مسألة تالية
متن:
وَأَمَّا " مِقْدَارُ الضَّرْبِ " فَإِذَا كَانَ الضَّرْبُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ : مِثْلُ أَنْ يُضْرَبَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ . فَهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ ; بَلْ يُضْرَبُ يَوْمًا فَإِنْ فَعَلَ الْوَاجِبَ وَإِلَّا ضُرِبَ يَوْمًا آخَرَ ; لَكِنْ لَا يَزِيدُ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى التَّعْزِيرِ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّرُ أَعْلَاهُ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي " مِقْدَارِ أَعْلَى التَّعْزِيرِ " الَّذِي يُقَامُ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى أَقْوَالٍ " أَحَدُهَا " - وَهُوَ أَحْسَنُهَا وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا - أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ فِي التَّعْزِيرِ فِي كُلِّ جَرِيمَةٍ الْحَدَّ الْمُقَدَّرَ فِيهَا وَإِنْ زَادَ عَلَى حَدٍّ مُقَدَّرٍ فِي غَيْرِهَا . فَيَجُوزُ التَّعْزِيرُ فِي الْمُبَاشَرَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَفِي السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ بِالضَّرْبِ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا يَبْلُغُ بِذَلِكَ الرَّجْمَ وَالْقَطْعَ . الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَدْنَى الْحُدُودِ : إمَّا أَرْبَعِينَ وَإِمَّا ثَمَانِينَ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ . و " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " أَنْ لَا يُزَادَ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْقَتْلَ مِثْلَ قَتْلِ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ ؟ فِي ذَلِكَ " قَوْلَانِ " [ أَحَدُهُمَا ] قَدْ يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ فَيَجُوزُ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ إذَا قَصَدَ الْمَصْلَحَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَد كَابْنِ عَقِيلٍ وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي قَتْلِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدَعِ ; وَمَنْ لَا يَزُولُ فَسَادُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ ; وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَتْلُ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدَعِ كَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ . و " الْقَوْلُ الثَّانِي " أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ وَهُوَ مُذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد . وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد التَّوَقُّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ . وَمِمَّنْ يُجَوِّزُ التَّعْزِيرَ بِالْقَتْلِ فِي " الذُّنُوبِ الْكِبَارِ " أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَوَاضِعَ يُسَمُّونَ الْقَتْلَ فِيهَا سِيَاسَةً كَقَتْلِ مَنْ تَكَرَّرَ لِوَاطُهُ أَوْ قَتْلُهُ بالمثقل ; فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ قَتْلَهُ سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا ; وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ بَلْ وَلَا يُجَوِّزُهُ فِيمَنْ فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَمَّا صَاحِبَاهُ فَمَعَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ فَيُخَالِفُونَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْقَتْلِ ; وَفِي وُجُوبِ قَتْلِ اللُّوطِيِّ إمَّا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أَشْهَرِ رِوَايَتَيْهِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ مِثْلَ حَدِّ الزَّانِي كَقَوْلِ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ رِوَايَتَيْهِ . وَالْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِجَلْدِ الَّذِي أَحَلَّتْ امْرَأَتُهُ لَهُ جَارِيَتَهَا مِائَةً وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَجُلًا وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي فِرَاشٍ مِائَةً ; وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الَّذِي زَوَّرَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ فَأَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِائَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي الْيَوْمِ [ الثَّانِي ] وَالثَّالِثِ مِائَةً [ مِائَةً ] . وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ أَصْنَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الشُّعَبِ .