تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَحَمَلَتْ مِنْهُ فَأَتَتْ بِأُنْثَى : فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . لَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُحِلَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ ; وَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ - مَعَ كَثْرَةِ اطِّلَاعِهِمْ - فِي ذَلِكَ نِزَاعًا بَيْنَ السَّلَفِ فَأَفْتَى أَحْمَد ابْنُ حَنْبَلٍ : إنْ فَعَلَ ذَلِكَ قُتِلَ . فَقِيلَ لَهُ ; إنَّهُ حَكَى فُلَانٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَنْ مَالِكٍ ؟ فَقَالَ : يَكْذِبُ فُلَانٌ . وَذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَلْحَقُ بِأَبِيهِ الزَّانِي إذَا اسْتَلْحَقَهُ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَلَاطَ أَيْ أَلْحَقَ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } هَذَا إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ . وَأَمَّا " الْبَغِيُّ " الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا : فَفِي اسْتِلْحَاق الزَّانِي وَلَدَهُ مِنْهَا نِزَاعٌ . " وَبِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ " لَا تُبَاحُ لِلْمَلَاعِنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ; وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا نِزَاعٌ شَاذٌّ ; مَعَ أَنَّ نَسَبَهَا يَنْقَطِعُ مِنْ أَبِيهَا وَلَكِنْ لَوْ اسْتَلْحَقَهَا لَلَحِقَتْهُ وَهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَهَذَا لِأَنَّ " النَّسَبَ " تَتَبَعَّضُ أَحْكَامُهُ فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ ابْنًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ . فَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ لَيْسَ بِابْنِ ; لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ ابْنٌ فِي " بَابِ النِّكَاحِ " تَحْرُمُ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى الْأَبِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجُ بِنْتَه مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا أُخْتَه ; مَعَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا مِنْ " أَحْكَامِ النَّسَبِ " لَا إرْثٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا وِلَايَةٌ وَلَا نَفَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّهَا حُرْمَةُ النِّكَاحِ والمحرمية . و " أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ " أُمَّهَاتٌ فِي الْحُرْمَةِ فَقَطْ ; لَا فِي المحرمية . فَإِذَا كَانَتْ الْبِنْتُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا امْرَأَتُهُ بِلَبَنِ دُرَّ بِوَطْئِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْسُوبَةً إلَيْهِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ : فَكَيْفَ بِمَنْ خُلِقَتْ مِنْ نُطْفَتِهِ فَإِنَّ هَذِهِ أَشَدُّ اتِّصَالًا بِهِ مِنْ تِلْكَ وقَوْله تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } الْآيَةُ : يَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِنْتًا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُ بِنْتِهِ وَبِنْتُ ابْنِهِ ; بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْفَرَائِضِ : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ وَوَلَدَ ابْنِهِ لَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ بِنْتِهِ ; وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ لَفْظُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ يَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } لِيُحْرِزَ عَنْ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى - كَزَيْدِ - الَّذِي كَانَ يُدْعَى : زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ . فَإِنَّ هَذَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ " ابْنًا " فَلَوْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ لَظُنَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ ; فَقَالَ تَعَالَى { الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } لِيُخْرِجَ ذَلِكَ . وَأَبَاحَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ مَنْ تَبَنَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } . فَإِذَا كَانَ لَفْظُ " الِابْنِ " و " الْبِنْتِ " يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الشَّخْصِ حَتَّى قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ بِنْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ : فَبِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا تُسَمَّى " بِنْتَه " فَهِيَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ شَرْعًا وَأَوْلَى أَنْ يُدْخِلُوهَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ . وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ الْمَشْهُورَ بَيْن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الزِّنَا هَلْ يَنْشُرُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ; فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا وَبِنْتِهَا مِنْ غَيْرِهِ ؟ فَهَذِهِ فِيهَا نِزَاعٌ قَدِيمٌ بَيْنَ السَّلَفِ ; وَقَدْ ذَهَبَ إلَى كُلِّ قَوْلٍ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ : يُبِيحُونَ ذَلِكَ ; وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَمَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ . فَهَذِهِ إذَا قَلَّدَ الْإِنْسَانُ فِيهَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ جَازَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .