تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ : قِيلَ : أَمْرُ إيجَابٍ . وَقِيلَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ . وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ : أَنَّ الْإِشْهَادَ هُوَ الطَّلَاقُ وَظَنَّ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ . وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَخِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ ; فَإِنَّ الطَّلَاقَ أَذِنَ فِيهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ حِينَ قَالَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } . وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْمُفَارَقَةِ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا إذَا قَضَتْ الْعِدَّةَ وَهَذَا لَيْسَ بِطَلَاقِ وَلَا بِرَجْعَةِ وَلَا نِكَاحٍ . وَالْإِشْهَادُ فِي هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَعُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الرَّجْعَةِ . وَمِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ يُطَلِّقُهَا وَيَرْتَجِعُهَا فَيُزَيِّنُ لَهُ الشَّيْطَانُ كِتْمَانَ ذَلِكَ حَتَّى يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقًا مُحَرَّمًا وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ فَتَكُونُ مَعَهُ حَرَامًا فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الرَّجْعَةِ لِيُظْهِرَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَتْ بِهِ طَلْقَةٌ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا ; لِئَلَّا يُزَيِّنَ الشَّيْطَانُ كِتْمَانَ اللُّقَطَةِ ; وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا بَلْ خَلَّى سَبِيلَهَا فَإِنَّهُ يُظْهِرُ لِلنَّاسِ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ ; بَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ ; بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ زَوْجَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي النَّاسُ أَطَلَّقَهَا أَمْ لَمْ يُطَلِّقْهَا