تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ : مَا الدَّلِيلُ عَلَى وَطْئِهِنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالِاعْتِبَارِ ؟ وَعَلَى تَحْرِيمِ الْإِمَاءِ الْمَجُوسِيَّاتِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ ؟
12
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَطْءُ " الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ " بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ وَطْئِهِنَّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ عِنْدَ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ ; وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ ; وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَدْ قَالَ : لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَوَائِل أَنَّهُ حَرَّمَ نِكَاحَهُنَّ . وَلَكِنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ قَوْلُ الشِّيعَةِ ; وَلَكِنْ فِي كَرَاهَةِ نِكَاحِهِنَّ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ نِزَاعٌ وَالْكَرَاهَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَكَذَلِكَ كَرَاهَةُ وَطْءِ الْإِمَاءِ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ . رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ : أَنَّهُ كَرِهَهُ . وَالْكَرَاهَةُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ . وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ ; بَلْ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ : جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَحَرَّمَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ والأوزاعي وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ : أَشْهَرُهُمَا كَالثَّانِي ; فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } الْآيَةُ . فَأَبَاحَ الْمُحْصَنَاتِ مِنْهُمْ وَقَالَ فِي آيَةِ الْإِمَاءِ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } فَإِنَّمَا أَبَاحَ النِّسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ ; وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . وَأَمَّا " الْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ " فَالْكَلَامُ فِيهَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ . أَحَدُهُمَا أَنَّ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّاتِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْوَثَنِيَّاتِ . وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ خِلَافِ أَهْلِ الْبِدَعِ . و " الْأَصْلُ الثَّانِي " أَنَّ مَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَالْوَثَنِيَّاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِك وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ : أَنَّهُ : قَالَ يُبَاحُ وَطْءُ الْإِمَاءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى أَيِّ دِينٍ كُنَّ وَأَظُنُّ . هَذَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ . فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْوَثَنِيَّةِ نِزَاعًا . وَأَمَّا الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَلَيْسَ فِي وَطْئِهَا مَعَ إبَاحَةِ التَّزَوُّجِ بِهِنَّ نِزَاعٌ ; بَلْ فِي التَّزَوُّجِ بِهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ . وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهِنَّ مَعَ الْمَنْعِ مِنْ التَّسَرِّي بِهِنَّ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَا يَقُولُهُ فَقِيهٌ . وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّسَرِّي بِهِنَّ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا أَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ وَلَمْ يَقُمْ عَلَى تَحْرِيمِهِنَّ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ فَبَقِيَ حِلُّ وَطْئِهِنَّ عَلَى الْأَصْلِ ; وَذَلِكَ أَنَّ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُنَازِعُ فِي حِلِّ نِكَاحِهِنَّ كَقَوْلِهِ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ } وَقَوْلِهِ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ ; لَا يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُنَّ فَيَبْقَى الْحِلُّ عَلَى الْأَصْلِ . الثَّانِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } يَقْتَضِي عُمُومَ جَوَازِ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ ; حَتَّى إنَّ عُثْمَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ جَعَلُوا مِثْلَ هَذَا النَّصِّ مُتَنَاوِلًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ حِينَ قَالُوا : أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ . فَإِذَا كَانُوا قَدْ جَعَلُوهُ عَامًّا فِي صُورَةٍ حُرِّمَ فِيهَا النِّكَاحُ فَلَأَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي صُورَةٍ لَا يَحْرُمُ فِيهَا النِّكَاحُ أَوْلَى وَأَحْرَى . " الثَّالِثُ " أَنْ يُقَالَ : قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حِلِّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : إنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ وَيَحْرُمُ التَّسَرِّي بِهِنَّ ; بَلْ قَدْ قِيلَ : يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ حَيْثُ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ . وَقِيلَ : يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ . فَعُلِمَ أَنَّ الْأَمَةَ مُجْمَعٌ عَلَى التَّسَرِّي بِهَا وَلَمْ يَكُنْ أَرْجَحَ مِنْ حِلِّ النِّكَاحِ ; وَلَمْ يَكُنْ دُونَهُ . فَلَوْ حَرُمَ التَّسَرِّي دُونَ النِّكَاحِ كَانَ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ " الرَّابِعُ " أَنْ يُقَالَ : إنَّ حِلَّ نِكَاحِهِنَّ يَقْتَضِي حِلَّ التَّسَرِّي بِهِنَّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى . وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ وَطْؤُهَا بِالنِّكَاحِ جَازَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِلَا نِزَاعٍ . وَأَمَّا الْعَكْسُ فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَوْسَعُ ; لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى عَدَدٍ ; وَالنِّكَاحُ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى عَدَدٍ . وَمَا حُرِّمَ فِيهِ الْجَمْعُ بِالنِّكَاحِ قَدْ نُوزِعَ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ فِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ; وَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِع بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قَسَمٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ فِي عَزْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّ الزَّوْجَةِ . وَمِلْكُ النِّكَاحِ نَوْعُ رِقٍّ وَمِلْكُ الْيَمِينِ رِقٌّ تَامٌّ وَأَبَاحَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ; وَلَا يَتَزَوَّجُ أَهْلُ الْكِتَابِ نِسَاءَهُمْ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ نَوْعُ رِقٍّ كَمَا قَالَ عُمَرُ : النِّكَاحُ رِقٌّ ; فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ; وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ } وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ } فَجُوِّزَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَرِقَّ هَذِهِ الْكَافِرَةَ وَلَمْ يُجَوَّزْ لِلْكَافِرِ أَنْ يَسْتَرِقَّ هَذِهِ الْمُسْلِمَةَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ كَمَا جُوِّزَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَمْلِكَ الْكَافِرَ وَلَمْ يُجَوَّزْ لِلْكَافِرِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُسْلِمَ . فَإِذًا جَوَازُ وَطْئِهِنَّ مِنْ مِلْكٍ تَامٍّ أَوْلَى وَأَحْرَى . يُوَضِّحُ ذَلِكَ : أَنَّ الْمَانِعَ : إمَّا الْكُفْرُ ; وَإِمَّا الرِّقُّ . وَهَذَا الْكُفْرُ لَيْسَ بِمَانِعِ ; وَالرِّقُّ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ ; وَإِنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ التَّزَوُّجِ . فَإِذَا كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْوَطْءِ قَائِمًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفِيًا : جَازَ الْوَطْءُ . فَهَذَا الْوَجْهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى " قِيَاسِ التَّمْثِيلِ " وَعَلَى " قِيَاس الْأَوْلَى " وَيَخْرُجُ مِنْهُ " وَجْهٌ رَابِعٌ " يُجْعَلُ " قِيَاسَ التَّعْلِيلِ " . فَيُقَالُ : الرِّقُّ مُقْتَضٍ لِجَوَازِ وَطْءِ الْمَمْلُوكَةِ ; كَمَا نَبَّهَ النَّصُّ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ كَقَوْلِهِ : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْوَطْءُ بِسَبَبِ . يُوجِبُ التَّحْرِيمَ ; بِأَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً بِالرِّضَاعِ ; أَوْ بِالصِّهْرِ أَوْ بِالشِّرْكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا مَا يَصْلُحُ لِلْمَنْعِ إلَّا كَوْنُهَا كِتَابِيَّةً وَهَذَا لَيْسَ بِمَانِعِ فَإِذَا كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْحِلِّ قَائِمًا وَالْمَانِعُ الْمَذْكُورُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا : وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمَعَارِضِ الْمُقَاوِمِ . وَهَذِهِ الْوُجُوهُ بَعْدَ تَمَامِ تَصَوُّرِهَا تُوجِبُ الْقَطْعَ بِالْحِلِّ . الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ سِيَرَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَجَدَ آثَارًا كَثِيرَةً تُبَيِّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مَانِعًا ; بَلْ هَذِهِ كَانَتْ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةَ خُلَفَائِهِ : مِثْلُ الَّذِي كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَكَانَتْ تَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَقْتُلُهَا وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهَا أَبُو داود وَغَيْرُهُ . وَهَذِهِ لَمْ تَكُنْ مُسْلِمَةً لَكِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ قَدْ يُقَالُ : إنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا ; لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَائِل مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ يَحْرُمُ نِكَاحُ الْمُشْرِكَاتِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } وَطَلَّقَ عُمَرُ امْرَأَتَهُ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ فَلَا يُعْلَمُ تَارِيخُ نُزُولِهَا وَفِي الْبَقَرَةِ مَا نَزَلَ مُتَأَخِّرًا كَآيَاتِ الزِّنَا وَفِيهَا مَا نَزَلَ مُتَقَدِّمًا : كَآيَاتِ الصِّيَامِ . وَمِثْلَ مَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ غَزْوَةَ تَبُوكَ قَالَ لِلْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ : هَلْ لَك فِي نِسَاءِ بَنِي الْأَصْفَرِ ؟ فَقَالَ : { ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } } وَمِثْلَ فَتْحِهِ لِخَيْبَرِ وَقَسْمِهِ لِلرَّقِيقِ وَلَمْ يَنْهَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ وَطْئِهِنَّ حَتَّى يُسْلِمْنَ كَمَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِبْرَاءِ . بَلْ مَنْ يُبِيحُ " وَطْءَ الْوَثَنِيَّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ " قَدْ يَسْتَدِلُّ بِمَا جَرَى يَوْمَ أوطاس مِنْ قَوْلِهِ : { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةِ } عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْوَثَنِيَّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ . وَفِي هَذَا كَلَامٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَالصَّحَابَةُ لَمَّا فَتَحُوا الْبِلَادَ لَمْ يَكُونُوا يَمْتَنِعُونَ عَنْ وَطْءِ النَّصْرَانِيَّاتِ .