تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
" الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ " أَنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ يُحْلَفُ بِهَا تَارَةً بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ ; لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ تَخْرُجَ الْيَمِينُ عَنْ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ . " فَالْأَوَّلُ " كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَنْ أَفْعَلَ كَذَا أَوْ عَلَيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا ; أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ لَا أَفْعَلُ . " وَالثَّانِي " كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ . أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي حَرَامٌ أَوْ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ . وَلِهَذَا عَقَدَ الْفُقَهَاءُ لِمَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا " بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ " فَيَذْكُرُونَ فِيهِ الْحَلِفَ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ : كَإِنْ وَمَتَى وَإِذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ صِيغَةُ الْقَسَمِ ضِمْنًا وَتَبَعًا . وَالْبَابُ الثَّانِي " بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ " مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ; فَيَذْكُرُونَ فِيهِ الْحَلِفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَإِنْ دَخَلَتْ صِيغَةُ الْجَزَاءِ ضِمْنًا وَتَبَعًا . وَمَسَائِلُ أَحَدِ الْبَابَيْنِ مُخْتَلِطَةٌ بِمَسَائِلِ الْبَابِ الْآخَرِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا . وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ - لَمَّا ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ " بَابَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ " أَرْدَفُوهُ " بِبَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ " وَطَائِفَةٌ أُخْرَى كالخرقي وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا ذَكَرُوا " بَابَ جَامِعِ الْأَيْمَانِ " فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " لِأَنَّهُ أَمَسُّ . وَنَظِيرُ هَذَا " بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ " مِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُهُ عِنْدَ " بَابِ اللِّعَانِ " لِاتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُهُ إلَى " كِتَابِ الْحُدُودِ " لِأَنَّهُ بِهِ أَخَصُّ . وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ لِلْيَمِينِ " صِيغَتَيْنِ " صِيغَةِ الْقَسَمِ وَصِيغَةِ الْجَزَاءِ . فَالْمُقَدَّمُ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ مُؤَخَّرٌ فِي صِيغَةِ الْجَزَاءِ وَالْمُؤَخَّرُ فِي صِيغَةِ الْجَزَاءِ مُقَدَّمٌ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ . وَالشَّرْطُ الْمُثْبَتُ فِي صِيغَةِ الْجَزَاءِ مَنْفِيٌّ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا . فَقَدْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَالطَّلَاقُ مُقَدَّمٌ مُثْبَتٌ ; وَالْفِعْلُ مُؤَخَّرٌ مَنْفِيٌّ : فَلَوْ حَلَفَ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ فَقَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ كَانَ يُقَدِّمُ الْفِعْلَ مُثْبَتًا وَيُؤَخِّرُ الطَّلَاقَ مَنْفِيًّا كَمَا أَنَّهُ فِي الْقَسَمِ قَدَّمَ الْحُكْمَ وَأَخَّرَ الْفِعْلَ . وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَنْحَلُّ مَسَائِلُ مِنْ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ . فَأَمَّا " صِيغَةُ الْجَزَاءِ " فَهِيَ " جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ " فِي الْأَصْلِ ; فَإِنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَا يَتَّصِلُ بِهَا فِي الْأَصْلِ إلَّا الْفِعْلُ . " وَأَمَّا صِيغَةُ الْقَسَمِ " فَتَكُونُ فِعْلِيَّةً كَقَوْلِهِ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ ; أَوْ تَاللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَتَكُونُ " اسْمِيَّةً " كَقَوْلِهِ لِعُمَرِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَأَفْعَلَنَّ . ثُمَّ هَذَا التَّقْسِيمُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَيْمَانِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ ; بَلْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ . تَارَةً تَكُونُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ فِي " الْجَعَالَةِ " مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ كَذَا ; وَقَوْلِهِ فِي " السَّبْقِ " مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا . وَتَارَةً بِصِيغَةِ التَّنْجِيزِ : إمَّا " صِيغَةُ خَبَرٍ " كَقَوْلِهِ بِعْت وَزَوَّجْت وَإِمَّا " صِيغَةُ طَلَبٍ " كَقَوْلِهِ بِعْنِي وَاخْلَعْنِي .