وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَمْلُوكٌ ذَكَرَ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ قُمَاشًا وَذَكَرَ الْغُلَامُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ ؟ عِنْدَ سَيِّدِهِ الْقَدِيمِ [ فِي ] مِنْدِيلٍ : فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ؟ وَمَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ
فَأَجَابَ : لَا يُؤْخَذُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْغُلَامِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَالِيَ الْحَرْبِ أَوْ قَاضِيَ الْحُكْمِ ; بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمُتَّهَمِ بِسَرِقَةِ وَنَحْوِهَا أَنْ يُنْظَرَ فِي الْمُتَّهَمِ : فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ . فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ لَمْ يَجُزْ مُطَالَبَتُهُ وَلَا عُقُوبَتُهُ . وَهَلْ يَحْلِفُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُعَزَّرُ مَنْ رَمَاهُ بِالتُّهْمَةِ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَإِنَّهُ يُحْبَسَ حَتَّى يُكْشَفَ أَمْرُهُ . قِيلَ : يُحْبَسُ شَهْرًا . وَقِيلَ : اجْتِهَادُ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِمَا فِي السُّنَنِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ } وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ الْمُنَاسِبِ لِلتُّهْمَةِ فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ : يَضْرِبُهُ الْوَالِي ; دُونَ الْقَاضِي . وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَد . وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ : لَا يُضْرَبُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَنْ يَمَسَّ بَعْضَ الْمُعَاهَدِينَ بِالْعَذَابِ لَمَّا كَتَمَ إخْبَارَهُ بِالْمَالِ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ : أَيْنَ كَنْزُ حيي بْنِ أَخْطَبَ ؟ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ . فَقَالَ : الْمَالُ كَثِيرٌ وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ : دُونَك هَذَا فَمَسَّهُ الزُّبَيْرُ بِشَيْءِ مِنْ الْعَذَابِ فَدَلَّهُمْ عَلَى الْمَالِ } . وَأَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ الْمَالَ فَهَذَا أَخَفُّ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ لَمْ يَجُزْ إلْزَامُهُ بِالْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِمُ وَالِيًا أَوْ قَاضِيًا .