مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 وَأَمَّا   الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ   كُلُّهُ فَقَدْ  قَالَ تَعَالَى  فِي حَقِّ   الْيَهُودِ  :   {  وَدَّ كَثِيرٌ  مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ  مِنْ بَعْدِ  إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا  مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ  مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ  لَهُمُ الْحَقُّ   }  يَوَدُّونَ أَيْ يَتَمَنَّوْنَ ارْتِدَادَكُمْ حَسَدًا  فَجَعَلَ الْحَسَدَ هُوَ الْمُوجِبَ  لِذَلِكَ الْوُدِّ  مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ  لَهُمْ الْحَقُّ ; لِأَنَّهُمْ  لَمَّا رَأَوْا  أَنَّكُمْ قَدْ  حَصَلَ لَكُمْ  مِنْ النِّعْمَةِ مَا  حَصَلَ ; بَلْ مَا لَمْ يَحْصُلْ  لَهُمْ مِثْلُهُ حَسَدُوكُمْ  وَكَذَلِكَ  فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {   أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ  عَلَى مَا  آتَاهُمُ اللَّهُ  مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ  آتَيْنَا  آلَ إبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا   }   {   فَمِنْهُمْ مَنْ  آمَنَ  بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ  صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   قُلْ  أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ   }   {  مِنْ شَرِّ مَا  خَلَقَ   }   {  وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ   }   {  وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ  فِي الْعُقَدِ   }   {  وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذَا  حَسَدَ   }  . وَقَدْ  ذَكَرَ  طَائِفَةٌ  مِنْ الْمُفَسِّرِينَ  أَنَّهَا ( نَزَلَتْ بِسَبَبِ حَسَدِ   الْيَهُودِ  لِلنَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حَتَّى سَحَرُوهُ :  سَحَرَهُ  لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ  فَالْحَاسِدُ  الْمُبْغِضُ لِلنِّعْمَةِ  عَلَى مَنْ  أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا  ظَالِمٌ  مُعْتَدٍ وَالْكَارِهُ لِتَفْضِيلِهِ الْمُحِبُّ  لِمُمَاثَلَتِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ  ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ فَإِذَا  أَحَبَّ أَنْ يُعْطَى مِثْلَ مَا  أُعْطِيَ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ  فَهَذَا لَا بَأْسَ  بِهِ وَإِعْرَاضُ قَلْبِهِ عَنْ  هَذَا بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى  حَالِ الْغَيْرِ أَفْضَلُ . ثُمَّ  هَذَا   الْحَسَدُ إنْ عَمِلَ بِمُوجِبِهِ صَاحِبُهُ  كَانَ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا مُسْتَحِقًّا لِلْعُقُوبَةِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ  وَكَانَ الْمَحْسُودُ مَظْلُومًا مَأْمُورًا بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى فَيَصْبِرُ  عَلَى أَذَى الْحَاسِدِ وَيَعْفُو وَيَصْفَحُ عَنْهُ  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {  وَدَّ كَثِيرٌ  مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ  مِنْ بَعْدِ  إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا  مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ  مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ  لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ   }  وَقَدْ اُبْتُلِيَ   يُوسُفُ  بِحَسَدِ إخْوَتِهِ لَهُ حَيْثُ  قَالُوا :   {   لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ  أَحَبُّ إلَى  أَبِينَا  مِنَّا  وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إنَّ  أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ   }  فَحَسَدُوهُمَا  عَلَى تَفْضِيلِ الْأَبِ  لَهُمَا وَلِهَذَا  قَالَ   يَعْقُوبُ   لِيُوسُفَ  :   {   لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ  عَلَى إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إنَّ  الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ   }  .  ثُمَّ إنَّهُمْ ظَلَمُوهُ بِتَكَلُّمِهِمْ  فِي قَتْلِهِ وَإِلْقَائِهِ  فِي الْجُبِّ وَبَيْعِهِ رَقِيقًا لِمَنْ  ذَهَبَ  بِهِ إلَى بِلَادِ الْكُفْرِ  فَصَارَ مَمْلُوكًا لِقَوْمِ كُفَّارٍ  ثُمَّ إنَّ   يُوسُفَ  اُبْتُلِيَ بَعْدَ أَنْ ظُلِمَ بِمَنْ يَدْعُوهُ إلَى الْفَاحِشَةِ وَيُرَاوِدُ عَلَيْهَا وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِمَنْ  يُعِينُهُ  عَلَى  ذَلِكَ فَاسْتَعْصَمَ وَاخْتَارَ السَّجْنَ  عَلَى الْفَاحِشَةِ  وَآثَرَ عَذَابَ الدُّنْيَا  عَلَى سَخَطِ اللَّهِ  فَكَانَ مَظْلُومًا  مِنْ جِهَةِ مَنْ  أَحَبَّهُ لِهَوَاهُ وَغَرَضِهِ الْفَاسِدِ . فَهَذِهِ الْمُحِبَّةُ  أَحَبَّتْهُ لِهَوَى مَحْبُوبِهَا شِفَاؤُهَا وَشِفَاؤُهُ إنْ وَافَقَهَا وَأُولَئِكَ الْمُبْغِضُونَ أَبْغَضُوهُ بِغْضَةً أَوْجَبَتْ أَنْ يَصِيرَ مُلْقًى  فِي الْجُبِّ  ثُمَّ  أَسِيرًا مَمْلُوكًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَأُولَئِكَ أَخْرَجُوهُ  مِنْ إطْلَاقِ الْحُرِّيَّةِ إلَى رِقِّ الْعُبُودِيَّةِ الْبَاطِلَةِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهَذِهِ أَلْجَأَتْهُ إلَى أَنْ اخْتَارَ أَنْ  يَكُونَ مَحْبُوسًا مَسْجُونًا بِاخْتِيَارِهِ  فَكَانَتْ هَذِهِ  أَعْظَمَ  فِي مِحْنَتِهِ  وَكَانَ صَبْرُهُ هُنَا صَبْرًا اخْتِيَارِيًّا اقْتَرَنَ  بِهِ التَّقْوَى بِخِلَافِ صَبْرِهِ  عَلَى ظُلْمِهِمْ  فَإِنَّ  ذَلِكَ  كَانَ  مِنْ بَابِ الْمَصَائِبِ الَّتِي مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهَا صَبْرَ الْكِرَامِ  سَلَا سُلُوَّ الْبَهَائِمِ . وَالصَّبْرُ الثَّانِي أَفْضَلُ الصَّبْرَيْنِ ; وَلِهَذَا  قَالَ : {   إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ  فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ   }  . وَهَكَذَا إذَا   أُوذِيَ الْمُؤْمِنُ  عَلَى  إيمَانِهِ وَطُلِبَ مِنْهُ الْكُفْرُ أَوْ الْفُسُوقُ أَوْ الْعِصْيَانُ  وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُوذِيَ وَعُوقِبَ فَاخْتَارَ الْأَذَى وَالْعُقُوبَةَ  عَلَى فِرَاقِ دِينِهِ : إمَّا الْحَبْسُ وَإِمَّا الْخُرُوجُ  مِنْ بَلَدِهِ  كَمَا جَرَى لِلْمُهَاجِرِينَ حَيْثُ  اخْتَارُوا فِرَاقَ الْأَوْطَانِ  عَلَى فِرَاقِ الدِّينِ  وَكَانُوا يُعَذَّبُونَ وَيُؤْذَوْنَ .  وَقَدْ أُوذِيَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِأَنْوَاعِ  مِنْ الْأَذَى  فَكَانَ يَصْبِرُ عَلَيْهَا صَبْرًا اخْتِيَارِيًّا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُؤْذَى لِئَلَّا يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ  وَكَانَ  هَذَا  أَعْظَمَ  مِنْ صَبْرِ   يُوسُفَ  : لِأَنَّ   يُوسُفَ  إنَّمَا طُلِبَ مِنْهُ الْفَاحِشَةُ وَإِنَّمَا عُوقِبَ إذَا لَمْ يَفْعَلْ بِالْحَبْسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَصْحَابُهُ طُلِبَ مِنْهُمْ الْكُفْرُ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا طُلِبَتْ عُقُوبَتُهُمْ بِالْقَتْلِ  فَمَا دُونَهُ وَأَهْوَنُ مَا عُوقِبَ  بِهِ الْحَبْسُ  فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ حَبَسُوهُ   وَبَنِيَّ هَاشِمٍ   بِالشِّعْبِ  مُدَّةً  ثُمَّ  لَمَّا مَاتَ  أَبُو طَالِبٍ  اشْتَدُّوا عَلَيْهِ  فَلَمَّا بَايَعَتْ   الْأَنْصَارُ  وَعَرَفُوا  بِذَلِكَ  صَارُوا يَقْصِدُونَ مَنْعَهُ  مِنْ الْخُرُوجِ وَيَحْبِسُونَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ  ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُهَاجِرُ إلَّا سِرًّا إلَّا  عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ  وَنَحْوُهُ  فَكَانُوا قَدْ أَلْجَئُوهُمْ إلَى الْخُرُوجِ  مِنْ دِيَارِهِمْ وَمَعَ  هَذَا مَنَعُوا مَنْ مَنَعُوهُ مِنْهُمْ عَنْ  ذَلِكَ وَحَبَسُوهُ . فَكَانَ مَا  حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ  مِنْ الْأَذَى وَالْمَصَائِبِ هُوَ بِاخْتِيَارِهِمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَكُنْ  مِنْ الْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي  تَجْرِي بِدُونِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ  مِنْ جِنْسِ حَبْسِ   يُوسُفَ  لَا  مِنْ جِنْسِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ  أَبِيهِ  وَهَذَا أَشْرَفُ النَّوْعَيْنِ وَأَهْلُهَا أَعْظَمُ دَرَجَةً -  وَإِنْ  كَانَ صَاحِبُ الْمَصَائِبِ يُثَابُ  عَلَى صَبْرِهِ وَرِضَاهُ وَتُكَفَّرُ عَنْهُ الذُّنُوبُ بِمَصَائِبِهِ -  فَإِنَّ  هَذَا  أُصِيبَ وَأُوذِيَ بِاخْتِيَارِهِ طَاعَةً لِلَّهِ يُثَابُ  عَلَى نَفْسِ الْمَصَائِبِ وَيُكْتَبُ لَهُ بِهَا عَمَلٌ صَالِحٌ .  قَالَ تَعَالَى : {  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا  يَنَالُونَ  مِنْ عَدُوٍّ  نَيْلًا إلَّا كُتِبَ  لَهُمْ  بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ   }  .  بِخِلَافِ الْمَصَائِبِ الَّتِي  تَجْرِي  بِلَا اخْتِيَارِ الْعَبْدِ كَالْمَرَضِ وَمَوْتِ الْعَزِيزِ عَلَيْهِ  وَأَخْذِ اللُّصُوصِ  مَالَهُ  فَإِنَّ تِلْكَ إنَّمَا يُثَابُ  عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا لَا  عَلَى نَفْسِ مَا يَحْدُثُ  مِنْ الْمُصِيبَةِ ;  لَكِنَّ الْمُصِيبَةَ يُكَفَّرُ بِهَا خَطَايَاهُ  فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ  عَلَى الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَمَا يَتَوَلَّدُ عَنْهَا . وَاَلَّذِينَ يُؤْذَوْنَ  عَلَى  الْإِيمَانِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَحْدُثُ  لَهُمْ بِسَبَبِ  ذَلِكَ حَرَجٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ حَبْسٌ أَوْ فِرَاقُ وَطَنٍ وَذَهَابُ  مَالٍ وَأَهْلٍ أَوْ ضَرْبٌ أَوْ شَتْمٌ أَوْ  نَقْصُ رِيَاسَةٍ  وَمَالٍ هُمْ  فِي  ذَلِكَ  عَلَى طَرِيقَةِ  الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ كَالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَهَؤُلَاءِ يُثَابُونَ  عَلَى مَا يُؤْذَوْنَ  بِهِ وَيُكْتَبُ  لَهُمْ  بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ  كَمَا يُثَابُ الْمُجَاهِدُ  عَلَى مَا يُصِيبُهُ  مِنْ  الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالتَّعَبِ  وَعَلَى غَيْظِهِ الْكُفَّارَ  وَإِنْ  كَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ لَيْسَتْ عَمَلًا  فَعَلَهُ يَقُومُ  بِهِ  لَكِنَّهَا مُتَسَبِّبَةٌ عَنْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَهِيَ الَّتِي  يُقَالُ  لَهَا مُتَوَلِّدَةٌ .  وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ  يُقَالُ إنَّهَا فِعْلٌ لِفَاعِلِ السَّبَبِ أَوْ لِلَّهِ أَوْ لَا فَاعِلَ  لَهَا وَالصَّحِيحُ  أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ  فَاعِلِ السَّبَبِ  وَسَائِرِ الْأَسْبَابِ وَلِهَذَا كُتِبَ لَهُ بِهَا عَمَلٌ صَالِحٌ . وَالْمَقْصُودُ  أَنَّ  " الْحَسَدَ " مَرَضٌ  مِنْ أَمْرَاضِ النَّفْسِ   وَهُوَ مَرَضٌ غَالِبٌ  فَلَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا قَلِيلٌ  مِنْ النَّاسِ وَلِهَذَا  يُقَالُ : مَا  خَلَا جَسَدٌ  مِنْ حَسَدٍ  لَكِنَّ اللَّئِيمَ يُبْدِيهِ وَالْكَرِيمَ يُخْفِيهِ . وَقَدْ  قِيلَ  لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ  : أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِنُ ؟  فَقَالَ مَا  أَنْسَاك إخْوَةَ   يُوسُفَ  لَا  أَبَا  لَك وَلَكِنْ عَمَهٌ  فِي صَدْرِك فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّك مَا لَمْ تَعْدُ  بِهِ يَدًا وَلِسَانًا .  فَمَنْ وَجَدَ  فِي نَفْسِهِ حَسَدًا لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ التَّقْوَى وَالصَّبْرَ . فَيَكْرَهُ  ذَلِكَ  مِنْ نَفْسِهِ وَكَثِيرٌ  مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ دِينٌ لَا يَعْتَدُونَ  عَلَى الْمَحْسُودِ  فَلَا يُعِينُونَ مَنْ  ظَلَمَهُ  وَلَكِنَّهُمْ أَيْضًا لَا يَقُومُونَ بِمَا يَجِبُ  مِنْ حَقِّهِ بَلْ إذَا  ذَمَّهُ أَحَدٌ لَمْ يُوَافِقُوهُ  عَلَى ذَمِّهِ وَلَا يَذْكُرُونَ مَحَامِدَهُ  وَكَذَلِكَ لَوْ مَدَحَهُ أَحَدٌ لَسَكَتُوا وَهَؤُلَاءِ  مَدِينُونَ  فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ  فِي حَقِّهِ مُفَرِّطُونَ  فِي  ذَلِكَ ; لَا مُعْتَدُونَ عَلَيْهِ وَجَزَاؤُهُمْ  أَنَّهُمْ يَبْخَسُونَ حُقُوقَهُمْ  فَلَا يُنْصَفُونَ أَيْضًا  فِي مَوَاضِعَ وَلَا يُنْصَرُونَ  عَلَى مَنْ  ظَلَمَهُمْ  كَمَا لَمْ يَنْصُرُوا  هَذَا الْمَحْسُودَ  وَأَمَّا مَنْ اعْتَدَى بِقَوْلِ أَوْ فِعْلٍ  فَذَلِكَ يُعَاقَبُ .  وَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَصَبَرَ فَلَمْ يَدْخُلْ  فِي الظَّالِمِينَ نَفَعَهُ اللَّهُ بِتَقْوَاهُ :  كَمَا جَرَى  لِزَيْنَبِ  بِنْتِ جَحْشٍ  -   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  - فَإِنَّهَا  كَانَتْ هِيَ الَّتِي  تُسَامِي  عَائِشَةَ  مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  -   وَحَسَدُ  النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ لِبَعْضِ   كَثِيرٌ غَالِبٌ لَا سِيَّمَا الْمُتَزَوِّجَاتُ بِزَوْجِ وَاحِدٍ  فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَغَارُ  عَلَى زَوْجِهَا لِحَظِّهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ بِسَبَبِ  الْمُشَارَكَةِ يَفُوتُ بَعْضُ حَظِّهَا . وَهَكَذَا الْحَسَدُ يَقَعُ كَثِيرًا بَيْنَ الْمُتَشَارِكِينَ  فِي رِئَاسَةٍ أَوْ  مَالٍ إذَا  أَخَذَ بَعْضُهُمْ قِسْطًا  مِنْ  ذَلِكَ وَفَاتَ الْآخَرُ ; وَيَكُونُ بَيْنَ النُّظَرَاءِ لِكَرَاهَةِ أَحَدِهِمَا أَنْ يُفَضَّلَ الْآخَرُ عَلَيْهِ كَحَسَدِ إخْوَةِ   يُوسُفَ  كَحَسَدِ ابْنَيْ  آدَمَ  أَحَدُهُمَا لِأَخِيهِ فَإِنَّهُ  حَسَدَهُ لِكَوْنِ  أَنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ قُرْبَانَهُ وَلَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ  هَذَا ;  فَحَسَدَهُ  عَلَى مَا فَضَّلَهُ اللَّهُ  مِنْ  الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى - كَحَسَدِ   الْيَهُودِ  لِلْمُسْلِمِينَ - وَقَتْلِهِ  عَلَى  ذَلِكَ ; وَلِهَذَا  قِيلَ أَوَّلُ ذَنْبٍ  عُصِيَ اللَّهُ  بِهِ ثَلَاثَةٌ : الْحِرْصُ وَالْكِبْرُ وَالْحَسَدُ . فَالْحِرْصُ  مِنْ  آدَمَ  وَالْكِبْرُ  مِنْ إبْلِيسَ وَالْحَسَدُ  مِنْ  قَابِيلَ  حَيْثُ قَتَلَ  هَابِيلَ  .  وَفِي الْحَدِيثِ   {   ثَلَاثٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ : الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ . وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِمَا يَخْرُجُ  مِنْ  ذَلِكَ إذَا حَسَدْت  فَلَا تُبْغِضْ وَإِذَا ظَنَنْت  فَلَا تُحَقِّقْ وَإِذَا تَطَيَّرْت فَامْضِ   }  رَوَاهُ  ابْنُ  أَبِي الدُّنْيَا  مِنْ حَدِيثِ  أَبِي هُرَيْرَةَ  .  