تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَكَانَتْ " مَوَاضِعُ الْأَئِمَّةِ وَمَجَامِعُ الْأُمَّةِ " هِيَ الْمَسَاجِدَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَّسَ مَسْجِدَهُ الْمُبَارَكَ عَلَى التَّقْوَى : فَفِيهِ الصَّلَاةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ ; وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ وَالْخُطَبُ . وَفِيهِ السِّيَاسَةُ وَعَقْدُ الْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ وَتَأْمِيرُ الْأُمَرَاءِ وَتَعْرِيفُ الْعُرَفَاءِ . وَفِيهِ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُ لِمَا أَهَمَّهُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ . وَكَذَلِكَ عُمَّالُهُ فِي : مِثْلِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَبِلَادِ الْيَمَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَكَذَلِكَ عُمَّالُهُ عَلَى الْبَوَادِي ; فَإِنَّ لَهُمْ مَجْمَعًا فِيهِ يُصَلُّونَ وَفِيهِ يُسَاسُونَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ ; كُلَّمَا ذَهَبَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَكُمْ ; فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا استرعاهم } . وَكَانَ " الْخُلَفَاءُ وَالْأُمَرَاءُ " يَسْكُنُونَ فِي بُيُوتِهِمْ كَمَا يَسْكُنُ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ فِي بُيُوتِهِمْ ; لَكِنَّ مَجْلِسَ الْإِمَامِ الْجَامِعَ هُوَ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ . وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ بَنَى لَهُ بِالْكُوفَةِ قَصْرًا وَقَالَ : أَقْطَعُ عَنِّي النَّاسُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مسلمة وَأَمَرَهُ أَنْ يُحْرِقَهُ فَاشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ حُزْمَة حَطَبٍ وَشَرْطٍ عَلَيْهِ حَمَلَهَا إلَى قَصْرِهِ فَحَرَقَهُ ; فَإِنَّ عُمْر كُرْه لِلْوَالِي الِاحْتِجَاب عَنْ رَعِيَّتِهِ ; وَلَكِنْ بُنِيَتْ قُصُورُ الْأُمَرَاءِ . فَلَمَّا كَانَتْ إمَارَة مُعَاوِيَة احْتَجَبَ لِمَا خَافَ أَنْ يَغْتَالَ كَمَا اُغْتِيلَ عَلَيَّ وَاُتُّخِذَ الْمَقَاصِير فِي الْمَسَاجِدِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا ذُو السُّلْطَانِ وَحَاشِيَته وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ ; فَاسْتَنَّ بِهِ الْخُلَفَاءُ الْمُلُوك بِذَلِكَ فَصَارُوا مَعَ كَوْنِهِمْ يَتَوَلَّوْنَ الْحَرْبَ وَالصَّلَاةَ بِالنَّاسِ وَيُبَاشِرُونَ الْجُمْعَة وَالْجَمَاعَة وَالْجِهَاد وَإِقَامَة الْحُدُودِ : لَهُمْ قُصُور يَسْكُنُونَ فِيهَا وَيَغْشَاهُمْ رُءُوس النَّاسِ فِيهَا كَمَا كَانَتْ " الْخَضْرَاء " لِبَنِي أُمِّيَّة قَبَلِيّ الْمَسْجِد الْجَامِع وَالْمَسَاجِد يَجْتَمِعُ فِيهَا لِلْعِبَادَاتِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ .