وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فِي هَؤُلَاءِ " الْمُنَجِّمِينَ " الَّذِينَ يَجْلِسُونَ عَلَى الطُّرُقِ وَفِي الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا وَيَجْلِسُ عِنْدَهُمْ النِّسَاءُ . وَالْفُسَّاقُ أَيْضًا بِسَبَبِ النِّسَاءِ وَيَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْمُنَجِّمُونَ أَنَّهُمْ يُخْبَرُونَ بِالْأُمُورِ الْمَغِيبَةِ مُعْتَمِدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى صِنَاعَةِ التَّنْجِيمِ وَيَكْتُبُونَ لِلنَّاسِ الأوفاق وَيُسْحِرُونَ وَيَكْتُبُونَ الطَّلَاسِمَ وَيُعَلِّمُونَ النِّسَاءَ السِّحْرَ لِأَزْوَاجِهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَيَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ عَلَى أَبْوَابِ الْحَوَانِيتِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا آلَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إفْسَادِ النِّسَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَإِفْسَادِ عَقَائِدِ النَّاسِ وَتَعَلُّقِ هَمَجِهِمْ بِالسِّحْرِ وَالْكَوَاكِبِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَالنَّوَازِلِ : فَهَلْ يَحِلُّ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ صِنَاعَةُ " التَّنْجِيمِ " مُحَرَّمَةٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَبَذْلُهَا حَرَامٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَانُوتِ مِنْ نَاظِرٍ وَمَالِكٍ وَوَكِيلٍ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الْأُجْرَةُ حَرَامٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إزَالَةُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ إذَا لَمْ يَفْعَلُ وَلِيُّ الْأَمْرِ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ يَدْخُلُ فِي وَعِيدِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُهُ : " { مَا مِنْ وَالٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ثُمَّ لَمْ يَجْهَدْ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ } " وَإِذَا أَنْكَرَ وَلِيُّ الْأَمْرِ هَذَا الْمُنْكَرَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ؟ وَهَلْ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ إذَا أَنْكَرَهُ أَمْ لَا ؟ وَإِنْ رَأَوْا أَنْ يَذْكُرُوا مَا حَضَرَهُمْ مِنْ الْأَحَادِيثِ الوعيدية فِي ذَلِكَ مَأْجُورِينَ . إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؟
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَصِنَاعَةُ " التَّنْجِيمِ " الَّتِي مَضْمُونُهَا الْأَحْكَامُ وَالتَّأْثِيرُ وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ وَالتَّمْزِيجِ بَيْنَ الْقُوَى الْفَلَكِيِّ وَالْقَوَابِلِ الْأَرْضِيَّةِ : صِنَاعَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ; بَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى لِسَان جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } وَقَالَ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } قَالَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ : الْجِبْتُ السِّحْرُ . وَرَوَى أَبُو داود فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مخارق عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { الْعِيَافَةُ وَالطَّرْقُ وَالطِّيرَةُ مِنْ الْجِبْتِ } " قَالَ عَوْفٌ رَاوِي الْحَدِيثِ : الْعِيَافَةُ زَجْرُ الطَّيْرِ ; وَالطَّرْقُ الْخَطُّ يُخَطُّ فِي الْأَرْضِ . وَقِيلَ بِالْعَكْسِ . فَإِذَا كَانَ الْخَطُّ وَنَحْوُهُ الَّذِي هُوَ مِنْ فُرُوعِ النَّجَّامَةِ مِنْ الْجِبْتِ ; فَكَيْفَ بِالنَّجَّامَةِ ؟ " وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوَلِّدُونَ الْأَشْكَالَ فِي الْأَرْضِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ أَشْكَالِ الْفَلَكِ . وَرَوَى أَحْمَد وَأَبُو داود وَابْنُ ماجه وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ ; زَادَ مَا زَادَ } " فَقَدْ صَرَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ عِلْمَ النُّجُومِ مِنْ السِّحْرِ ; وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } وَهَكَذَا الْوَاقِعُ ; فَإِنَّ الِاسْتِقْرَاءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ النُّجُومِ لَا يُفْلِحُونَ ; لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ . وَرَوَى أَحْمَد وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ; عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عُبَيْدٍ ; عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا } " وَالْمُنَجِّمُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعَرَّافِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ . وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ فِي مَعْنَاهُ . فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَ السَّائِلِ فَكَيْفَ بِالْمَسْئُولِ . وَرَوَى أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ { عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السلمي قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا مِنَّا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ . قَالَ : فَلَا تَأْتُوهُمْ } " فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إتْيَانِ الْكُهَّانِ وَالْمُنَجِّمُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْكَاهِنِ عِنْدَ الخطابي وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ . وَعِنْدَ آخَرِينَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْكَاهِنِ وَأَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ فَلَحِقَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( { ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ . وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ خَبِيثٌ } وَحُلْوَانُهُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ " حَلَاوَتُهُ " وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا يُعْطِيهِ الْمُنَجِّمُ وَصَاحِبُ الْأَزْلَامِ الَّتِي يَسْتَقْسِمُ بِهَا مِثْلَ الْخَشَبَةِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا أ ب ج د وَالضَّارِبِ بِالْحَصَى وَنَحْوِهِمْ فَمَا يُعْطَى هَؤُلَاءِ حَرَامٌ . وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ : كالبغوي وَالْقَاضِي عِيَاضٍ ; وَغَيْرِهِمَا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ اللَّيْلَةَ ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ } " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ ; يُنَزِّلُ اللَّهُ الْغَيْثَ وَيَقُولُونَ بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا . } " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ : الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ } " وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ; عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } قَالَ : هُوَ الِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ ; أَوْ كَمَا قَالَ . وَالنُّصُوص عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَتَّسِعَ هَذَا الْمَوْضِعُ لِذِكْرِهَا . وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمَأْخُوذَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالْهِبَةَ وَالْكَرَامَةَ حَرَامٌ عَلَى الدَّافِعِ ; وَالْآخِذِ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُلَّاكِ وَالنُّظَّارِ وَالْوُكَلَاءِ إكْرَاءُ الْحَوَانِيتِ الْمَمْلُوكَةِ أَوْ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ بِهَذِهِ الْمَنْفَعَةِ ; إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ فِيهَا هَذَا الْجِبْتَ الْمَلْعُونَ . وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَكُلِّ قَادِرٍ السَّعْيُ فِي إزَالَةِ ذَلِكَ . وَمَنَعَهُمْ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْحَوَانِيتِ أَوْ الطُّرُقَاتِ ; أَوْ دُخُولِهِمْ عَلَى النَّاسِ فِي مَنَازِلِهِمْ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَيَكْفِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ } وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَاعِينَ يَقُولُونَ الْإِثْمَ وَيَأْكُلُونَ السُّحْتَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ; وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَةِ الصِّدِّيقِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " { إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْهُ } " وَأَيُّ مُنْكَرٍ أُنْكِرَ مِنْ عَمَلِ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ ; سُوسِ الْمُلْكِ ; وَأَعْدَاءِ الرُّسُلِ ; وَأَفْرَاخِ الصَّابِئَةِ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ فَهَلْ كَانَتْ بَعْثَةُ الْخَلِيلِ صَلَاةَ اللَّهِ وَسَلَامَهُ عَلَيْهِ إمَامِ الْحُنَفَاءِ إلَّا إلَى سَلَفِ هَؤُلَاءِ ; فَإِنَّ نمرود بْنَ كَنْعَانَ كَانَ مَلِكَ هَؤُلَاءِ ; وَعُلَمَاءُ الصَّابِئَةِ هُمْ الْمُنَجِّمُونَ وَنَحْوُهُمْ وَهَلْ عُبِدَتْ الْأَوْثَانُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ إلَّا عَنْ رَأْيِ هَذَا الصِّنْفِ الْخَبِيثِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ اسْتَقْوَوْهُ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى التَّدَيُّنِ بِكِتَابِ فَإِنَّهُ الْخَلِيقُ بِأَنْ يَأْخُذَ بِنَصِيبِ مِنْ قَوْلِهِ : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } . وَهَكَذَا قَدْ اعْتَرَفَ رُؤَسَاءُ الْمُنَجِّمِينَ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ أَهْلُ الْعِبَادَاتِ وَالدَّعَوَاتِ يَرْفَعُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِبَرَكَةِ عِبَادَاتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَى اللَّهِ مَا يَزْعُمُ الْمُنَجِّمُونَ أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ وَيَعْتَرِفُونَ أَيْضًا بِأَنَّ أَهْلَ الْعِبَادَاتِ وَالدَّعَوَاتِ ذَوِي التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ يُعْطَوْنَ مِنْ ثَوَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَيْسَ فِي قُوَى الْأَفْلَاكِ أَنْ تَجْلِبَهُ . فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي اتِّبَاعِ الْمُرْسَلِينَ وَجَعَلَ خَيْرَ أُمَّةٍ هُمْ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَقَالَ تَعَالَى : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } وَاَللَّهُ يُؤَيِّدُ وَيُعِينُ عَلَى الدِّينِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .