تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَقَوْلُهُ : { هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } إثْبَاتٌ لِعِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ; فَإِنَّ الْجَبْرِيَّةَ - أَتْبَاعَ جَهْمٍ - لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ حِكْمَةٌ ; وَلِهَذَا لَمَّا أَرَادَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ أَنْ تُفَسِّرَ حِكْمَتَهُ فَسَّرُوهَا إمَّا بِالْقُدْرَةِ وَإِمَّا بِالْعِلْمِ وَإِمَّا بِالْإِرَادَةِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إثْبَاتٌ لِحِكْمَتِهِ فَإِنَّ الْقَادِرَ وَالْعَالِمَ وَالْمُرِيدَ قَدْ يَكُونُ حَكِيمًا وَقَدْ لَا يَكُونُ وَالْحِكْمَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ لِحِكْمَةِ وَيَقُولُونَ أَيْضًا : الْفِعْلُ لِغَرَضِ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ وَيَتَضَرَّرُ وَيَتَأَلَّمُ وَيَلْتَذُّ ; وَذَلِكَ يُنْفَى عَنْ اللَّهِ . وَالْمُعْتَزِلَةُ أَثْبَتُوا أَنَّهُ يَفْعَلُ لِحِكْمَةِ . وَسَمَّوْا ذَلِكَ غَرَضًا : هُمْ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُثْبِتَةِ ; لَكِنْ قَالُوا : الْحِكْمَةُ أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَقُومُ بِهِ كَمَا قَالُوا فِي كَلَامِهِ وَإِرَادَتِهِ ; فَاسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ الْمُجْبِرَةُ بِذَلِكَ فَقَالُوا : الْحَكِيمُ مَنْ يَفْعَلُ لِحِكْمَةِ تَعُودُ إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ تَعُدْ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَكِيمًا ; بَلْ كَانَ سَفِيهًا . فَيُقَالُ لِلْمُجْبِرَةِ : مَا نَفَيْتُمْ بِهِ الْحِكْمَةَ هُوَ بِعَيْنِهِ حُجَّةُ مَنْ نَفَى الْإِرَادَةَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ قَالُوا : الْإِرَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَنْتَفِعُ وَيَتَضَرَّرُ وَيَتَأَلَّمُ وَيَلْتَذُّ وَإِثْبَاتُ إرَادَةٍ بِدُونِ هَذَا لَا يُعْقَلُ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : نَحْنُ مُوَافِقُونَ لِلسَّلَفِ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى إثْبَاتِ الْإِرَادَةِ فَمَا كَانَ جَوَابًا لَكُمْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَهُوَ جَوَابُ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكُمْ حَيْثُ أَثْبَتُّمْ إرَادَةً بِلَا حِكْمَةٍ يُرَادُ الْفِعْلُ لَهَا . وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيْنَ مَا فِي لَفْظِ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْمُجْمَلَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .