مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ  وَمِنْ   أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَأَعْظَمِ الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ  الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ  فِي مَوَاقِيتِهَا وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهَا الْعَبْدُ  مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ وَهِيَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لَمْ يَجْعَلْ  فِيهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ   مُحَمَّدٍ  وَاسِطَةً وَهِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا  بِهِ وَهِيَ  أَهَمُّ  أَمْرِ الدِّينِ  كَمَا  كَانَ  أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ  عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ  يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ : إنَّ  أَهَمَّ  أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا  كَانَ لِمَا سِوَاهَا  مِنْ عَمَلِهِ  أَشَدَّ إضَاعَةً  . وَقَدْ  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ  قَالَ :   {   بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ  تَرْكُ الصَّلَاةِ   }  وَقَالَ :   {   الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ  الصَّلَاةُ فَمَنْ  تَرَكَهَا فَقَدْ  كَفَرَ   }  .  فَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهَا  عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ بَالِغٍ غَيْرِ  حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ فَهُوَ كَافِرٌ  مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ  وَإِنْ اعْتَقَدَ  أَنَّهَا عَمَلٌ صَالِحٌ  وَأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا  وَصَلَّى مَعَ  ذَلِكَ وَقَامَ اللَّيْلَ وَصَامَ النَّهَارَ وَهُوَ مَعَ  ذَلِكَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا  عَلَى كُلِّ بَالِغٍ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ  مُرْتَدٌّ حَتَّى يَعْتَقِدَ  أَنَّهَا فَرْضٌ وَاجِبٌ  عَلَى كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ .  وَمَنْ   اعْتَقَدَ  أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ وَالْمُكَاشِفِينَ وَالْوَاصِلِينَ ; أَوْ  أَنَّ لِلَّهِ خَوَاصَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ  ; بَلْ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ لِوُصُولِهِمْ إلَى حَضْرَةِ الْقُدْسِ أَوْ لِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا بِمَا هُوَ  أَهَمُّ مِنْهَا أَوْ  أَوْلَى . أَوْ  أَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ الْقَلْبِ مَعَ الرَّبِّ أَوْ  أَنَّ الصَّلَاةَ  فِيهَا تَفْرِقَةٌ فَإِذَا  كَانَ الْعَبْدُ  فِي جَمْعِيَّتِهِ مَعَ اللَّهِ  فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّلَاةِ ; بَلْ الْمَقْصُودُ  مِنْ الصَّلَاةِ هِيَ الْمَعْرِفَةُ فَإِذَا حَصَلَتْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الصَّلَاةِ  فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَحْصُلَ  لَك خَرْقُ عَادَةٍ كَالطَّيَرَانِ  فِي الْهَوَاءِ وَالْمَشْيِ  عَلَى الْمَاءِ أَوْ مَلْءِ الْأَوْعِيَةِ مَاءً  مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ تَغْوِيرِ الْمِيَاهِ وَاسْتِخْرَاجِ مَا تَحْتَهَا  مِنْ الْكُنُوزِ وَقَتْلِ مَنْ يُبْغِضُهُ بِالْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ . فَمَتَى  حَصَلَ لَهُ  ذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوَ  ذَلِكَ . أَوْ  أَنَّ لِلَّهِ رِجَالًا خَوَاصَّ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى  مُتَابَعَةِ   مُحَمَّدٍ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بَلْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ  كَمَا اسْتَغْنَى  الْخَضِرُ  عَنْ  مُوسَى  . أَوْ  أَنَّ كُلَّ  مَنْ كَاشَفَ  وَطَارَ  فِي الْهَوَاءِ أَوْ مَشَى  عَلَى الْمَاءِ فَهُوَ  وَلِيٌّ  سَوَاءٌ  صَلَّى أَوْ لَمْ  يُصَلِّ . أَوْ  اعْتَقَدَ  أَنَّ الصَّلَاةَ تُقْبَلُ  مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ  أَوْ  أَنَّ  المولهين  والمتولهين وَالْمَجَانِينَ الَّذِينَ يَكُونُونَ  فِي الْمَقَابِرِ وَالْمَزَابِلِ وَالطِّهَارَاتِ  وَالْخَانَاتِ والقمامين وَغَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ الْبِقَاعِ وَهُمْ لَا يَتَوَضَّئُونَ وَلَا  يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ . فَمَنْ اعْتَقَدَ  أَنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ  مُرْتَدٌّ عَنْ الْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ  وَلَوْ  كَانَ  فِي نَفْسِهِ زَاهِدًا عَابِدًا . فَالرُّهْبَانُ  أَزْهَدُ وَأَعْبَدُ وَقَدْ آمَنُوا بِكَثِيرِ مِمَّا جَاءَ  بِهِ الرَّسُولُ وَجُمْهُورُهُمْ يُعَظِّمُونَ الرَّسُولَ وَيُعَظِّمُونَ أَتْبَاعَهُ  وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِجَمِيعِ مَا جَاءَ  بِهِ بَلْ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ  فَصَارُوا  بِذَلِكَ كَافِرِينَ  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ  يَتَّخِذُوا بَيْنَ  ذَلِكَ سَبِيلًا   }   {   أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا   }   {   وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ  سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ  وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا   }  . وَمَنْ  كَانَ مَسْلُوبَ الْعَقْلِ أَوْ مَجْنُونًا فَغَايَتُهُ أَنْ  يَكُونَ الْقَلَمُ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ عِقَابٌ وَلَا يَصِحُّ  إيمَانُهُ وَلَا صَلَاته وَلَا صِيَامُهُ وَلَا شَيْءٌ  مِنْ أَعْمَالِهِ ;  فَإِنَّ  الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا مَعَ الْعَقْلِ  . فَمَنْ لَا عَقْلَ  لَهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ  مِنْ عِبَادَاتِهِ لَا  فَرَائِضِهِ وَلَا نَوَافِلِهِ وَمَنْ لَا فَرِيضَةَ لَهُ وَلَا نَافِلَةَ لَيْسَ  مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ; وَلِهَذَا  قَالَ تَعَالَى : {   إنَّ  فِي  ذَلِكَ لَآيَاتٍ  لِأُولِي النُّهَى   }  أَيْ الْعُقُولِ  وَقَالَ تَعَالَى :   {   هَلْ  فِي  ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ   }  أَيْ لِذِي عَقْلٍ .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَاتَّقُونِ يَا  أُولِي الْأَلْبَابِ   }  وَقَالَ :   {   إنَّ  شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا  لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   }  . فَإِنَّمَا مَدَحَ اللَّهُ وَأَثْنَى  عَلَى مَنْ  كَانَ لَهُ عَقْلٌ .  فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْقِلُ  فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْمَدْهُ وَلَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِخَيْرِ  قَطُّ . بَلْ  قَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ : {  وَقَالُوا لَوْ  كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا  كُنَّا  فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ  لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا  وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا  وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ  أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ   }  وَقَالَ :   {   أَمْ تَحْسَبُ  أَنَّ  أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ  أَضَلُّ سَبِيلًا   }  . فَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يَصِحُّ  إيمَانُهُ وَلَا فَرْضُهُ وَلَا نَفْلُهُ وَمَنْ  كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ  نَصْرَانِيًّا  ثُمَّ  جُنَّ  وَأَسْلَمَ بَعْدَ جُنُونِهِ  لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا . وَمَنْ   كَانَ قَدْ  آمَنَ  ثُمَّ  كَفَرَ  وَجُنَّ بَعْدَ  ذَلِكَ  فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ . وَمَنْ   كَانَ مُؤْمِنًا  ثُمَّ  جُنَّ بَعْدَ  ذَلِكَ  أُثِيبَ  عَلَى  إيمَانِهِ الَّذِي  كَانَ  فِي حَالِ عَقْلِهِ وَمَنْ   وُلِدَ مَجْنُونًا  ثُمَّ اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ  لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ  إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ .  وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الطِّفْلِ  إذَا  كَانَ  أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ  كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا  لِأَبَوَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ  وَكَذَلِكَ إذَا  كَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ  كَأَبِي حَنِيفَةَ  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  .  وَكَذَلِكَ مَنْ   جُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ  يَثْبُتُ  لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ .  وَكَذَلِكَ  الْمَجْنُونُ الَّذِي وُلِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ  يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا تَبَعًا  لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَهْلِ الدَّارِ  كَمَا يُحْكَمُ  بِذَلِكَ لِلْأَطْفَالِ . لَا  لِأَجْلِ  إيمَانٍ قَامَ  بِهِ فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَجَانِينُهُمْ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ  وَهَذَا الْإِسْلَامُ لَا يُوجِبُ لَهُ  مَزِيَّةً  عَلَى غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَصِيرَ  بِهِ  مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ . وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى : {   يَا  أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا   }  فَنَهَى اللَّهُ  عَزَّ  وَجَلَّ عَنْ  قُرْبَانِ الصَّلَاةِ إذَا  كَانُوا سُكَارَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يَقُولُونَ .  وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ بِالْآيَةِ الَّتِي  أَنْزَلَهَا اللَّهُ  فِي " سُورَةِ الْمَائِدَةِ "  . وَقَدْ رُوِيَ  أَنَّهُ  كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا :  أَنَّ بَعْضَ   الصَّحَابَةِ  صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ فَخَلَطَ  فِي  الْقِرَاءَةِ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ; فَإِذَا  كَانَ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ  الصَّلَاةَ مَعَ السُّكْرِ   وَالشُّرْبِ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يَقُولُونَ عُلِمَ  أَنَّ  ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ لَا  يُصَلِّيَ أَحَدٌ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ . فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ تَحِلّ لَهُ الصَّلَاةُ  وَإِنْ  كَانَ عَقْلُهُ قَدْ  زَالَ بِسَبَبِ غَيْرِ مُحَرَّمٍ ;  وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ  عَلَى  أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ  زَالَ عَقْلُهُ  بِأَيِّ سَبَبٍ  زَالَ  فَكَيْفَ بِالْمَجْنُونِ  وَقَدْ  قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ - وَهُوَ يَرْوِي عَنْ  الضَّحَّاكِ  - لَا تَقْرَبُوهَا وَأَنْتُمْ سُكَارَى  مِنْ النَّوْمِ .  وَهَذَا إذَا  قِيلَ إنَّ الْآيَةَ  دَلَّتْ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ أَوْ شُمُولِ مَعْنَى اللَّفْظِ الْعَامِّ  وَإِلَّا  فَلَا رَيْبَ  أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ  كَانَ السُّكْرَ  مِنْ الْخَمْرِ . وَاللَّفْظُ صَرِيحٌ  فِي  ذَلِكَ ; وَالْمَعْنَى الْآخَرُ صَحِيحٌ أَيْضًا . وَقَدْ  ثَبَتَ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ  يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ  عَلَى لِسَانِهِ فَلْيَرْقُدْ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي  لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ -  وَفِي لَفْظٍ - إذَا قَامَ  يُصَلِّي  فَنَعَسَ فَلْيَرْقُدْ   }  . فَقَدْ  نَهَى النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ   الصَّلَاةِ مَعَ النُّعَاسِ الَّذِي يَغْلَطُ مَعَهُ النَّاعِسُ  . وَقَدْ احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذَا  عَلَى  أَنَّ  النُّعَاسَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ; إذْ لَوْ نُقِضَ  بِذَلِكَ لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ أَوْ  لَوَجَبَ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِتَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ  وَالنَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إنَّمَا عَلَّلَ  ذَلِكَ بِقَوْلِهِ   {   فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي  لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ   }  فَعُلِمَ  أَنَّهُ قَصَدَ النَّهْيَ عَنْ   الصَّلَاةِ لِمَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ  وَإِنْ  كَانَ  ذَلِكَ بِسَبَبِ النُّعَاسِ .  وَطَرَدَ  ذَلِكَ  أَنَّهُ  ثَبَتَ عَنْهُ  فِي الصَّحِيحِ  أَنَّهُ  قَالَ : {   لَا  يُصَلِّي  أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ وَلَا بِحَضْرَةِ طَعَامٍ   }  لِمَا  فِي  ذَلِكَ  مِنْ شَغْلِ الْقَلْبِ .  وَقَالَ  أَبُو الدَّرْدَاءِ  :  مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَبْدَأَ بِحَاجَتِهِ فَيَقْضِيَهَا  ثُمَّ يُقْبِلَ  عَلَى صَلَاته وَقَلْبُهُ فَارِغٌ  .  فَإِذَا  كَانَتْ الصَّلَاةُ مُحَرَّمَةً مَعَ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ وَلَوْ  كَانَ بِسَبَبِ مُبَاحٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ  كَانَتْ صَلَاةُ الْمَجْنُونِ وَمَنْ يَدْخُلُ  فِي مُسَمَّى الْمَجْنُونِ  وَإِنْ  سُمِّيَ مُولَهًا أَوْ مُتَوَلِّهًا  أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ صَلَاتُهُ  .