تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ . " فَالْأَوَّلُ " أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَكْرُوهًا لَهُ ; لَكِنَّهُ إذَا وَجَدَ الشَّرْطَ فَإِنَّهُ يُرِيدُ الطَّلَاقَ ; لِكَوْنِ الشَّرْطِ أُكْرِهَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُ طَلَاقَهَا وَيَكْرَهُ الشَّرْطَ ; لَكِنْ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ طَلَاقَهَا : مِثْلَ أَنْ يَكُونَ كَارِهًا لِلتَّزَوُّجِ بِامْرَأَةٍ بَغِيٍّ أَوْ فَاجِرَةٍ أَوْ خَائِنَةٍ أَوْ هُوَ لَا يَخْتَارُ طَلَاقَهَا ; لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ هَذِهِ الْأُمُورَ : اخْتَارَ طَلَاقَهَا ; فَيَقُولُ إنْ زَنَيْت أَوْ سَرَقْت أَوْ خُنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ . وَمُرَادُهُ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا : إمَّا عُقُوبَةً لَهَا ; وَإِمَّا كَرَاهَةً لِمُقَامِهِ مَعَهَا عَلَى هَذَا الْحَالِ : فَهَذَا مُوقِعٌ لِلطَّلَاقِ عِنْدَ الصِّفَةِ ; لَا حَالِفٌ : وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ : كَابْنِ مَسْعُودٍ ; وَابْنِ عُمَرَ ; وَعَنْ التَّابِعِينَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ ; وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا : إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ; وَلَكِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ . وَهَذَا لَيْسَ بِحَالِفِ ; وَلَا يَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْيَمِينِ الْمُكَفِّرَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ; وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ سَمَّى هَذَا حَالِفًا كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مُعَلِّقٍ حَالِفًا ; وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مُنْجِزٍ لِلطَّلَاقِ حَالِفًا . وَهَذِهِ الِاصْطِلَاحَاتُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي اللُّغَةِ ; وَلَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَلَا كَلَامِ الصَّحَابَةِ ; وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ يَمِينًا لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمِينِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَ الْمُسَمَّى . وَهُوَ ظَنُّهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الصِّفَةِ . وَأَمَّا التَّعْلِيقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ فَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنَاهُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنَاهُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ . وَهَذَا الْقَسَمُ إذَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ فَإِنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ كَارِهًا لِلْجَزَاءِ ; وَهُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ : فَيَكُونُ كَارِهًا لِلشَّرْطِ ; وَهُوَ لِلْجَزَاءِ أَكْرَهُ وَيَلْتَزِمُ أَعْظَمَ الْمَكْرُوهَيْنِ عِنْدَهُ لِيَمْتَنِعَ بِهِ مِنْ أَدْنَى الْمَكْرُوهَيْنِ . فَيَقُولُ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ . أَوْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ . أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ وَنَحْوَ ذَلِكَ . أَوْ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ : إنْ زَنَيْت أَوْ سَرَقْت أَوْ خُنْت : فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقْصِدُ زَجْرَهَا أَوْ تَخْوِيفَهَا بِالْيَمِينِ لَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ إذَا فَعَلَتْ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مُرِيدًا لَهَا وَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ ; لِكَوْنِ طَلَاقِهَا أَكْرَهَ إلَيْهِ مِنْ مُقَامِهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَهُوَ عَلَّقَ بِذَلِكَ لِقَصْدِ الْحَظْرِ وَالْمَنْعِ ; لَا لِقَصْدِ الْإِيقَاعِ : فَهَذَا حَالِفٌ لَيْسَ بِمُوقِعِ . وَهَذَا هُوَ الْحَالِفُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ الَّذِي تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ . وَالنَّاسُ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الَّتِي فِي مَعْنَاهَا ; فَإِنْ عَلِمَ هَذَا وَهَذَا سَوَاءٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .