مسألة تالية
متن:
فَصْلٌ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ . فَالْجَائِحَةُ هِيَ الْآفَاتُ السَّمَاوِيَّةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ مَعَهَا تَضْمِينُ أَحَدٍ : مِثْلَ الرِّيحِ وَالْبَرْدِ وَالْحَرِّ وَالْمَطَرِ وَالْجَلِيدِ وَالصَّاعِقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِهَا غَيْرُ هَذَا الْمَبِيع . فَإِنْ أَتْلَفَهَا آدَمِيٌّ يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ أَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَقَالَ أَصْحَابُنَا كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ الْمَبِيع قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَإِنْ أَتْلَفَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ مَنْ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُهُ كَالْجُيُوشِ الَّتِي تَنْهَبُهَا وَاللُّصُوصِ الَّذِينَ يُخَرِّبُونَهَا : فَخَرَّجُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا لَيْسَتْ جَائِحَةً لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ . ( وَالثَّانِي وَهُوَ قِيَاسُ أُصُولِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا جَائِحَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ . كَمَا قُلْنَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَنَافِعِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ إنَّمَا هُوَ إمْكَانُ الضَّمَانِ ; وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ جُيُوشَ الْكُفَّارِ أَوْ أَهْلَ الْحَرْبِ كَانَ ذَلِكَ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ . وَالْجُيُوشِ وَاللُّصُوصِ وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ ظُلْمًا وَلَمْ يُمْكِنْ تَضْمِينُهُمْ : فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْبَرْدِ فِي الْمَعْنَى . وَلَوْ كَانَتْ الْجَائِحَةُ قَدْ عَيَّبَتْهُ وَلَمْ تُتْلِفْهُ فَهُوَ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَبْضِ وَهُوَ كَالْعَيْبِ الْقَدِيمِ يَمْلِكُ بِهِ أَوْ الْأَرْشِ حَيْثُ يَقُولُ بِهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ الْمَبِيع قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْجَائِحَةِ وَكَثِيرِهَا فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ . وَهِيَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ ; لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى . ( وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْجَائِحَةَ الثُّلُثُ فَمَا زَادَ كَقَوْلِ مَالِكٍ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَلَفِ بَعْضِ الثَّمَرِ فِي الْعَادَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْجَائِحَةِ فَتُقَدَّرُ بِالثُّلُثِ كَمَا قُدِّرَتْ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَالنُّذُرُ وَمَوَاضِعُ فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ } . وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يُقَالُ : الْفَرْقُ مَرْجِعُهُ إلَى الْعَادَةِ فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِسُقُوطِهِ أَوْ أَكَلَ الطَّيْرُ أَوْ غَيْرُهُ لَهُ فَهُوَ مَشْرُوطٌ فِي الْعَقْدِ وَالْجَائِحَةُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ; وَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْعَادَةِ وُضِعَتْ جَمِيعُهَا وَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ وَقُلْنَا بِتَقْدِيرِهِ فَإِنَّهَا تُوضَعُ جَمِيعُهَا . وَهَلْ الثُّلُثُ مُقَدَّرٌ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ أَوْ ثُلُثِ الْمِقْدَارِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ . وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ .