تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَمَا حُكْمُهُ فِي الْإِصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَمَّا " شَارِبُ الْخَمْرِ " فَيَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُجْلَدَ الْحَدَّ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً أَوْ ثَمَانُونَ جَلْدَةً . فَإِنْ جَلَدَهُ ثَمَانِينَ جَازَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَفِي الْإِجْزَاءِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ الثَّمَانُونَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةَ تَعْزِيرٌ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الشُّرْبِ أَوْ إصْرَارِ الشَّارِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعَزِّرُ بِأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ ; كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْفِي الشَّارِبَ عَنْ بَلَدِهِ وَيُمَثِّلُ بِهِ بِحَلْقِ رَأْسِهِ . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ : فَاقْتُلُوهُ } فَأَمَرَ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُوجِبُونَ الْقَتْلَ ; بَلْ يَجْعَلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخًا ; وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ . وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ : إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ الشُّرْبِ إلَّا بِالْقَتْلِ جَازَ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي السُّنَنِ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ قَالَ : { فَإِنْ لَمْ يَدَعُوا ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُمْ } . وَالْحَقُّ مَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حَمَّارًا وَهُوَ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ; فَكَانَ كُلَّمَا شَرِبَ جَلَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا تَلْعَنْهُ ; فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ جُلِدَ مَعَ كَثْرَةِ شُرْبِهِ . وَأَمَّا " تَارِكُ الصَّلَاةِ " فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَأَكْثَرُهُمْ - كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد - يَقُولُونَ : إنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . وَهَلْ يُقْتَلُ كَافِرًا مُرْتَدًّا أَوْ فَاسِقًا كَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . فَإِذَا لَمْ تُمْكِنْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ مَعَهُ الْمُمْكِنُ : فَيُهْجَرُ : وَيُوَبَّخُ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَفْرُوضَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ وَلَا يَكُونُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } مَعَ أَنَّ إضَاعَتَهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَكَيْفَ بِتَارِكِهَا ؟