وَسُئِلَ عَنْ شَخْصٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ نَفْسَهُ لِشَخْصٍ مُسْلِمٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَأَوْفَى بِهِ دَيْنَهُ وَبَاعَ ابْنَتَهُ أَيْضًا وَرَضُوا بِالرِّقِّ وَخَسِرَ عَلَيْهِمْ التَّاجِرُ الْمُسْلِمُ كُلْفَةَ الطَّرِيقِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ حَتَّى وَصَلُوا إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ . فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ ؟
فَأَجَابَ : إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَوْلَادَهُمْ وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانُوا مِلْكًا لَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُ وَيَسْتَحِقَّ عَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ . وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْحَرْبِيُّ نَفْسَهُ لِلْمُسْلِمِ وَخَرَجَ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى ; بَلْ لَوْ أَعْطَوْهُ أَوْلَادَهُمْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَخَرَجَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ فَكَيْفَ إذَا بَاعُوهُ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ أَنْفُسَهُمْ أَوْ أَوْلَادَهُمْ أَوْ قَهَرَهُمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ; فَإِنَّ نُفُوسَ الْكُفَّارِ الْمُحَارَبِينَ وَأَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ مَلَكُوهَا . وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي إذَا كَانَ مُسْتَأْمَنًا : فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ أَوْلَادَهُمْ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ . وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ : أَنَّهُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ مَنْصُوصَةٍ عَنْهُ : أَنَّهُ إذَا هَادَنَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ بَلَدٍ وَسَبَاهُمْ مَنْ بَاعَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَكَذَلِكَ لَوْ قَهَرَ أَهْلُ الْحَرْبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ وَهَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ اشْتَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ سَرَقَهُمْ وَبَاعَهُمْ أَوْ وَهَبَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ تَمْلِكُوهُمْ كَمَا يَمْلِكُهُمْ الْمُسْلِمُونَ إذَا مَلَكُوهُمْ بِالْقَهْرِ .