وَسُئِلَ   رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى  عَنْ   الشَّهَادَةِ  عَلَى  الْعَاصِي وَالْمُبْتَدِعِ : هَلْ تَجُوزُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالشُّهْرَةِ ؟  أَمْ لَا  بُدَّ  مِنْ السَّمَاعِ  وَالْمُعَايَنَةِ ؟ وَإِذَا  كَانَتْ الِاسْتِفَاضَةُ  فِي  ذَلِكَ كَافِيَةً فَمَنْ  ذَهَبَ إلَيْهِ  مِنْ الْأَئِمَّةِ ؟ وَمَا وَجْهُ حُجِّيَّتِهِ ؟ وَالدَّاعِي إلَى الْبِدْعَةِ وَالْمُرَجِّحُ  لَهَا ; هَلْ يَجُوزُ السَّتْرُ عَلَيْهِ ؟ أَمْ تَتَأَكَّدُ الشَّهَادَةُ لِيُحَذِّرَهُ النَّاسُ ؟ وَمَا حَدُّ الْبِدْعَةِ الَّتِي يُعَدُّ بِهَا الرَّجُلُ  مِنْ أَهْلِ  الْأَهْوَاءِ ؟ 
				
				
				 فَأَجَابَ :   مَا يُجْرَحُ  بِهِ الشَّاهِدُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَقْدَحُ  فِي عَدَالَتِهِ  وَدِينِهِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ  بِهِ إذَا عَلِمَهُ الشَّاهِدُ  بِهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ  وَيَكُونُ  ذَلِكَ قَدْحًا شَرْعِيًّا  كَمَا صَرَّحَ  بِذَلِكَ طَوَائِفُ الْفُقَهَاءِ  مِنْ   الْمَالِكِيَّةِ   وَالشَّافِعِيَّةِ   وَالْحَنْبَلِيَّةِ  وَغَيْرِهِمْ  فِي كُتُبِهِمْ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ صَرَّحُوا فِيمَا إذَا جُرِحَ الرَّجُلُ جَرْحًا مُفْسِدًا  أَنَّهُ يَجْرَحُهُ الْجَارِحُ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ  رَآهُ وَاسْتَفَاضَ . وَمَا  أَعْلَمُ  فِي  هَذَا نِزَاعًا بَيْنَ النَّاسِ  فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ يَشْهَدُونَ  فِي وَقْتِنَا  فِي مِثْلِ  عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ  وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ  وَأَمْثَالِهِمَا  مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالدِّينِ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوهُ إلَّا بِالِاسْتِفَاضَةِ . وَيَشْهَدُونَ  فِي مِثْلِ  الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ  وَالْمُخْتَارِ بْنِ  أَبِي عُبَيْدٍ  وَعُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ  وَغَيْلَانَ الْقَدَرِيِّ  وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَإِ الرافضي  وَنَحْوِهِمْ  مِنْ الظُّلْمِ وَالْبِدْعَةِ بِمَا لَا يَعْلَمُونَهُ إلَّا بِالِاسْتِفَاضَةِ . وَقَدْ  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {  أَنَّهُ  مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا ;  فَقَالَ :  وَجَبَتْ  وَمُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا  فَقَالَ :  وَجَبَتْ  وَجَبَتْ  قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُك :  وَجَبَتْ  وَجَبَتْ ؟  قَالَ : هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْت  وَجَبَتْ  لَهَا الْجَنَّةُ وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْت  وَجَبَتْ  لَهَا النَّارُ . أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ  فِي الْأَرْضِ   }  .  هَذَا إذَا  كَانَ الْمَقْصُودُ تَفْسِيقَهُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ . وَأَمَّا إذَا  كَانَ الْمَقْصُودُ التَّحْذِيرَ مِنْهُ وَاتِّقَاءَ شَرِّهِ فَيُكْتَفَى بِمَا  دُونَ  ذَلِكَ  كَمَا  قَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ  اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ  ;   وَبَلَغَ  عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا يَجْتَمِعُ إلَيْهِ الْأَحْدَاثُ  فَنَهَى عَنْ  مُجَالَسَتِهِ  . فَإِذَا  كَانَ الرَّجُلُ مُخَالِطًا  فِي السَّيْرِ لِأَهْلِ الشَّرِّ يُحَذَّرُ عَنْهُ .  و " الدَّاعِي إلَى الْبِدْعَةِ "   مُسْتَحِقٌّ الْعُقُوبَةَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ  وَعُقُوبَتُهُ تَكُونُ تَارَةً بِالْقَتْلِ وَتَارَةً بِمَا دُونَهُ  كَمَا قَتَلَ   السَّلَفُ  جَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ  وَالْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ  وَغَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ  وَغَيْرَهُمْ . وَلَوْ قُدِّرَ  أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ أَوْ لَا يُمْكِنُ عُقُوبَتُهُ  فَلَا  بُدَّ  مِنْ بَيَانِ بِدْعَتِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا  فَإِنَّ  هَذَا  مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي  أَمَرَ اللَّهُ  بِهِ وَرَسُولُهُ .  و " الْبِدْعَةُ " الَّتِي يُعَدُّ بِهَا الرَّجُلُ  مِنْ أَهْلِ  الْأَهْوَاءِ  مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ  مُخَالَفَتُهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ; كَبِدْعَةِ   الْخَوَارِجِ   وَالرَّوَافِضِ   وَالْقَدَرِيَّةِ   وَالْمُرْجِئَةِ  فَإِنَّ  عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ  وَيُوسُفَ بْنَ أَسْبَاطٍ  وَغَيْرَهُمَا  قَالُوا : أُصُولُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً هِيَ أَرْبَعٌ :   الْخَوَارِجُ   وَالرَّوَافِضُ   وَالْقَدَرِيَّةُ   وَالْمُرْجِئَةُ  قِيلَ  لِابْنِ الْمُبَارَكِ  :   فالجهمية  ؟  قَالَ : لَيْسَتْ   الجهمية  مِنْ أُمَّةِ   مُحَمَّدٍ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  .  و " الجهمية "  نفاة الصِّفَاتِ ; الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ  وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى  فِي الْآخِرَةِ  وَإِنَّ   مُحَمَّدًا  لَمْ يُعْرَجْ  بِهِ إلَى اللَّهِ  وَإِنَّ اللَّهَ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا حَيَاةَ وَنَحْوَ  ذَلِكَ  كَمَا يَقُولُهُ   الْمُعْتَزِلَةُ  والمتفلسفة وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ .  وَقَدْ  قَالَ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ  : هُمَا صِنْفَانِ فَاحْذَرْهُمَا :   الجهمية   وَالرَّافِضَةُ  .  فَهَذَانِ الصِّنْفَانِ شِرَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمِنْهُمْ دَخَلَتْ   الْقَرَامِطَةُ الْبَاطِنِيَّةُ   كالنصيرية   والإسماعيلية  وَمِنْهُمْ اتَّصَلَتْ   الِاتِّحَادِيَّةُ  ; فَإِنَّهُمْ  مِنْ جِنْسِ  الطَّائِفَةِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ  .  و " الرَّافِضَةُ "  فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مَعَ الرَّفْضِ جهمية قَدَرِيَّةٌ ; فَإِنَّهُمْ ضَمُّوا إلَى الرَّفْضِ مَذْهَبَ   الْمُعْتَزِلَةِ  ;  ثُمَّ قَدْ يَخْرُجُونَ إلَى مَذْهَبِ   الإسماعيلية  وَنَحْوٍ  مِنْ أَهْلِ  الزَّنْدَقَةِ وَالِاتِّحَادِ . وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ  أَعْلَمُ . 
							
				 
            