وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قَزَّازٍ أَسْلَمَتْ لَهُ امْرَأَةٌ شَقَّتَيْ غَزْلٍ فَهَرَبَ وَخُتِمَ عَلَى دُكَّانِهِ فَاشْتَكَتْ صَاحِبَةُ الشَّقَّتَيْنِ عَلَى غَزْلِهَا فَرَسَمَ الْوَالِي أَنْ يَفْتَحَ الدُّكَّانَ وَكُلُّ مَنْ لَقِيَ شَيْئًا مِنْ رَحْلِهِ يَأْخُذُهُ وَبَقِيَتْ الشَّقَّةُ الْوَاحِدَةُ عَلَى النَّوْلِ فَجَاءَ إنْسَانٌ مَوْقِعٌ فَذَكَرَ أَنَّ لَهُ عِنْدَ الْقَزَّازِ قَلِيلَ غَزْلٍ فَاشْتَكَى إلَى الْقَاضِي فَرَسَمَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَقَّةُ الْمَرْأَةَ وَيَقْسِمَ عَلَى أَصْحَابِ الْأَمَانَاتِ وَأَنْظَرَ حَالَ الْمَرْأَةِ .
فَأَجَابَ : مَا كَانَ فِي حَانُوتِ الْمُفْلِسِ مِنْ الْأَمَانَاتِ مِثْلَ الثِّيَابِ الَّذِي يَنْسِجُهَا لِلنَّاسِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لِأَصْحَابِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَا تُعْطَى لِغَيْرِ صَاحِبِهَا . وَإِذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ لِلنَّاسِ غَزْلًا وَلَمْ يُوجَدْ عَيْنُ الْغَزْلِ لَمْ يَجُزْ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ غَيْرِهِ بَدَلًا عَنْ مَالِهِ بَلْ إذَا أَقْرَضَ فِيهَا كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يُوَفِّ الْعَمَلَ ; فَإِنَّهَا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ . وَالدُّيُونُ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ لَا تُوَفَّى مِنْ أَعْيَانِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَمَنْ أَقَامَ مِنْ النَّاسِ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا عَيْنُ مَالِهِ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ أَحَدٌ بَيِّنَةً وَكَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا قَدْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَنْسِجُهُ لَيْسَ هُوَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِلنَّاسِ لَمْ يُوَفِّ دُيُونَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بَعْضَ الْغَزْلِ بِدَعْوَاهُ دُونَ بَعْضٍ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْدِلَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ . وَإِنْ أَقَامَ وَاحِدٌ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ تَعَذَّرَ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَالُ هَذَا وَمَالُ هَذَا إلَّا عَلَامَاتٌ مُمَيِّزَةٌ ; مِثْلَ اسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَتَاعِهِ : عُمِلَ بِذَلِكَ . وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ أُقْرِعَ بَيْنَ الْمُدَّعِينَ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَلَى عَيْنٍ أَخَذَهَا مَعَ يَمِينِهِ . فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَرْعَةُ فِي مِثْلِ هَذَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .