تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَكُلُّ بَشَرٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى حَتَّى لَوْ أَنَّهُ وَحْدَهُ لَكَانَ يَأْمُرُ نَفْسَهُ وَيَنْهَاهَا ; إمَّا بِمَعْرُوفِ وَإِمَّا بِمُنْكَرٍ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } فَإِنَّ الْأَمْرَ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ وَإِرَادَتِهِ ; وَالنَّهْيُ طَلَبُ التَّرْكِ وَإِرَادَتِهِ وَلَا بُدَّ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ إرَادَةٍ وَطَلَبٍ فِي نَفْسِهِ يَقْتَضِي بِهِمَا فِعْلُ نَفْسِهِ وَيَقْتَضِي بِهِمَا فِعْلُ غَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ حَيٌّ يَتَحَرَّكُ بِإِرَادَتِهِ . وَبَنُو آدَمَ لَا يَعِيشُونَ إلَّا بِاجْتِمَاعِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَإِذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا ائْتِمَارٌ بِأَمْرِ وَتَنَاهٍ عَنْ أَمْرٍ ; وَلِهَذَا كَانَ أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ اثْنَيْنِ ; كَمَا قِيلَ : الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ ; لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ اشْتِرَاكًا فِي مُجَرَّدِ الصَّلَاةِ حَصَلَ بِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا إمَامٌ وَالْآخَرُ مَأْمُومٌ كَمَا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الحويرث وَصَاحِبِهِ : إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ; وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا } وَكَانَا مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ . وَأَمَّا الْأُمُورُ الْعَادِيَّةُ فَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ فِي سَفَرٍ إلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ . } وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْ لَوَازِمِ وُجُودِ بَنِي آدَمَ : فَمَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيَنْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ وَيُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيُنْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ ; وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى . وَيُؤْمَرَ وَيُنْهَى : إمَّا بِمَا يُضَادُّ ذَلِكَ ; وَإِمَّا بِمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَقُّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يُنْزِلْهُ اللَّهُ وَإِذَا اُتُّخِذَ ذَلِكَ دِينًا كَانَ دِينًا مُبْتَدَعًا . وَهَذَا كَمَا أَنَّ كُلَّ بَشَرٍ فَإِنَّهُ مُتَحَرِّكٌ بِإِرَادَتِهِ هَمَّامٌ حَارِثٌ فَمَنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ صَالِحَةً وَعَمَلُهُ عَمَلًا صَالِحًا لِوَجْهِ اللَّهِ وَإِلَّا كَانَ عَمَلًا فَاسِدًا أَوْ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ وَهُوَ الْبَاطِلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } . وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . وَقَالَ : { وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } .