القائمة
الرئيسية
عن الشيخ
تعريف بالشيخ
منهج الشيخ
أقوال العلماء
تلامذة الشيخ
مناظرات الشيخ
تعريف بالشيخ
منهج الشيخ
المــــراجــــــــع
تصنيــف المـراجــــــع
ترتيــب المراجع زمنيـاً
ترتيب المراجع أبجدياً
البحث المتقدم
البـحـث النـصــــي
البـحــث الفقهــي
الرئيسية
>
مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية
>
فَصْل أَهْلِ الضَّلَالِ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا
مسألة تالية
تنسيق الخط:
16px
17px
18px
19px
20px
21px
22px
23px
24px
25px
26px
27px
28px
29px
30px
31px
32px
Adobe Arabic
Andalus
Arial
Simplified Arabic
Traditional Arabic
Tahoma
Times New Roman
Verdana
MS Sans Serif
(إخفاء التشكيل)
التحليل الفقهي
الأدلة
: الآيات | القياس | المعقول
الأعلام
: أعلام الرجال | الأنبياء | الفقهاء | الجماعات
التحليل الموضوعي
وَكَلَامُ
السَّلَفِ
وَابْنُ كِلَابٍ
طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ تَقُولُ : إنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ وَتَزُولُ وَإِنَّهُ كَلَّمَ
مُوسَى
فَالْقَوْلُ بِفَنَاءِ الصَّوْتِ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ
مُوسَى
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَثَلَ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ
أُصُولِ الْإِيمَانِ
متن:
وَكَلَامُ
السَّلَفِ
وَالْأَئِمَّةِ فِي ذَمِّ
الجهمية
كَثِيرٌ مَشْهُورٌ فَإِنَّ مَرَضَ التَّعْطِيلِ شَرٌّ مِنْ مَرَضِ التَّجْسِيمِ وَإِنَّمَا كَانَ
السَّلَفُ
يَذُمُّونَ الْمُشَبِّهَةَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه
وَغَيْرُهُمَا قَالُوا : الْمُشَبِّهَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : بَصَرٌ كَبَصَرِي وَيَدٌ كَيَدِي وَقَدَمٌ كَقَدَمِي
وَابْنُ كِلَابٍ
وَمَنْ تَبِعَهُ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ
[ فَأَمَّا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ] فَيَنْفُونَهَا قَالُوا
لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ وَلَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَكَانَ حَادِثًا لِأَنَّ مَا قَبِلَ الشَّيْءَ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ
فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ هَذِهِ الْحَوَادِثِ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَمِنْ ضِدِّهِ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَيَكُونُ حَادِثًا . و "
مُحَمَّدُ بْنُ كَرَّامٍ
كَانَ بَعْدَ
ابْنِ كِلَابٍ
فِي عَصْرِ
مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ
أَثْبَتَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالصِّفَاتِ الاختياريات وَيَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; وَلَكِنْ عِنْدَهُ يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا فَلَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ
السَّلَفِ
إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ بَلْ قَالَ : إنَّهُ صَارَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا صَارَ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ . وَقَالَ : هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ : إنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي تَقُومُ بِهِ لَا يَخْلُو مِنْهَا وَلَا يَزُولُ عَنْهَا ;
لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ كَانَ قَابِلًا لِحُدُوثِهَا وَزَوَالِهَا وَإِذَا كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ
وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ فَقَطْ كَمَا يُقْبَلُ أَنْ يَفْعَلَهَا وَيُحْدِثَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْهُ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا لَهَا وَالْحُدُوثُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْإِحْدَاثِ وَالْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ لَا مُحْدَثٌ ;
لِأَنَّ الْمُحْدَثَ يَفْتَقِرُ إلَى إحْدَاثٍ بِخِلَافِ الْحُدُوثِ
. وَهُمْ إذَا قَالُوا : كَانَ خَالِيًا مِنْهَا فِي الْأَزَلِ وَكَانَ سَاكِنًا لَمْ يَقُولُوا إنَّهُ قَامَ بِهِ حَادِثٌ ; بَلْ يَقُولُونَ السُّكُونُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ كَمَا يَقُولُهُ
الْفَلَاسِفَةُ
; وَلَكِنَّ الْحَرَكَةَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ; بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ [ مَنْ يَقُولُهُ ] مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ
وَالْأَشْعَرِيَّةِ
: إنَّ السُّكُونَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَالْحَرَكَةِ فَإِذَا حَصَلَ بِهِ حَادِثٌ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَدَمُ هَذَا الْحَادِثِ فَإِنَّمَا يَعْدَمُ الْحَادِثُ بِإِحْدَاثِ يَقُومُ بِهِ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّهُ يَمْتَنِعُ عَدَمُ الْجِسْمِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْبَارِيَ يَقُومُ بِهِ إحْدَاثُ الْمَخْلُوقَاتِ وَإِفْنَاؤُهَا فَالْحَوَادِثُ الَّتِي تَقُومُ بِهِمْ تَقُومُ بِهِ لَوْ أَفْنَاهَا لَقَامَ بِهِ الْإِحْدَاثُ وَالْإِفْنَاءُ فَكَانَ قَابِلًا لِأَنْ يَحْدُثَ فِيهِ حَادِثٌ وَيَفْنَى ذَلِكَ الْحَادِثُ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْ إحْدَاثٍ وَإِفْنَاءٍ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْهَا فَهُوَ حَادِثٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ
لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ
كَمَا قَالَتْ
الكلابية
; لَكِنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ
يَقُولُونَ : السُّكُونُ ضِدُّ الْحَرَكَةِ فَالْقَابِلُ لِأَحَدِهِمَا لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ الْآخَرِ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : السُّكُونُ لَيْسَ بِضِدِّ وُجُودِي ; بَلْ هُوَ عَدَمِيٌّ وَإِنَّمَا الْوُجُودِيُّ هُوَ الْإِحْدَاثُ وَالْإِفْنَاءُ فَلَوْ قَبِلَ قِيَامَ الْإِحْدَاثِ وَالْإِفْنَاءِ بِهِ لَكَانَ قَابِلًا لِقِيَامِ الْأَضْدَادِ الْوُجُودِيَّةِ وَالْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ . وَهَؤُلَاءِ لَمَّا أَرَادَ مُنَازِعُوهُمْ إبْطَالَ قَوْلِهِمْ كَانَ عُمْدَتُهُمْ بَيَانَ تَنَاقُضِ أَقْوَالِهِمْ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ
أَبُو الْمَعَالِي
وَأَتْبَاعُهُ وَكَمَا ذَكَرَ
الآمدي
تَنَاقُضَهُمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ . قَدْ ذُكِرَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَايَتُهُمَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُنَاقَضَتِهِمْ لَا عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ الْمُنَازِعِ . وَثَمَّ
طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ تَقُولُ : إنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ وَتَزُولُ وَإِنَّهُ كَلَّمَ
مُوسَى
بِصَوْتِ وَذَلِكَ الصَّوْتُ عَدَمٌ
وَهَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مِنْ
السَّلَفِ
وَغَيْرِهِمْ وَأَظُنُّ
الكرامية
لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَإِلَّا
فَالْقَوْلُ بِفَنَاءِ الصَّوْتِ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ
مُوسَى
مِنْ جِنْسِ الْقَوْلِ بِقِدَمِهِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مِنْ
السالمية
وَغَيْرِهِمْ وَمِنْ
الْحَنْبَلِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ
يَقُولُ : إنَّهُ كَلَّمَ
مُوسَى
بِصَوْتِ سَمِعَهُ
مُوسَى
وَذَلِكَ الصَّوْتُ قَدِيمٌ وَهَذَا الْقَوْلُ يُعْرَفُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ كَلَّمَهُ بِصَوْتِ حَادِثٍ وَأَنَّ ذَلِكَ الصَّوْتَ بَاقٍ لَا يَزَالُ هُوَ وَسَائِرُ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ الْحَوَادِثِ هِيَ أَقْوَالٌ يُعْرَفُ فَسَادُهَا بِالْبَدِيهَةِ . وَإِنَّمَا أَوْقَعَ هَذِهِ الطَّوَائِفَ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ ذَلِكَ الْأَصْلُ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْ
الجهمية
وَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ وَهُوَ بَاطِلٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَهَذَا الْأَصْلُ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَبِهِ اسْتَطَالَتْ عَلَيْهِمْ
الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ
فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا وَلَا لِعَدُوِّهِ كَسَرُوا . بَلْ قَدْ خَالَفُوا
السَّلَفَ
وَالْأَئِمَّةَ وَخَالَفُوا الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ وَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ عَدُوَّهُمْ مِنْ
الْفَلَاسِفَةِ
وَالدَّهْرِيَّةِ
وَالْمَلَاحِدَةِ
بِسَبَبِ غَلَطِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي جَعَلُوهُ أَصْلَ دِينِهِمْ وَلَوْ اعْتَصَمُوا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَوَافَقُوا الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ وَثَبَتَ لَهُمْ الْأَصْلُ ; وَلَكِنْ ضَيَّعُوا الْأُصُولَ فَحُرِمُوا الْوُصُولَ ; وَالْأُصُولُ اتِّبَاعُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ . وَأَحْدَثُوا أُصُولًا ظَنُّوا أَنَّهَا أُصُولٌ ثَابِتَةٌ وَكَانَتْ كَمَا ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَيْنِ : مِثْلَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرَةِ . فَقَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ : {
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
} وَقَالَ : {
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ
} {
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
} {
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ
} {
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ
} وَالْأُصُولُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أُصُولِ الشَّجَرَةِ وَأَسَاسِ الْبِنَاءِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ فِيهِ الْأَصْلُ مَا اُبْتُنِيَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوْ مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ غَيْرُهُ . فَالْأُصُولُ الثَّابِتَةُ هِيَ أُصُولُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا قِيلَ : أَيُّهَا الْمُغْتَدِي لِتَطْلُبَ عِلْمًا كُلُّ عِلْمِ عَبْدٍ لِعِلْمِ الرَّسُولِ تَطْلُبُ الْفَرْعَ كَيْ تُصَحِّحَ حُكْمًا ثُمَّ أَغْفَلْت أَصْلَ أَصْلِ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ يَهْدِينَا وَسَائِرُ إخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . وَهَذِهِ الْأُصُولُ يَنْبَنِي عَلَيْهَا مَا فِي الْقُلُوبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا وَقَدْ
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَثَلَ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ
. و ( الْكَلِمَةُ هِيَ قَضِيَّةٌ جَازِمَةٌ وَعَقِيدَةٌ جَامِعَةٌ وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوتِيَ فَوَاتِحَ الْكَلَامِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ ; فَبَعَثَ بِالْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ وَالْعُلُومِ الْأَوَّلِيَّةِ والآخرية عَلَى أَتَمِّ قَضِيَّةٍ فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ - وَهِيَ الْعَقِيدَةُ الْإِيمَانِيَّةُ التَّوْحِيدِيَّةُ - كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ فَأَصْلُ
أُصُولِ الْإِيمَانِ
ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ كَثَبَاتِ أَصْلِ الشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ {
إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ
} وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَثَّلَ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ أَيْ : كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ بِشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَلَهَا فَرْعٌ عَالٍ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي قَلْبٍ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ فَالْمُؤْمِنُ عِنْدَهُ يَقِينٌ وَطُمَأْنِينَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ ثَابِتٌ مُسْتَقِرٌّ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثَابِتٌ عَلَى الْإِيمَانِ مُسْتَقَرٌّ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ وَالْكَلِمَةُ الْخَبِيثَةُ {
كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
} اُسْتُؤْصِلَتْ وَاجْتُثَّتْ كَمَا يُقْطَعُ الشَّيْءُ يُجْتَثُّ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ {
مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ
} لَا مَكَانَ تَسْتَقِرُّ فِيهِ وَلَا اسْتِقْرَارَ فِي الْمَكَانِ ; فَإِنَّ الْقَرَارَ يُرَادُ بِهِ مَكَانُ الِاسْتِقْرَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
وَبِئْسَ الْقَرَارُ
} وَقَالَ : {
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا
} . وَيُقَالُ : فُلَانٌ مَا لَهُ قَرَارٌ أَيْ ثَبَاتٌ وَقَدْ فُسِّرَ الْقَرَارُ فِي الْآيَةِ بِهَذَا وَهَذَا فَالْمُبْطِلُ لَيْسَ قَوْلُهُ ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ وَلَا هُوَ ثَابِتٌ فِيهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمَثَلِ الْآخَرِ : {
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
} فَإِنَّهُ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مُدَّةً فَإِنَّهُ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ يَخُونُهُ كَاَلَّذِي يُشْرِكُ بِاَللَّهِ فَعِنْدَ الْحَقِيقَةِ يَضِلُّ عَنْهُ مَا كَانَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ الْبَاطِلَةُ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ تَخُونُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ بَلْ هِيَ كَالشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ
فَمَنْ كَانَ مَعَهُ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ أَصْلُهَا ثَابِتٌ كَانَ لَهُ فَرْعٌ فِي السَّمَاءِ يُوَصِّلُهُ إلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ {
إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ
} وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ الْوُصُولَ ; لِأَنَّهُ ضَيَّعَ الْأُصُولَ ; وَلِهَذَا تَجِدُ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالشُّبُهَاتِ لَا يَصِلُونَ إلَى غَايَةٍ مَحْمُودَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ
} .