مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 وَمَعْلُومٌ  أَنَّ   الصَّلَاةَ " أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ  "  كَمَا  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ   {  ابْنِ مَسْعُودٍ  أَنَّهُ  قَالَ : قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَيُّ الْعَمَلِ  أَحَبُّ إلَى اللَّهِ ؟  قَالَ : الصَّلَاةُ  عَلَى وَقْتِهَا . قُلْت :  ثُمَّ أَيُّ ؟  قَالَ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ . قُلْت :  ثُمَّ أَيُّ ؟  قَالَ : الْجِهَادُ .  قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَلَوْ اسْتَزَدْته لَزَادَنِي   }  .  وَثَبَتَ أَيْضًا  فِي   الصَّحِيحَيْنِ   {  عَنْهُ  أَنَّهُ  جَعَلَ   أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ  إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَجِهَادٌ  فِي سَبِيلِهِ  ثُمَّ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ }  . وَلَا  مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ;  فَإِنَّ الصَّلَاةَ دَاخِلَةٌ  فِي مُسَمَّى  الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ  كَمَا دَخَلَتْ  فِي قَوْله تَعَالَى   {   وَمَا  كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ  إيمَانَكُمْ   }  قَالَ  الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ  وَغَيْرُهُ  مِنْ   السَّلَفِ  : أَيْ صَلَاتُكُمْ إلَى   بَيْتِ الْمَقْدِسِ  .  وَلِهَذَا  كَانَتْ   الصَّلَاةُ  كَالْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ  بِحَالِ  فَلَا  يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ الْفَرْضَ لَا لِعُذْرِ وَلَا لِغَيْرِ عُذْرٍ  كَمَا لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ عَنْهُ  وَلَا  تَسْقُطُ بِحَالِ  كَمَا لَا يَسْقُطُ  الْإِيمَانُ ; بَلْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ  مِنْ فِعْلِ بَعْضِ أَفْعَالِهَا فَإِذَا  عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَلَمْ يَقْدِرْ  عَلَى الْأَقْوَالِ فَهَلْ  يُصَلِّي بِتَحْرِيكِ طَرْفِهِ وَيَسْتَحْضِرُ الْأَفْعَالَ بِقَلْبِهِ  ؟  فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ  وَإِنْ  كَانَ الْأَظْهَرُ  أَنَّ  هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ . فَإِذَا  كَانَ  كَذَلِكَ تَبَيَّنَ  أَنَّ مَنْ  زَالَ عَقْلُهُ فَقَدْ حُرِمَ مَا يَتَقَرَّبُ  بِهِ إلَى اللَّهِ  مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ و " الْوِلَايَةُ " هِيَ  الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى الْمُتَضَمِّنَةُ لِلتَّقَرُّبِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَقَدْ حُرِمَ مَا  بِهِ يَتَقَرَّبُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ إلَيْهِ ;  لَكِنَّهُ مَعَ جُنُونِهِ قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ  فَلَا يُعَاقَبُ  كَمَا لَا يُعَاقَبُ الْأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ ; إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ  فِي هَذِهِ الْحَالِ .  ثُمَّ إنْ  كَانَ مُؤْمِنًا قَبْلَ حُدُوثِ الْجُنُونِ  بِهِ  وَلَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ  وَكَانَ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ قَبْلَ زَوَالِ عَقْلِهِ  كَانَ لَهُ  مِنْ ثَوَابِ  ذَلِكَ  الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا تَقَدَّمَ  وَكَانَ لَهُ  مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَسَبِ مَا  كَانَ عَلَيْهِ  مِنْ  الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى  كَمَا لَا يَسْقُطُ  ذَلِكَ بِالْمَوْتِ ; بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ;  فَإِنَّ  الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ   وَلَيْسَ  مِنْ السَّيِّئَاتِ مَا يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ إلَّا الرِّدَّةُ . كَمَا  أَنَّهُ لَيْسَ  مِنْ  الْحَسَنَاتِ مَا يُحْبِطُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ إلَّا التَّوْبَةُ  فَلَا يُكْتَبُ لِلْمَجْنُونِ  حَالَ جُنُونِهِ مِثْلُ مَا  كَانَ يَعْمَلُ  فِي  حَالِ إفَاقَتِهِ  كَمَا لَا يَكُونُ مِثْلُ  ذَلِكَ لِسَيِّئَاتِهِ  فِي زَوَالِ عَقْلِهِ بِالْأَعْمَالِ الْمُسْكِرَةِ وَالنَّوْمِ ;  لِأَنَّهُ  فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ  وَلَكِنْ  فِي الْحَدِيثِ  الصَّحِيحِ عَنْ  أَبِي  مُوسَى  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   إذَا  مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ  مِنْ الْعَمَلِ مَا  كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ   }  .  وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {  أَنَّهُ  قَالَ  فِي غَزْوَةِ  تَبُوكَ إنَّ  بِالْمَدِينَةِ  لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ  مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا  كَانُوا مَعَكُمْ  قَالُوا : وَهُمْ  بِالْمَدِينَةِ  قَالَ : وَهُمْ  بِالْمَدِينَةِ  حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ   }  فَهَؤُلَاءِ  كَانُوا قَاصِدِينَ لِلْعَمَلِ الَّذِي  كَانُوا يَعْمَلُونَهُ رَاغِبِينَ  فِيهِ لَكِنْ عَجَزُوا  فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ ; بِخِلَافِ مَنْ  زَالَ عَقْلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَا عِبَادَةٌ أَصْلًا بِخِلَافِ أُولَئِكَ  فَإِنَّ  لَهُمْ قَصْدًا صَحِيحًا يُكْتَبُ  لَهُمْ  بِهِ الثَّوَابُ . وَأَمَّا إنْ   كَانَ قَبْلَ جُنُونِهِ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مُذْنِبًا  لَمْ يَكُنْ حُدُوثُ الْجُنُونِ  بِهِ مُزِيلًا لِمَا  ثَبَتَ  مِنْ كُفْرِهِ وَفِسْقِهِ وَلِهَذَا  كَانَ  مَنْ  جُنَّ  مِنْ   الْيَهُودِ   وَالنَّصَارَى  بَعْدَ تَهَوُّدِهِ وَتَنَصُّرِهِ   مَحْشُورًا مَعَهُمْ  وَكَذَلِكَ   مَنْ  جُنَّ  مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ  إيمَانِهِ  وَتَقْوَاهُ  مَحْشُورًا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ  مِنْ الْمُتَّقِينَ .   وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِجُنُونِ أَوْ غَيْرِهِ  سَوَاءٌ  سُمِّيَ صَاحِبُهُ مُولَهًا أَوْ مُتَوَلِّهًا لَا يُوجِبُ  مَزِيدَ  حَالِ صَاحِبِهِ  مِنْ  الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى  وَلَا يَكُونُ زَوَالُ عَقْلِهِ سَبَبًا  لِمَزِيدِ خَيْرِهِ وَلَا صَلَاحِهِ وَلَا ذَنْبِهِ ;  وَلَكِنَّ الْجُنُونَ يُوجِبُ زَوَالَ الْعَقْلِ فَيَبْقَى  عَلَى مَا  كَانَ عَلَيْهِ  مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ لَا  أَنَّهُ يَزِيدُهُ وَلَا يَنْقُصُهُ  لَكِنَّ جُنُونَهُ يَحْرِمُهُ  الزِّيَادَةَ  مِنْ الْخَيْرِ  كَمَا  أَنَّهُ يَمْنَعُ عُقُوبَتَهُ  عَلَى الشَّرِّ .