وَفِي   السُّنَنِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {  دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ : الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَهِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ   }  فَسَمَّاهُ دَاءً  كَمَا سَمَّى الْبُخْلَ دَاءً  فِي قَوْلِهِ : {   وَأَيُّ  دَاءٍ أَدْوَأُ  مِنْ الْبُخْلِ   }  فَعُلِمَ  أَنَّ  هَذَا مَرَضٌ وَقَدْ جَاءَ  فِي حَدِيثٍ آخَرَ {  أَعُوذُ  بِك  مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ  وَالْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ   }  فَعَطَفَ الْأَدْوَاءَ  عَلَى الْأَخْلَاقِ  وَالْأَهْوَاءِ . فَإِنَّ " الْخُلُقَ " مَا  صَارَ عَادَةً لِلنَّفْسِ وَسَجِيَّةً .  قَالَ تَعَالَى : {   وَإِنَّكَ  لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ   }  قَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ  وَابْنُ عيينة  وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ  عَنْهُمْ :  عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ  وَفِي لَفْظٍ عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  :  عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ .  وَكَذَلِكَ  قَالَتْ  عَائِشَةُ  -   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  - :  كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ .  وَكَذَلِكَ  قَالَ  الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ  : أَدَبُ الْقُرْآنِ هُوَ الْخُلُقُ الْعَظِيمُ .  وَأَمَّا " الْهَوَى " فَقَدْ يَكُونُ عَارِضًا  وَالدَّاءُ هُوَ الْمَرَضُ وَهُوَ تَأَلُّمُ الْقَلْبِ وَالْفَسَادُ  فِيهِ  وَقَرَنَ  فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْحَسَدَ بِالْبَغْضَاءِ ;  لِأَنَّ الْحَاسِدَ يَكْرَهُ أَوَّلًا فَضْلَ اللَّهِ  عَلَى  ذَلِكَ الْغَيْرِ  ;  ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى بُغْضِهِ ;  فَإِنَّ بُغْضَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي بُغْضَ الْمَلْزُومِ  فَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ إذَا  كَانَتْ لَازِمَةً وَهُوَ يُحِبُّ زَوَالَهَا وَهِيَ لَا تَزُولُ إلَّا بِزَوَالِهِ  أَبْغَضَهُ  وَأَحَبَّ عَدَمَهُ وَالْحَسَدُ يُوجِبُ الْبَغْيَ  كَمَا  أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ قَبْلَنَا :  أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا  مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بَلْ عَلِمُوا الْحَقَّ وَلَكِنْ بَغَى بَعْضُهُمْ  عَلَى بَعْضٍ  كَمَا يَبْغِي الْحَاسِدُ  عَلَى الْمَحْسُودِ . وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ :   {   لَا  تَحَاسَدُوا وَلَا  تَبَاغَضُوا ; وَلَا  تَدَابَرُوا وَلَا  تَقَاطَعُوا  وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ  أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ : يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ  هَذَا وَيَصُدُّ  هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ   }  وَقَدْ  قَالَ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ  عَلَى صِحَّتِهِ  مِنْ رِوَايَةِ  أَنَسٍ  أَيْضًا   {   وَاَلَّذِي  نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ   }  . وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى :   {  وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ  فَإِنْ  أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ  قَالَ قَدْ  أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا   }   {   وَلَئِنْ  أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ  كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي  كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا   }  . فَهَؤُلَاءِ الْمُبَطِّئُونَ لَمْ يُحِبُّوا لِإِخْوَانِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ بَلْ إنْ  أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ فَرِحُوا بِاخْتِصَاصِهِمْ  وَإِنْ  أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ لَمْ يَفْرَحُوا  لَهُمْ بِهَا بَلْ  أَحَبُّوا أَنْ  يَكُونَ  لَهُمْ مِنْهَا حَظٌّ فَهُمْ لَا يَفْرَحُونَ إلَّا بِدُنْيَا تَحْصُلُ  لَهُمْ أَوْ شَرٍّ دُنْيَوِيٍّ يَنْصَرِفُ عَنْهُمْ إذَا  كَانُوا لَا يُحِبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَوْ  كَانُوا  كَذَلِكَ لَأَحَبُّوا إخْوَانَهُمْ وَأَحَبُّوا مَا وَصَلَ إلَيْهِمْ  مِنْ فَضْلِهِ  وَتَأَلَّمُوا بِمَا يُصِيبُهُمْ  مِنْ الْمُصِيبَةِ وَمَنْ لَمْ يَسُرَّهُ مَا يَسُرُّ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسُوءُهُ مَا يَسُوءُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ . فَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  عَامِرٍ  قَالَ سَمِعْت  النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ  يَخْطُبُ وَيَقُولُ :   {   سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يَقُولُ : مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ  فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ . إذَا اشْتَكَى مِنْهُ شَيْءٌ تَدَاعَى لَهُ  سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ   }  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  أَبِي  مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ :   {  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا  وَشَبَّكَ بَيْنَ  أَصَابِعِهِ   }  . وَالشُّحُّ مَرَضٌ وَالْبُخْلُ مَرَضٌ وَالْحَسَدُ شَرٌّ  مِنْ الْبُخْلِ  كَمَا  فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ  أَبُو داود  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   الْحَسَدُ يَأْكُلُ  الْحَسَنَاتِ  كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ  كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ   }  وَذَلِكَ  أَنَّ الْبَخِيلَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ وَالْحَسُودَ يَكْرَهُ نِعْمَةَ اللَّهِ  عَلَى عِبَادِهِ وَقَدْ يَكُونُ  فِي الرَّجُلِ إعْطَاءٌ لِمَنْ  يُعِينُهُ  عَلَى أَغْرَاضِهِ وَحَسَدٌ لِنُظَرَائِهِ وَقَدْ يَكُونُ  فِيهِ بُخْلٌ  بِلَا حَسَدٍ لِغَيْرِهِ وَالشُّحُّ أَصْلُ  ذَلِكَ . وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَمَنْ يُوقَ  شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ   }  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   إيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ  أَهْلَكَ مَنْ  كَانَ قَبْلَكُمْ  أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا  وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا  وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا   }  وَكَانَ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ  يُكْثِرُ  مِنْ الدُّعَاءِ  فِي طَوَافِهِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ قِنِي  شُحَّ نَفْسِي  فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : مَا  أَكْثَرَ مَا تَدْعُو بِهَذَا  فَقَالَ : إذَا وُقِيت  شُحَّ نَفْسِي وُقِيت الشُّحَّ وَالظُّلْمَ وَالْقَطِيعَةَ  . وَالْحَسَدُ يُوجِبُ الظُّلْمَ