مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 وَقَوْلُهُ :   {   يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ   }  فِي الْمَوْضِعَيْنِ . فَاتِّبَاعُ الشَّهْوَةِ  مِنْ جِنْسِ اتِّبَاعِ الْهَوَى  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ  أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ  أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ  هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ   }  وَقَالَ :   {   وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ  أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ  فِيهِنَّ   }  وَقَالَ تَعَالَى .   {   وَلَا تَتَّبِعُوا  أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ  ضَلُّوا  مِنْ قَبْلُ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَفَمَنْ  كَانَ  عَلَى بَيِّنَةٍ  مِنْ  رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا  أَهْوَاءَهُمْ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلَا تَتَّبِعْ  أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ   }  وَهَذَا  فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ . وَ " الْهَوَى " مَصْدَرُ  هَوَى يَهْوِي  هَوَى  وَنَفْسُ الْمَهْوِيِّ يُسَمَّى  هَوَى مَا يَهْوِي فَاتِّبَاعُهُ كَاتِّبَاعِ السَّبِيلِ .  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   وَلَا تَتَّبِعُوا  أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ  ضَلُّوا  مِنْ قَبْلُ   }  وَكَمَا  فِي لَفْظِ الشَّهْوَةِ فَاتِّبَاعُ الْهَوَى يُرَادُ  بِهِ  نَفْسُ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ أَيْ اتِّبَاعُ إرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ الَّتِي هِيَ  هَوَاهُ وَاتِّبَاعُ الْإِرَادَةِ هُوَ فِعْلُ مَا تَهْوَاهُ النَّفْسُ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى . {   وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ  أَنَابَ إلَيَّ   }  وَقَوْلُهُ :   {  وَأَنَّ  هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ   }  وَقَالَ :   {   وَلَا تَتَّبِعُوا  مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ   }   فَلَفْظُ الِاتِّبَاعِ يَكُونُ لِلْآمِرِ  النَّاهِي وَلِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلِلْمَأْمُورِ  بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ .  كَذَلِكَ  يَكُونُ لِلْهَوَى أَمْرٌ وَنَهْيٌ   ; وَهُوَ أَمْرُ النَّفْسِ وَنَهْيُهَا .  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا  رَحِمَ  رَبِّي إنَّ  رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ   }  وَلَكِنْ مَا يَأْمُرُ  بِهِ  مِنْ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ فَأَحَدُهَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ فَاتِّبَاعُ الْأَمْرِ هُوَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ وَاتِّبَاعُ  أَمْرِ النَّفْسِ هُوَ فِعْلُ مَا تَهْوَاهُ  فَعَلَى  هَذَا يُعْلَمُ  أَنَّ  اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ وَاتِّبَاعَ  الْأَهْوَاءِ هُوَ اتِّبَاعُ شَهْوَةِ النَّفْسِ  وَهَوَاهَا  وَذَلِكَ بِفِعْلِ مَا تَشْتَهِيهِ وَتَهْوَاهُ . بَلْ قَدْ  يُقَالُ :  هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ  فِي لَفْظِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ  وَالْأَهْوَاءِ ;  لِأَنَّ الَّذِي يَشْتَهِي وَيَهْوَى إنَّمَا يَصِيرُ مَوْجُودًا بَعْدَ أَنْ يَشْتَهِيَ وَيَهْوَى وَإِنَّمَا يُذَمُّ الْإِنْسَانُ إذَا فَعَلَ مَا يَشْتَهِي وَيَهْوَى عِنْدَ وُجُودِهِ  فَهُوَ حِينَئِذٍ قَدْ فَعَلَ ; وَلَا يُنْهَى عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَلَا  يُقَالُ لِصَاحِبِهِ : لَا تَتَّبِعْ  هَوَاك .  وَأَيْضًا فَالْفِعْلُ الْمُرَادُ الْمُشْتَهَى الَّذِي يَهْوَاهُ الْإِنْسَانُ هُوَ تَابِعٌ لِشَهْوَتِهِ  وَهَوَاهُ ; فَلَيْسَتْ الشَّهْوَةُ وَالْهَوَى تَابِعَةً لَهُ ; فَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ هُوَ اتِّبَاعُ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَإِذَا جَعَلْت الشَّهْوَةَ بِمَعْنَى الْمُشْتَهَى  كَانَ مَعَ  مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجْعَلَ  فِي الْخَارِجِ مَا يُشْتَهَى وَالْإِنْسَانُ يَتْبَعُهُ كَالْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبَةِ أَوْ الطَّعَامِ الْمَطْلُوبِ  وَإِنْ سُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ شَهْوَةً وَالطَّعَامُ أَيْضًا  كَمَا  فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   كُلُّ عَمَلِ  ابْنِ  آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ  لِي وَأَنَا  أَجْزِي  بِهِ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ  مِنْ  أَجْلِي   }  أَيْ يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ ; وَهُوَ إنَّمَا يَتْرُكُ مَا يَشْتَهِيهِ  كَمَا يَتْرُكُ الطَّعَامَ ; لَا  أَنَّهُ يَدَعُ طَعَامَهُ بِتَرْكِ الشَّهْوَةِ الْمَوْجُودَةِ  فِي نَفْسِهِ ;  فَإِنَّ تِلْكَ مَخْلُوقَةٌ  فِيهِ مَجْبُولٌ عَلَيْهَا ; وَإِنَّمَا يُثَابُ إذَا  تَرَكَ مَا تَطْلُبُهُ تِلْكَ الشَّهْوَةُ .  وَ " حَقِيقَةُ الْأَمْرِ " إنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ : فَمَنْ اتَّبَعَ نَفْسَ شَهْوَتِهِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ اتَّبَعَ مَا يَشْتَهِيهِ ;  وَكَذَلِكَ مَنْ اتَّبَعَ الْهَوَى الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ اتَّبَعَ مَا يَهْوَاهُ  فَإِنَّ  ذَلِكَ  مِنْ آثَارِ الْإِرَادَةِ وَاتِّبَاعُ الْإِرَادَةِ هُوَ امْتِثَالُ  أَمْرِهَا وَفِعْلُ مَا تَطْلُبُهُ كَالْمَأْمُورِ الَّذِي يَتْبَعُ أَمْرَ أَمِيرِهِ ; وَلَا  بُدَّ أَنْ يَتَصَوَّرَ مُرَادَهُ الَّذِي يَهْوَاهُ وَيَشْتَهِيهِ  فِي نَفْسِهِ وَيَتَخَيَّلُهُ قَبْلَ فِعْلِهِ . فَيَبْقَى  ذَلِكَ الْمِثَالُ كَالْإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِ يَتْبَعُهُ حَيْثُ  كَانَ ; وَفِعْلُهُ  فِي الظَّاهِرِ تَبَعٌ لِاتِّبَاعِ الْبَاطِنِ فَتَبْقَى صُورَةُ الْمُرَادِ الْمَطْلُوبِ الْمُشْتَهَى الَّتِي  فِي النَّفْسِ هِيَ الْمُحَرِّكَةُ لِلْإِنْسَانِ الْآمِرَةُ لَهُ . وَلِهَذَا  يُقَالُ : الْعِلَّةُ الغائية عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ  فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لِلْعِلَّةِ الغائية - بِهَذَا التَّصَوُّرِ وَالْإِرَادَةِ -  صَارَ فَاعِلًا لِلْفِعْلِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْمُرَادَةُ الْمُتَصَوَّرَةُ  فِي النَّفْسِ هِيَ الَّتِي جَعَلَتْ الْفَاعِلَ فَاعِلًا فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ مُتَّبِعًا  لَهَا  وَالشَّيْطَانُ يَمُدُّهُ  فِي الْغَيِّ فَهُوَ يُقَوِّي تِلْكَ الصُّورَةَ وَيُقَوِّي  أَثَرَهَا وَيُزَيِّنُ لِلنَّاسِ اتِّبَاعَهَا وَتِلْكَ الصُّورَةُ تَتَنَاوَلُ صُورَةَ الْعَيْنِ الْمَطْلُوبَةِ - كَالْمَحْبُوبِ  مِنْ الصُّوَرِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ - وَيَتَنَاوَلُ نَفْسَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ  الْمُبَاشَرَةُ  لِذَلِكَ الْمَطْلُوبِ الْمَحْبُوبِ وَالشَّيْطَانُ وَالنَّفْسُ تُحِبُّ  ذَلِكَ وَكُلَّمَا تَصَوَّرَ  ذَلِكَ الْمَحْبُوبَ  فِي نَفْسِهِ  أَرَادَ وُجُودَهُ  فِي الْخَارِجِ  فَإِنَّ  أَوَّلَ الْفِكْرِ آخِرُ الْعَمَلِ  وَأَوَّلَ الْبُغْيَةِ آخِرُ الدَّرْكِ .  وَلِهَذَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ عِنْدَ شَهْوَتِهِ  وَهَوَاهُ  أَسِيرًا  لِذَلِكَ مَقْهُورًا تَحْتَ  سُلْطَانِ الْهَوَى  أَعْظَمَ  مِنْ قَهْرِ كُلِّ قَاهِرٍ  فَإِنَّ  هَذَا الْقَاهِرَ الْهَوَائِيَّ الْقَاهِرَ لِلْعَبْدِ هُوَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُهُ  مُفَارَقَتُهُ أَلْبَتَّةَ وَالصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ تَطْلُبُهَا النَّفْسُ  فَإِنَّ الْمَحْبُوبَ تَطْلُبُ النَّفْسُ أَنْ  تُدْرِكَهُ وَتُمَثِّلَهُ  لَهَا  فِي نَفْسِهَا فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِلْإِرَادَةِ .  وَإِنْ  كَانَتْ الذِّهْنِيَّةُ وَالتَّزَيُّنُ  مِنْ الزَّيْنِ وَالْمُرَادُ التَّصَوُّرُ  فِي نَفْسِهِ . وَالْمُشْتَهَى الْمَوْجُودُ  فِي الْخَارِجِ لَهُ " مُحَرِّكَانِ " التَّصَوُّرُ وَالْمُشْتَهَى هَذَا يُحَرِّكُهُ  تَحْرِيكَ طَلَبٍ وَأَمْرٍ وَهَذَا يَأْمُرُهُ أَنْ يَتَّبِعَ طَلَبَهُ  وَأَمْرَهُ  فَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ  وَالْأَهْوَاءِ  يَتَنَاوَلُ  هَذَا كُلَّهُ ; بِخِلَافِ كُلِّ قَاهِرٍ يَنْفَصِلُ عَنْ  الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ  مُفَارَقَتُهُ مَعَ بَقَاءِ نَفْسِهِ  عَلَى  حَالِهَا :  وَهَذَا إنَّمَا يُفَارِقُهُ بِتَغَيُّرِ صِفَةِ نَفْسِهِ . وَلِهَذَا  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ : شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ . وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ : خَشْيَةُ اللَّهِ  فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَالْقَصْدُ  فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَكَلِمَةُ الْحَقِّ  فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا   }  وَقَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ : "  هَوَى مُتَّبَعٌ " .  فِيهِ دَلِيلٌ  عَلَى  أَنَّ الْمُتَّبَعَ هُوَ مَا قَامَ  فِي النَّفْسِ . كَقَوْلِهِ :  فِي الشُّحِّ الْمُطَاعِ  وَجَعَلَ الشُّحَّ مُطَاعًا لِأَنَّهُ هُوَ الْآمِرُ  وَجَعَلَ الْهَوَى مُتَّبَعًا ; لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ قَدْ يَكُونُ إمَامًا يُقْتَدَى  بِهِ وَلَا يَكُونُ آمِرًا .  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   إيَّاكُمْ وَالشُّحَّ .  فَإِنَّ الشُّحَّ  أَهْلَكَ مَنْ  كَانَ قَبْلَكُمْ  أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا  وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا  وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا   }  . فَبَيَّنَ  أَنَّ   الشُّحَّ يَأْمُرُ بِالْبُخْلِ وَالظُّلْمِ وَالْقَطِيعَةِ  .  فَالْبُخْلُ  مَنْعُ مَنْفَعَةِ النَّاسِ بِنَفْسِهِ  وَمَالِهِ وَ " الظُّلْمُ " هُوَ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِمْ . فَالْأَوَّلُ هُوَ التَّفْرِيطُ فِيمَا يَجِبُ فَيَكُونُ قَدْ فَرَّطَ فِيمَا يَجِبُ وَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ بِفِعْلِ مَا يُحَرَّمُ  وَخَصَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ بِالذِّكْرِ إعْظَامًا  لَهَا ; لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَبْلَهَا .  وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ  فِي قَوْله تَعَالَى   {   وَمَنْ يُوقَ  شُحَّ نَفْسِهِ   }  هُوَ  أَلَّا يَأْخُذَ شَيْئًا مِمَّا  نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُ شَيْئًا  أَمَرَهُ اللَّهُ بِأَدَائِهِ " فَالشُّحُّ " يَأْمُرُ بِخِلَافِ  أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ  فَإِنَّ اللَّهَ يَنْهَى عَنْ الظُّلْمِ وَيَأْمُرُ بِالْإِحْسَانِ وَالشُّحُّ يَأْمُرُ بِالظُّلْمِ وَيَنْهَى عَنْ الْإِحْسَانِ . وَقَدْ  كَانَ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ  يُكْثِرُ  فِي طَوَافِهِ   بِالْبَيْتِ  وَبِالْوُقُوفِ   بِعَرَفَةَ  أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ قِنِي  شُحَّ نَفْسِي فَسُئِلَ عَنْ  ذَلِكَ  فَقَالَ : إذَا وُقِيت  شُحَّ نَفْسِي وُقِيت الظُّلْمَ وَالْبُخْلَ وَالْقَطِيعَةَ .  وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ  قَالَ : إنِّي  أَخَافُ أَنْ  أَكُونَ قَدْ هَلَكْت  قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟  قَالَ :  أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ : {   وَمَنْ يُوقَ  شُحَّ نَفْسِهِ   }  وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يَكَادُ يَخْرُجُ  مِنْ  يَدِي شَيْءٌ  فَقَالَ لَيْسَ ذَاكَ بِالشُّحِّ الَّذِي  ذَكَرَهُ اللَّهُ  فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا الشُّحُّ أَنْ تَأْكُلَ  مَالَ أَخِيك ظُلْمًا وَإِنَّمَا يَكُنْ بِالْبُخْلِ وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْبُخْلَ  . وَقَدْ  ذَكَرَ تَعَالَى " الشُّحَّ "  فِي سِيَاقِ ذِكْرِ الْحَسَدِ وَالْإِيثَارِ  فِي قَوْلِهِ : {   وَلَا يَجِدُونَ  فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا  أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ  عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ  كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ   }  -  ثُمَّ  قَالَ -   {   وَمَنْ يُوقَ  شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ   }  فَمَنْ وُقِيَ  شُحَّ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَسُودًا بَاغِيًا  عَلَى الْمَحْسُودِ وَ " الْحَسَدُ " أَصْلُهُ بُغْضُ الْمَحْسُودِ . وَ " الشُّحُّ " يَكُونُ  فِي الرَّجُلِ مَعَ الْحِرْصِ وَقُوَّةِ الرَّغْبَةِ  فِي الْمَالِ وَبُغْضٍ لِلْغَيْرِ وَظُلْمٍ لَهُ  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ  وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنَا وَلَا  يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلَّا قَلِيلًا  أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ   }  الْآيَاتِ - إلَى قَوْلِهِ -   {  أَشِحَّةً  عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ   }  فَشُحُّهُمْ  عَلَى الْمُؤْمِنِينَ  وَعَلَى الْخَيْرِ يَتَضَمَّنُ كَرَاهِيَتَهُ وَبُغْضَهُ وَبُغْضُ الْخَيْرِ يَأْمُرُ بِالشَّرِّ وَبُغْضُ  الْإِنْسَانِ يَأْمُرُ بِظُلْمِهِ وَقَطِيعَتِهِ كَالْحَسَدِ ;  فَإِنَّ الْحَاسِدَ يَأْمُرُ حَاسِدَهُ بِظُلْمِ الْمَحْسُودِ وَقَطِيعَتِهِ كَابْنَيْ  آدَمَ   وَإِخْوَةِ يُوسُفَ  .    فَالْحَسَدُ وَالشُّحُّ   " يَتَضَمَّنَانِ بُغْضًا وَكَرَاهِيَةً فَيَأْمُرَانِ بِمَنْعِ الْوَاجِبِ وَبِظُلْمِ  ذَلِكَ الشَّخْصِ  فَإِنَّ الْفِعْلَ  صَدَرَ  فِيهِ عَنْ بُغْضٍ بِخِلَافِ الْهَوَى  فَإِنَّ الْفِعْلَ  صَدَرَ  فِيهِ عَنْ  حُبّ  أَحَبّ شَيْئًا فَأَتْبَعُهُ فَفَعَلَهُ  وَذَلِكَ مَقْصُودُهُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ وَالْعَدَمُ لَا يَنْفَعُ .  وَلَكِنَّ ذَاكَ الْقَصْدَ أَمْرٌ بِأَمْرِ وُجُودِيٍّ فَأُطِيعُ أَمْرُهُ .  وَابْنُ مَسْعُودٍ  جَعَلَ الْبُخْلَ خَارِجًا عَنْ الشُّحِّ وَالنَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الشُّحَّ يَأْمُرُ بِالْبُخْلِ .  وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : "  الشُّحُّ وَالْبُخْلُ  "  سَوَاءٌ .  كَمَا  قَالَ  ابْنُ جَرِيرٍ  : الشُّحُّ  فِي  كَلَامِ   الْعَرَبِ  هُوَ الْبُخْلُ وَمَنْعُ الْفَضْلِ  مِنْ الْمَالِ . وَلَيْسَ  كَمَا  قَالَ بَلْ مَا  قَالَهُ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَابْنُ مَسْعُودٍ  أَحَقّ أَنْ يُتَّبَعَ  فَإِنَّ " الْبَخِيلَ " قَدْ يَبْخَلُ بِالْمَالِ مَحَبَّةً لِمَا يَحْصُلُ لَهُ  بِهِ  مِنْ اللَّذَّةِ وَالتَّنَعُّمِ وَقَدْ لَا يَكُونُ مُتَلَذِّذًا  بِهِ وَلَا مُتَنَعِّمًا بَلْ نَفْسُهُ تَضِيقُ عَنْ إنْفَاقِهِ وَتَكْرَهُ  ذَلِكَ حَتَّى  يَكُونَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْفَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ مَعَ كَثْرَةِ  مَالِهِ  وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مَعَ الْتِذَاذِهِ بِجَمْعِ الْمَالِ وَمَحَبَّتِهِ لِرُؤْيَتِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ هُنَاكَ لَذَّةٌ أَصْلًا ; بَلْ يَكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ إحْسَانًا إلَى أَحَدٍ حَتَّى لَوْ  أَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يُعْطِيَ كُرْهَ  ذَلِكَ مِنْهُ بُغْضًا لِلْخَيْرِ لَا لِلْمُعْطِي وَلَا لِلْمُعْطَى بَلْ بُغْضًا مِنْهُ لِلْخَيْرِ وَقَدْ يَكُونُ بُغْضًا وَحَسَدًا لِلْمُعْطَى أَوْ لِلْمُعْطِي  وَهَذَا هُوَ " الشُّحُّ "  وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْبُخْلِ قَطْعًا وَلَكِنْ كُلُّ بُخْلٍ يَكُونُ عَنْ شُحٍّ . فَكُلُّ شَحِيحٍ بَخِيلٌ وَلَيْسَ كُلُّ بَخِيلٍ شَحِيحًا .  قَالَ  الخطابي   الشُّحُّ  أَبْلَغُ  فِي الْمَنْعِ  مِنْ الْبُخْلِ وَالْبُخْلُ إنَّمَا هُوَ  مِنْ أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَخَوَاصِّ الْأَشْيَاءِ وَالشُّحُّ عَامٌّ فَهُوَ كَالْوَصْفِ اللَّازِمِ لِلْإِنْسَانِ  مِنْ قِبَلِ الطَّبْعِ وَالْجِبِلَّةِ .  وَحَكَى  الخطابي  عَنْ بَعْضِهِمْ  أَنَّهُ  قَالَ : " الْبُخْلُ " أَنْ يَضِنَّ الْإِنْسَانُ  بِمَالِهِ وَ " الشُّحُّ " أَنْ يَضِنَّ  بِمَالِهِ وَمَعْرُوفِهِ  وَقِيلَ " الشُّحُّ " أَنْ يَشِحَّ بِمَعْرُوفِ غَيْرِهِ .  عَلَى غَيْرِهِ وَ " الْبُخْلُ " أَنْ يَبْخَلَ بِمَعْرُوفِهِ  عَلَى غَيْرِهِ وَاَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ وَيَتَّبِعُونَ  أَهْوَاءَهُمْ يُحِبُّونَ  ذَلِكَ وَيُرِيدُونَهُ فَاتَّبَعُوا مَحَبَّتَهُمْ وَإِرَادَتَهُمْ  مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَلَمْ يَنْظُرُوا هَلْ  ذَلِكَ نَافِعٌ  لَهُمْ  فِي الْعَاقِبَةِ أَوْ ضَارٌّ . وَلِهَذَا  قَالَ : {   فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ  أَهْوَاءَهُمْ   }  ثُمَّ  قَالَ :   {   وَمَنْ  أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ  هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ   }  .