تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ عَنْ أَحْمَد إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي حَدِيقَةٍ مِنْ الْحَدَائِقِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِهَا أَمْ لَا يُبَاعُ إلَّا مَا صَلَحَ مِنْهَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ : أَشْهَرُهُمَا عَنْهُ . أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا مَا بَدَا صَلَاحُهُ . وَهِيَ اخْتِيَارُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ . كَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ شاقلاء . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الْبَعْضِ صَلَاحًا لِلْجَمِيعِ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ . كَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُمَا . ثُمَّ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَانَ فِي بُسْتَانٍ بَعْضُهُ بَالِغٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُ بَالِغٍ بِيعَ إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ الْبُلُوغَ فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ صَلَاحِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْقَاضِي أَخِيرًا وَأَبِي حَكِيمٍ النهرواني وَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ قَصَرَ الْحُكْمَ بِمَا إذَا غَلَبَ الصَّلَاحُ وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَ الصَّلَاحِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَأَبِي الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتٍ . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ . وَزَادَ مَالِكٌ فَقَالَ : يَكُونُ صَلَاحًا لِمَا جَاوَرَهُ مِنْ الْأَقْرِحَةِ . وَحَكَوْا ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَد . وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ : هَلْ يَكُونُ صَلَاحُ النَّوْعِ - كَالْبَرْنِيِّ مِنْ الرُّطَبِ - صَلَاحًا لِسَائِرِ أَنْوَاعِ الرُّطَبِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . ( أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ . ( وَالثَّانِي الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ . وَزَادَ اللَّيْثُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَقَالَ : صَلَاحُ الْجِنْسِ - كَالتُّفَّاحِ وَاللَّوْزِ - يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ . وَمَأْخَذُ مَنْ جَوَّزَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ : أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّ بَيْعَ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ يُفْضِي إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي . وَهَذِهِ عِلَّةُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ وَالْبَسَاتِينِ . وَمَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا قَالَ : الْمَقْصُودُ الْأَمْنُ مِنْ الْعَاهَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِشُرُوعِ الثَّمَرِ فِي الصَّلَاحِ . وَمَأْخَذُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ : أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا } يَقْتَضِي بُدُوَّ صَلَاحِ الْجَمِيعِ . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ : أَنَّ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ الْبُسْتَانِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِهِ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ : جَوَازُ بَيْعِ المقثاة إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهَا . وَالْمَعْدُومُ هُنَا فِيهَا كَالْمَعْدُومِ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّمَرَةِ ; فَإِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ أَكْثَرَ ; إذْ تَفْرِيقُ الْأَشْجَارِ فِي الْبَيْعِ أَيْسَرُ مِنْ تَفْرِيقِ الْبِطِّيخَاتِ وَالْقِثَّاءَاتِ وَالْخِيَارَاتِ وَتَمْيِيزِ اللَّقْطَةِ عَنْ اللَّقْطَةِ لَوْ لَمْ يَشُقَّ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا يَنْضَبِطُ ; فَإِنَّ اجْتِهَادَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتٌ . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا : أَنَّ أُصُولَ أَحْمَد تَقْتَضِي مُوَافَقَةَ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْجَوَابَاتِ أَوْ قَدْ خَرَّجَهُ أَصْحَابُهُ عَلَى أُصُولِهِ .