تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ وَزَوْجَةً وَإِحْدَى الْبِنْتَيْنِ غَائِبَةٌ . فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ النَّظَرُ عَلَى هَذِهِ التَّرِكَةِ أَنْ يُودِعَ مَالَ الْغَائِبَةِ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ هَلْ يَحْفَظُهُ الْمُودَعُ عِنْدَهُ أَمْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِنَفْسِهِ ؟ وَإِذَا حَدَثَ مَظْلِمَةٌ عَلَى جُمْلَةِ التَّرِكَةِ : هَلْ يَخْتَصُّ بِاسْتِدْفَاعِهَا عَنْ التَّرِكَةِ مَالُ الْغَائِبَةِ أَوْ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَالِ الْمَتْرُوكِ ؟ وَإِذَا اسْتَوْدَعَ عِنْدَ [ مَنْ ] قَدْ يَحْفَظُهُ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ : فَهَلْ لِلْمُسْتَحِقِّ لَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ أَوْدَعَهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ وَقَدْ مَاتَ النَّاظِرُ وَالْمُودِعُ وَطُلِبَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُودِعِ فَلَمْ يُوجَدْ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ غُصِبَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الْإِبْرَاءُ لِذِمَّةِ الْمُسْتَوْدَعِ عِنْدَهُ أَنْ يُتْرَكَ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَضَعَ عَيْنَ يَدِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ وَرَثَتِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ عَنْهُ مِنْ صَدَقَاتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ بِجِهَةِ مَخْصُوصَةٍ ؟ .
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا الْمَالُ صَارَ تَحْتَ يَدِهِ أَمَانَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهُ حِفْظَ الْأَمَانَاتِ وَلَا يُودِعَهُ إلَّا لِحَاجَةِ - فَإِنْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حِفْظُهُ لَهُ - كَالْحَاكِمِ الْعَادِلِ إنْ وُجِدَ أَوْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي إيدَاعِهِ تَفْرِيطٌ . فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ . وَإِنْ فَرَّطَ فِي إيدَاعِهِ فَأَوْدَعَهُ لِخَائِنِ أَوْ عَاجِزٍ مَعَ إمْكَانِ أَلَّا يَفْعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُفَرِّطٌ ضَامِنٌ . وَأَمَّا الْمُودَعُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ فَفِي تَضْمِينِهِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . أَظْهُرُهُمَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْمَغَارِمِ الَّتِي تُؤْخَذُ ظُلْمًا أَوْ غَيْرَ ظُلْمٍ فَهِيَ عَلَى الْمَالِ جَمِيعِهِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَعْضُهُ . وَإِذَا غَصَبَ الْوَدِيعَةَ غَاصِبٌ فَلِلنَّاظِرِ الْمُودِعِ أَنْ يُطَالِبَهُ . وَلِلْمُودِعِ أَيْضًا أَنْ يُطَالِبَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُودَعِ . وَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ الْمَالِكُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ النَّاظِرَ أَوْ الْمُودَعَ إنْ حَصَلَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ . فَأَمَّا بِدُونِ التَّفْرِيطِ وَالْعُدْوَانِ فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ . وَإِذَا مَاتَ هَذَا الْمُودَعُ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُ الْوَدِيعَةِ : هَلْ أُخِذَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَهَا أَوْ تَلِفَتْ فَإِنَّهَا تَكُونُ دَيْنًا عَلَى تَرِكَتِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ . كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِهِ . وَإِذَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَجَبَ وَفَاؤُهَا مِنْ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْوَقْفِ وُفِّيَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْوَقْفِ فَفِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَدِينِ الَّذِي أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ . كَمَالِكِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد . وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَقْفُ قَدْ صَحَّ وَلَزِمَ وَلَهُ مُسْتَحِقُّونَ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِمَّنْ تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ : لَمْ يَكُنْ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ ; لَكِنْ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ فَقِيرٌ : فَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى هَذَا الْفَقِيرِ الَّذِي لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَاقِفِ أَوْلَى مِنْ الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .