تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَمَّنْ قَالَ : إنَّ " الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ " لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالتَّقْوَى . فَمَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَبَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ } هَذَا فِي حَقِّ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَصَعَالِيكِهِمْ الْقَائِمِينَ بِفَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِمُجَرَّدِ مَا عُرِفَ وَاشْتُهِرَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ السَّجَّادِ وَالْمُرَقَّعَةِ وَالْعُكَّازِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُنَمَّقَةِ ; بَلْ هَذِهِ الْهَيْئَاتُ الْمُعْتَادَةُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مُخْتَرَعَةٌ مُبْتَدَعَةٌ فَهَلْ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ أَمْ لَا ؟ ؟ .
12
فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . قَدْ تَنَازَعَ كَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُسْلِمِينَ فِي " الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ وَالْفَقِيرِ الصَّابِرِ " أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ فَرَجَّحَ هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَرَجَّحَ هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَقَدْ حُكِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد رِوَايَتَانِ . وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ تَفْضِيلُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ . وَقَالَ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَضِيلَةٌ إلَّا بِالتَّقْوَى فَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْظَمَ إيمَانًا وَتَقْوَى كَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ اسْتَوَيَا فِي الْفَضِيلَةِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ إنَّمَا تَفْضُلُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا } . وَقَدْ كَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَكْثُرْ الْفُقَرَاءِ وَكَانَ فِيهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِ الْأَغْنِيَاءِ وَالْكَامِلُونَ يَقُومُونَ بِالْمَقَامَيْنِ فَيَقُومُونَ بِالشُّكْرِ وَالصَّبْرِ عَلَى التَّمَامِ . كَحَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْفَقْرُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْفَعَ مِنْ الْغِنَى وَالْغِنَى أَنْفَعَ لِآخَرِينَ كَمَا تَكُونُ الصِّحَّةُ لِبَعْضِهِمْ أَنْفَعَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ البغوي وَغَيْرُهُ { إنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى . وَلَوْ أَفْقَرْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ . وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْفَقْرُ . وَلَوْ أَغْنَيْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ . وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا السَّقَمُ . وَلَوْ أَصْحَحْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ إنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي إنِّي بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } . وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ } وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { لَمَّا عَلَّمَ الْفُقَرَاءَ الذِّكْرَ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ سَمِعَ بِذَلِكَ الْأَغْنِيَاءُ فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالُوا . فَذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَرَاءَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ } فَالْفُقَرَاءُ مُتَقَدِّمُونَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ لِخِفَّةِ الْحِسَابِ عَلَيْهِمْ وَالْأَغْنِيَاءُ مُؤَخَّرُونَ لِأَجْلِ الْحِسَابِ ثُمَّ إذَا حُوسِبَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَعْظَمَ مِنْ حَسَنَاتِ الْفَقِيرِ كَانَتْ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَوْقَهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي الدُّخُولِ كَمَا أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمِنْهُمْ عُكَاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ وَقَدْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِحِسَابِ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ . وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ .