وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدْفُونٌ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَكَانَتْ حُجْرَةُ عَائِشَةَ وَسَائِرُ حُجَرِ أَزْوَاجِهِ مِنْ جِهَةِ شَرْقِيِّ الْمَسْجِدِ وَقِبْلَتُهُ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِي مَسْجِدِهِ بَلْ كَانَ يَخْرَجُ مِنْ الْحُجْرَةِ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَكِنْ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ وُسِّعَ الْمَسْجِدُ وَكَانَ يُحِبُّ عِمَارَةَ الْمَسَاجِدِ وَعَمَّرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ دِمَشْقَ وَغَيْرَهُمَا فَأَمَرَ نَائِبَهُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحُجَرَ مِنْ أَصْحَابِهَا الَّذِينَ وَرِثُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ . فَمِنْ حِينَئِذٍ دَخَلَتْ الْحُجَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الصَّحَابَةِ : بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الخدري وَبَعْدَ مَوْتِ عَائِشَةَ ; بَلْ بَعْدَ مَوْتِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ فِي الْمَدِينَة مِنْهُمْ أَحَدٌ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَرِهَ ذَلِكَ . وَقَدْ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ بِالْحِجَارَةِ وَالْقَصَّةِ وَالسَّاجِ وَهَؤُلَاءِ لِمَا فَعَلَهُ الْوَلِيدُ أَكْرَهُ . وَأَمَّا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَسَّعَهُ لَكِنْ بَنَاهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ بِنَائِهِ مِنْ اللَّبِنِ وَعُمُدُهُ جُذُوعُ النَّخْلِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ . وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا كَرِهَ مَا فَعَلَ عُمَرُ ; وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَالْوَلِيدُ . وَكَانَ مِنْ أَرَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَأْتِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَرْبِيِّ الْحُجْرَةِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إمَّا مُسْتَقْبِلَ الْحُجْرَةِ وَإِمَّا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ . وَالْآنَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ . فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحُجْرَةَ وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ تَوَلَّى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَ قَدْ مَاتَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ وَتُوَفِّي عَامَّةُ الصَّحَابَةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ . وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ بِالْأَمْصَارِ إلَّا قَلِيلٌ جِدًّا : مِثْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِالْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ سَنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا . وَالْوَلِيدُ أَدْخَلَ الْحُجْرَةَ بَعْد ذَلِكَ بِمُدَّةِ طَوِيلَةٍ نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ . وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ جَابِرٍ فَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ . وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَزَادَ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّحَابَةُ كَثِيرُونَ وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْحُجْرَةِ بَلْ تَرَكَ الْحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ خَارِجَةً عَنْ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلَةً بِهِ مِنْ شَرْقِيِّهِ كَمَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيهَا . وَلَمْ تَزَلْ عَائِشَةُ فِيهَا إلَى أَوَاخِرَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ . وَكَانَ الْحَسَنُ قَدْ اسْتَأْذَنَهَا فِي أَنْ يُدْفَنَ فِي الْحُجْرَةِ فَأَذِنَتْ لَهُ لَكِنْ كَرِهَ ذَلِكَ نَاسٌ آخَرُونَ وَرَأَوْا أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا فَلَا يُدْفَنُ غَيْرُهُ . وَكَادَتْ تَقُومُ فِتْنَةٌ . وَلَمَّا احْتَضَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَ صَوَاحِبَاتِهَا بِالْبَقِيعِ وَلَا تُدْفَنَ هُنَاكَ . فَعَلَتْ هَذَا تَوَاضُعًا أَنْ تُزَكَّى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلِهَذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا فَعَلَهُ الْوَلِيدُ هَلْ هُوَ جَائِزٌ أَوْ مَكْرُوهٌ إلَّا التَّابِعُونَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَمْثَالِهِ . وَكَانَ سَعِيدٌ إذْ ذَاكَ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَيُّ التَّابِعِينَ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ . فَقِيلَ لَهُ : فَعَلْقَمَةُ وَالْأُسُودُ ؟ فَقَالَ : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ . وَعَلْقَمَةُ وَالْأُسُودُ هَذَانِ كَانَا قَدْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةِ . وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ دَخَلَتْ فِي الْمَسْجِدِ . وَكَانَ الْمَسْجِدُ قَبْلَ دُخُولِ الْحُجَرِ فِيهِ فَاضِلًا وَكَانَتْ فَضِيلَةُ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يُصَلِّي فِيهِ هُوَ وَالْمُؤْمِنُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَفُضِّلَ بِبِنَائِهِ لَهُ . قُلْت قَالَ مَالِكٌ : بَلَغَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ قِبْلَتَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ فِيهِ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ إلَى أَنْ مَاتَ وَمَا صَلَّى جُمْعَةً بِغَيْرِهِ قَطُّ لَا فِي سَفَرِهِ وَلَا فِي مُقَامِهِ . وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَكَانَ يُصَلِّيهَا حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ .