مسألة تالية
متن:
وَأَمَّا قَوْلُهُ : { وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } فَعَلَى قَوْلَيْنِ : قِيلَ : هُوَ مِنْ بَابِ التَّحْمِيلِ الْقَدَرِيِّ لَا مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِيِّ أَيْ : لَا تَبْتَلِينَا بِمَصَائِبَ لَا نُطِيقُ حَمْلَهَا كَمَا يُبْتَلَى الْإِنْسَانُ بِفَقْرِ لَا يُطِيقُهُ أَوْ مَرَضٍ لَا يُطِيقُهُ أَوْ حَدَثٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ حُبٍّ أَوْ عِشْقٍ لَا يُطِيقُهُ وَيَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ ذُنُوبَهُ . وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الذُّنُوبَ عَوَاقِبُهَا مَذْمُومَةٌ مُطْلَقًا . وَقَوْلُهُ : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } و { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } قَوْلُ حَقٍّ وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ : { وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } . فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُبْتَلَى بِجِنْسِ عَمَلِهِمْ إلَّا نَالَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ حَتَّى تَعَمُّدُ النَّظَرِ يُوَرِّثُ الْقَلْبَ عَلَاقَةً يَتَعَذَّبُ بِهَا الْإِنْسَانُ وَإِنْ قَوِيَتْ حَتَّى صَارَتْ غَرَامًا وَعِشْقًا زَادَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ سَوَاءٌ قَدَّرَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَحْبُوبِ أَوْ عَاجِزٌ عَنْهُ ; فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَهُوَ فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ مِنْ الْحُزْنِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَهُوَ فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ مِنْ خَوْفِ فِرَاقِهِ وَمِنْ السَّعْيِ فِي تَأْلِيفِهِ وَأَسْبَابِ رِضَاهُ فَإِنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ أَوْ افْتَقَرَ تَضَاعَفَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَإِنْ صَارَ إلَى غَيْرِهِ اسْتِبْدَالًا بِهِ أَوْ مُشَارَكَةً قَوِيَ عَذَابُهُ فَإِنَّ هَذَا الْجِنْسَ يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْعَذَابِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي عِشْقِ الْبَغَايَا وَمَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ فِي الْحَلَالِ وَإِنْ حَصَلَ فِي الْحَلَالِ نَوْعُ عَذَابٍ كَانَ أَخَفَّ مِنْ نَظِيرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ ذُنُوبٍ أُخْرَى . فَإِذَا دَعَا الْإِنْسَانُ بِهَذَا الدُّعَاءِ يَخُصُّ نَفْسَهُ وَيَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ مِنْ ذَلِكَ أَعْظَمُ نَصِيبٍ كَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَا قَرَأَ بِهِمَا أَحَدٌ فِي لَيْلَةٍ إلَّا كَفَتَاهُ } وَكَيْفَ لَا تَكْفِيَانِهِ وَمَا دَعَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا مَا حَصَلَ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَقْرَءُوهُمَا فَإِنَّ الدَّاعِيَ بِهَذَا الدُّعَاءِ لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ يَخُصُّهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ . وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ إنَّمَا اُسْتُجِيبَ لَهُمْ هَذَا الدُّعَاءُ لَمَّا الْتَزَمُوا الطَّاعَةَ لِلَّهِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِمْ : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ثُمَّ أُنْزِلَ هَذَا الدُّعَاءُ فَدَعَوْا بِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ . وَلِهَذَا كَانُوا فِي الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا فِيهَا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ خَيْرًا مِمَّا كَانُوا فِيهَا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَلَمَّا كَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ حَدَثَ مِنْ بَعْضِهِمْ ذُنُوبٌ أَوْجَبَتْ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ فِي نَوْعٍ مِنْ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ كَمَنْعِهِمْ مِنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَكَإِيقَاعِ الثَّلَاثِ إذَا قَالُوهَا بِكَلِمَةِ وَكَتَغْلِيظِ الْعُقُوبَةِ فِي الْخَمْرِ وَكَانَ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وَأَزْهَدُهُمْ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ يَنْقَادُ لَهُ عُمَرُ مَا لَا يَنْقَادُ لِغَيْرِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا حَتَّى تَنَازَعُوا فِيهَا وَهُمْ مُؤْتَلِفُونَ مُتَحَابُّونَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُقِرُّ الْآخَرَ عَلَى اجْتِهَادِهِ . فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ " عُثْمَانَ زَادَ التَّغَيُّرُ وَالتَّوَسُّعُ فِي الدُّنْيَا وَحَدَثَتْ أَنْوَاعٌ مِنْ الْأَعْمَالِ لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ
عُمَرَ فَحَصَلَ بَيْنَ بَعْضِ الْقُلُوبِ تَنَافُرٌ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ فَصَارُوا فِي فِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } أَيْ هَذِهِ الْفِتْنَةُ لَا تُصِيبُ الظَّالِمَ فَقَطْ ; بَلْ تُصِيبُ الظَّالِمَ وَالسَّاكِتَ عَنْ نَهْيِهِ عَنْ الظُّلْمِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْهُ } . وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَنْعِهِمْ كَثِيرًا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَصَارُوا يَخْتَصِمُونَ فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَمْ تَكُنْ فِيهِ خُصُومَةٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَطَائِفَةٌ تَمْنَعُ الْمُتْعَةَ مُطْلَقًا كَابْنِ الزُّبَيْرِ وَطَائِفَةٌ تَمْنَعُ الْفَسْخَ كَبَنِي أُمِّيَّةَ وَأَكْثَرِ النَّاسِ وَصَارُوا يُعَاقِبُونَ مَنْ تَمَتَّعَ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تُوجِبُ الْمُتْعَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ لَا يَقْصِدُ مُخَالَفَةَ الرَّسُولِ ; بَلْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ الْعِلْمُ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبُهُ مَا حَدَثَ مِنْ الذُّنُوبِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَرَجْت لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ فَرُفِعَتْ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ } أَيْ قَدْ يَكُونُ إخْفَاؤُهَا خَيْرًا لَكُمْ لِتَجْتَهِدُوا فِي لَيَالِي الْعَشْرِ كُلِّهَا ; فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ إخْفَاءُ بَعْضِ الْأُمُورِ رَحْمَةً لِبَعْضِ النَّاسِ . وَالنِّزَاعُ فِي الْأَحْكَامِ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى شَرٍّ عَظِيمٍ مِنْ خَفَاءِ الْحُكْمِ ; وَلِهَذَا صَنَّفَ رَجُلٌ كِتَابًا سَمَّاهُ " كِتَابُ الِاخْتِلَافِ " فَقَالَ أَحْمَد : سَمِّهِ " كِتَابَ السِّعَةِ " وَإِنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِبَعْضِ النَّاسِ خَفَاؤُهُ لِمَا فِي ظُهُورِهِ مِنْ الشِّدَّةِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } . وَهَكَذَا مَا يُوجَدُ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَغْصُوبًا فَإِذَا لَمْ يَعْلَمُ الْإِنْسَان بِذَلِكَ كَانَ كُلُّهُ لَهُ حَلَالًا لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِحَالِ ; بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ فَخَفَاءُ الْعِلْمِ بِمَا يُوجِبُ الشِّدَّةَ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً كَمَا أَنَّ خَفَاءَ الْعِلْمِ بِمَا يُوجِبُ الرُّخْصَةَ قَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً كَمَا أَنَّ رَفْعَ الشَّكِّ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً وَقَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً . وَالرُّخْصَةُ رَحْمَةٌ وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهُ النَّفْسِ أَنْفَعَ كَمَا فِي الْجِهَادِ : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِخَفَاءِ الْعِلْمِ النَّافِعِ أَوْ بَعْضِهِ ; بَلْ يَكُونُ سَبَبًا لِنِسْيَانِ مَا عَلِمَ وَلِاشْتِبَاهِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ تَقَعُ الْفِتَنُ بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ أَسْكَنَ آدَمَ وَزَوْجَهُ الْجَنَّةَ وَقَالَ لَهُمَا : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } فَكُلُّ عَدَاوَةٍ كَانَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا وَبَلَاءٍ وَمَكْرُوهٍ تَكُونُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَفِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبَبُهَا الذُّنُوبُ وَمَعْصِيَةُ الرَّبِّ تَعَالَى . فَالْإِنْسَانُ إذَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَانَ فِي نَعِيمِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمُ وَارِدٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَاتِهِ وَهُوَ فِي جَنَّةِ الدُّنْيَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ : { إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا . قِيلَ : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : مَجَالِسُ الذِّكْرِ } وَقَالَ : { مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ } فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ هُنَا فِي رِيَاضِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ . وَكُلَّمَا كَانَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ وَطَاعَتِهِ كَانَ مُعَلَّقًا بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى فَلَا يَزَالُ فِي عُلُوٍّ مَا دَامَ كَذَلِكَ فَإِذَا أَذْنَبَ هَبَطَ قَلْبُهُ إلَى أَسْفَلَ فَلَا يَزَالُ فِي هُبُوطٍ مَا دَامَ كَذَلِكَ وَوَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمْثَالِهِ عَدَاوَةٌ ; فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا ثَابَ وَعَمِلَ فِي حَالِ هُبُوطِ قَلْبِهِ إلَى أَنْ يَسْتَقِيمَ فَيَصْعَدُ قَلْبُهُ قَالَ تَعَالَى : { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } فَتَقْوَى الْقُلُوبِ هِيَ الَّتِي تَنَالُ اللَّهَ كَمَا قَالَ : { إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } فَأَمَّا الْأُمُورُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنَّا مِنْ اللُّحُومِ وَالدِّمَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَنَالُ اللَّهَ . و " الْبَاطِنِيَّةُ " الْمُنْكِرُونَ لِخَلْقِ الْعَالَمِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمُعَادِ الْأَبْدَانِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لِلْقُرْآنِ تَأْوِيلًا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ عِنْدَهُمْ مَا ثَمَّ " جَنَّةٌ " إلَّا لَذَّةُ مَا تَتَّصِفُ بِهَا النَّفْسُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَمَا ثَمَّ " نَارٌ " إلَّا أَلَمُ مَا تَتَّصِفُ بِهِ النَّفْسُ مِنْ الْجَهْلِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ السَّيِّئَةِ فَنَارُ النُّفُوسِ أَلَمُهَا الْقَائِمُ بِهَا كَحَسَرَاتِهَا لِفَوَاتِ الْعِلْمِ أَوْ لِفَوَاتِ الدُّنْيَا الْمَحْبُوبَةِ لَهَا وَحَجْبُهَا إنَّمَا هِيَ ذُنُوبُهَا . وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّا يَذْكُرُهُ أَبُو حَامِدٍ فِي " الْمَظْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ " لَكِنْ قَدْ يَقُولُ هَذَا : لَيْسَ هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَجْسَامِ ; بَلْ ذَاكَ أَمْرٌ آخَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ أَهْلُ السُّنَّةِ . وَلَا نَعِيمَ عِنْدِهِمْ إلَّا مَا يَقُومُ بِالنَّفْسِ مِنْ هَذَا وَلِهَذَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ نَعِيمٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ النَّفْسِ وَلَا عَذَابٌ . وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ شَرْعًا وَعَقْلًا ; فَإِنَّ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا يُثَابُونَ وَيُعَاقَبُونَ بِأُمُورِ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُمْ فَكَيْفَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ . وَلَكِنَّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا [ مِنْهُ ] مَا هُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّ الْبَاطِلَ جَحَدَهُمْ مَا جَحَدُوهُ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ إلَّا فِي جَنَّةِ الْعِلْمِ وَهُبُوطُهُ انْخِفَاضُ دَرَجَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَهَذَا كَذِبٌ ; وَلَكِنْ مَا أَثْبَتُوهُ مِنْ الْحَقِّ حَقٌّ وَقِصَّةُ آدَمَ تَدُلُّ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الصُّوفِيَّةُ الْإِشَارَةَ ; لَا أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ ; لَكِنْ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ عُوقِبَ بِأَنْ يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يَفْهَمُ الْعِلْمَ أَوْ لَا يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ عَدُوُّهُ وَيَجِدُ ذُلًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ الْيَهُودِ : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } . وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَذَّةَ الْعِلْمِ أَعْظَمُ اللَّذَّاتِ و " اللَّذَّةُ " الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ هِيَ لَذَّةُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَالْعَمَلِ لَهُ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِهِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ . وَأَيْضًا فَنَفْسُ الْعِلْمِ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حُبٌّ لَهُ وَعِبَادَةٌ لَهُ بَلْ كَانَ مَعَ حُبٍّ لِغَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَإِنَّ عَذَابَ هَذَا قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ كَمَالَ اللَّذَّةِ إلَّا فِي نَفْسِ الْعِلْمِ . و " أَيْضًا " فَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى اللَّذَّةِ الْعَقْلِيَّةِ خَطَأٌ وَالنَّصَارَى زَادُوا عَلَيْهِمْ السَّمْعَ وَالشَّمَّ فَقَالُوا : يَتَمَتَّعُونَ بِالْأَرْوَاحِ الْمُتَعَشَّقَةِ وَالنَّغَمَاتِ الْمُطْرِبَةِ وَلَمْ يُثْبِتُوا هُمْ وَلَا الْيَهُودُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَلَا النِّكَاحَ - وَهِيَ لَذَّةُ اللَّمْسِ - وَالْمُسْلِمُونَ أَثْبَتُوا جَمِيعَ أَنْوَاعِ اللَّذَّاتِ : سَمْعًا وَبَصَرًا وَشَمًّا وَذَوْقًا وَلَمْسًا لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا وَكَانَ هَذَا هُوَ الْكَمَالُ ; لَا مَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمْ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَأَعْظَمُ لَذَّاتِ الْآخِرَةِ لَذَّةُ النَّظَرِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ } وَهُوَ ثَمَرَةُ مَعْرِفَتِهِ وَعِبَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا فَأَطْيَبُ مَا فِي الدُّنْيَا مَعْرِفَتُهُ وَأَطْيَبُ مَا فِي الْآخِرَةِ النَّظَرُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ ; وَلِهَذَا كَانَ التَّجَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى مِقْدَارِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الدُّنْيَا . وَأَبُو حَامِدٍ يَذْكُرُ فِي كُتُبِهِ هُوَ وَأَمْثَالِهِ " الرُّؤْيَةَ " وَأَنَّهَا أَفْضَلُ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ وَيَذْكُرُ كَشْفَ الْحُجُبِ وَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ وَجْهَ اللَّهِ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ يُرِيدُ بِهِ مَا تَقُولُهُ الجهمية وَالْفَلَاسِفَةُ ; فَإِنَّ " الرُّؤْيَةَ " عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ إلَّا الْعِلْمَ ; لَكِنْ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرَى الشَّيْءَ بِعَيْنَيْهِ وَقَدْ يُمَثِّلُ لَهُ خَيَالُهُ إذَا غَابَ عَنْهُ فَهَكَذَا الْعِلْمُ فَفِي الدُّنْيَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ إلَّا مِثَالٌ كَالْخَيَالِ فِي الْحِسَابِ وَفِي الْآخِرَةِ يَعْلَمُونَهُ بِلَا مِثَالٍ وَهُوَ عِنْدُهُمْ " وُجُودٌ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ " و " كَشْفُ الْحِجَابِ " عِنْدَهُمْ رَفْعُ الْمَانِعِ الَّذِي فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ فَحَقِيقَتُهُ جَعْلُ الْعَبْدِ عَالِمًا وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا تَقُولُ بِهِ الْفَلَاسِفَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ . وَهَؤُلَاءِ إنَّمَا يَأْمُرُونَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا لِيَنْقَطِعَ تَعَلُّقُ النَّفْسِ بِهَا وَقْتَ [ فِرَاقِ ] النَّفْسِ فَلَا تَبْقَى النَّفْسُ مُفَارِقَةً لِشَيْءِ يُحِبُّهُ ; لَكِنْ أَبُو حَامِدٍ لَا يُبِيحُ مَحْظُورَاتِ الشَّرْعِ قَطُّ ; بَلْ يَقُولُ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْ قَتْلِ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الْكُفَّارِ . وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَالْوَاصِلُ عِنْدَهُمْ إلَى الْعِلْمِ الْمَطْلُوبِ قَدْ يُبِيحُونَ لَهُ مَحْظُورَاتِ الشَّرَائِعِ حَتَّى الْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانُوا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَإِلَّا فَغَالِبُ هَؤُلَاءِ لَا يُوجِبُونَ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ ; بَلْ يُجَوِّزُونَ التَّهَوُّدَ وَالتَّنَصُّرَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاصِلًا إلَى عِلْمِهِمْ فَهُوَ سَعِيدٌ . وَهَكَذَا تَقُولُ الِاتِّحَادِيَّةُ مِنْهُمْ : كَابْنِ سَبْعِينَ ; وَابْنِ هُودٍ والتلمساني وَنَحْوِهِمْ وَيَدْخُلُونَ مَعَ النَّصَارَى بِيَعَهُمْ وَيُصَلُّونَ مَعَهُمْ إلَى الشَّرْقِ وَيَشْرَبُونَ مَعَهُمْ وَمَعَ الْيَهُودِ الْخَمْرَ وَيَمِيلُونَ إلَى دِينِ النَّصَارَى أَكْثَرَ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ ; وَلِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ وَلِأَنَّهُمْ أَجْهَلُ فَيَقْبَلُونَ مَا يَقُولُونَهُ أَعْظَمُ مِنْ قَبُولِهِمْ لِقَوْلِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءِ النَّصَارَى جُهَّالٌ إذَا كَانَ فِيهِمْ مُتَفَلْسِفٌ عَظَّمُوهُ وَهَؤُلَاءِ يَتَفَلْسَفُونَ . وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَفْرَحُ إذَا قِيلَ لَهُ لَسْت بِمُسْلِمِ ; وَيَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ - كَمَا كَانَ أَحْمَد المارديني وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَرَبِيٍّ يَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ - أَنَّهُ دَخَلَ إلَى بَعْضِ دِيَارَاتِ النَّصَارَى لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا يَأْكُلُهُ هُوَ وَرَفِيقُهُ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ يَتَكَلَّمُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ : يَقُولُونَ : كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ آخَرُ : لَا تَتَكَلَّمْ فِي الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقَالَ ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُ هَذَا وَجْهُهُ وَجْهُ مُسْلِمٍ ؟ أَيْ لَيْسَ هَذَا بِمُسْلِمِ فَصَارَ يَحْكِيهَا المارديني أَنَّ النَّصْرَانِيَّ قَالَ عَنْهُ لَيْسَ هَذَا بِمُسْلِمِ وَيَفْرَحُ بِقَوْلِ النَّصْرَانِيِّ وَيُصَدِّقُهُ فِيمَا يَقُولُ أَيْ لَيْسَ هُوَ بِمُسْلِمِ . والمتفلسفة يُصَرِّحُونَ بِهَذَا . يَقُولُونَ : قُلْنَا : كَذَا وَكَذَا وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : كَذَا وَكَذَا وَرُبَّمَا قَالُوا قُلْنَا : كَذَا وَقَالَ المليون : أَيْ أَهْلَ الْمِلَلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكُتُبُهُمْ مَشْحُونَةٌ بِهَذَا وَلَا بُدَّ لِأَحَدِهِمْ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِهِمْ . لَكِنَّ دُخُولَهُمْ فِي هَذَا كَدُخُولِهِمْ فِي سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ كَمَا كَانُوا مَعَ التُّرْكِ الْكُفَّارِ وَكَانُوا مَعَ هُولَاكُو " مَلِكِ الْمَغُولِ الْكُفَّارِ وَمَعَ الْقَانِّ " الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ خَلِيفَةُ جنكزخان " بِبِلَادِ الخطا وَانْتِسَابُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ هُنَاكَ إلَى الْإِسْلَامِ انْتِسَابٌ إلَى إسْلَامٍ يَرْضَاهُ ذَلِكَ الْمَلِكُ بِحَسَبِ غَرَضِهِ كَمَا كَانَ النَّصِيرُ الطوسي " وَأَمْثَالُهُ مَعَ هُولَاكُو " مَلِكِ الْكُفَّارِ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِقَتْلِ الْخَلِيفَةِ بِبَغْدَادَ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَأَخَذَ كُتُبَ النَّاسِ : مُلْكَهَا وَوَقْفَهَا وَأَخَذَ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهِ وَأَفْسَدَ الْبَاقِيَ وَبَنَى الرُّصَدَ وَوَضَعَهَا فِيهِ وَكَانَ يُعْطِي مِنْ وَقْفِ الْمُسْلِمِينَ لِعُلَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ البخشية والطوينية وَيُعْطِي فِي رَصْدِهِ الْفَيْلَسُوفَ وَالْمُنَجِّمَ وَالطَّبِيبَ أَضْعَافَ مَا يُعْطِي الْفَقِيهَ وَيَشْرَبُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْخَمْرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا يُصَلُّونَ . وَكَذَلِكَ كَانَ بِالشَّامِ وَمِصْرً طَائِفَةٌ مَعَ تَصَوُّفِهِمْ وَتَأَلُّهِهِمْ وَتَزَهُّدِهِمْ يَشْرَبُ أَحَدُهُمْ الْخَمْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَتَارَةً يُصَلُّونَ وَتَارَةً لَا يُصَلُّونَ . فَإِنَّهُمْ لَا يَدِينُونَ بِإِيجَابِ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَتَحْرِيمِ مُحَرَّمَاتِهِ عَلَيْهِمْ ; بَلْ يَقُولُونَ : هَذَا لِلْعَامَّةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَأَمَّا مِثْلُنَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْأَنْبِيَاءِ . وَيَحْكُونَ عَنْ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ فَقَالَ : لَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِثْلِي مَا احْتَاجُوا إلَى نَبِيٍّ . وَمِثْلُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ يَحْكِيهَا مَنْ يَكُونُ رَئِيسَ الْأَطِبَّاءِ وَلَا يَعْرِفُ الزَّنْدَقَةَ وَلَا يَدْرِي مَضْمُونَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَا هُوَ لِجَهْلِهِ بِالنُّبُوَّاتِ وَقِيلَ لِرَئِيسِهِمْ الْأَكْبَرِ فِي زَمَنِ مُوسَى أَلَا تَأْتِيهِ فَتَأْخُذُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ : نَحْنُ قَوْمٌ مَهْدِيُّونَ فَلَا نَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَهْدِينَا . وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ حُصُولِ اللَّذَّةِ فِي الْقَلْبِ وَالنَّعِيمِ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَهُوَ سَبَبُ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ } وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَنْبَعِثُ الْقُلُوبَ إلَى الْخَيْرِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي بِهَا وَبِسَبَبِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُمْتَنَعُ مِنْ الشُّرُورِ الَّتِي بِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَا يَعْمَلُونَهُ فِي الْإِفْطَارِ فَإِنَّ الْمُصَفَّدَ هُوَ الْمُقَيَّدُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ بِسَبَبِ الشَّهَوَاتِ فَإِذَا كَفُّوا عَنْ الشَّهَوَاتِ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ . وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ الَّتِي تُفْتَحُ وَتُغْلَقُ غَيْرُ مَا فِي الْقُلُوبِ ; وَلَكِنْ مَا فِي الْقُلُوبِ سَبَبٌ لَهُ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ وَأَثَرٌ مِنْ آثَارِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } فَقِيلَ : يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ مَا سَيَصِيرُ نَارًا وَقِيلَ : هُوَ سَبَبُ النَّارِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .