مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 سُورَةُ يُوسُفَ  وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ   رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ   قَوْلُ   يُوسُفَ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا  قَالَتْ لَهُ  امْرَأَةُ الْعَزِيزِ  : {   هَيْتَ لَكَ  قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إنَّهُ  رَبِّي  أَحْسَنَ مَثْوَايَ إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ   }  الْمُرَادُ بِرَبِّهِ  فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ هُنَا سَيِّدُهُ وَهُوَ زَوْجُهَا الَّذِي اشْتَرَاهُ  مِنْ   مِصْرَ  الَّذِي  قَالَ لِامْرَأَتِهِ :   {   أَكْرِمِي مَثْوَاهُ  عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ  نَتَّخِذَهُ وَلَدًا   }  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :   {  وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ  فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ  مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ  عَلَى  أَمْرِهِ  وَلَكِنَّ  أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ   }  .  فَلَمَّا وَصَّى  بِهِ امْرَأَتَهُ  فَقَالَ  لَهَا {   أَكْرِمِي مَثْوَاهُ   }  قَالَ   يُوسُفُ   {   إنَّهُ  رَبِّي  أَحْسَنَ مَثْوَايَ   }  وَلِهَذَا  قَالَ :   {   إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ   }  وَالضَّمِيرُ  فِي :   {   إنَّهُ   }  مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ سَيِّدُهَا .  وَأَمَّا    قَوْله تَعَالَى   {   لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ  رَبِّهِ   }  فَهَذَا خَبَرٌ  مِنْ اللَّهِ تَعَالَى  أَنَّهُ رَأَى بُرْهَانَ  رَبِّهِ وَرَبُّهُ هُوَ اللَّهُ  كَمَا  قَالَ لِصَاحِبَيْ السِّجْنِ : {  ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي  رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ   }  وَقَوْلُهُ :   {   رَبِّيَ   }  مِثْلَ قَوْلِهِ لِصَاحِبِ الرُّؤْيَا :   {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  قَالَ تَعَالَى :   {  فَأَنْسَاهُ  الشَّيْطَانُ ذِكْرَ  رَبِّهِ   }  قِيلَ  أُنْسِيَ   يُوسُفُ  ذِكْرَ  رَبِّهِ  لَمَّا  قَالَ :   {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  .  وَقِيلَ : بَلْ  الشَّيْطَانُ  أَنْسَى الَّذِي  نَجَا مِنْهُمَا ذِكْرَ  رَبِّهِ  وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  قَالَ تَعَالَى :   {  فَأَنْسَاهُ  الشَّيْطَانُ ذِكْرَ  رَبِّهِ   }  وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ  عَلَى خِلَافِ  ذَلِكَ ; وَلِأَنَّ   يُوسُفَ  لَمْ يَنْسَ ذِكْرَ  رَبِّهِ ; بَلْ  كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ .  وَقَدْ  دَعَاهُمَا قَبْلَ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إلَى  الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ  وَقَالَ  لَهُمَا : {   يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ   }   {   مَا تَعْبُدُونَ  مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا  أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا  مِنْ سُلْطَانٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ  أَمَرَ  أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ  ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ  وَلَكِنَّ  أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ   }  .  وَقَالَ  لَهُمَا قَبْلَ  ذَلِكَ   {   لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ   }  أَيْ  فِي الرُّؤْيَا   {   إلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا   }  يَعْنِي التَّأْوِيلَ   {  ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي  رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ   }   {   وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ  آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا  كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ  مِنْ شَيْءٍ  ذَلِكَ  مِنْ فَضْلِ اللَّهِ  عَلَيْنَا  وَعَلَى النَّاسِ  وَلَكِنَّ  أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ   }  فَبِذَا يَذْكُرُ  رَبَّهُ  عَزَّ  وَجَلَّ  فَإِنَّ  هَذَا مِمَّا عَلَّمَهُ رَبُّهُ ;  لِأَنَّهُ  تَرَكَ مِلَّةَ قَوْمٍ مُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ  وَإِنْ  كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ  وَاتَّبَعَ مِلَّةَ  آبَائِهِ أَئِمَّةَ الْمُؤْمِنِينَ - الَّذِينَ  جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ -   إبْرَاهِيمَ   وَإِسْحَاقَ   وَيَعْقُوبَ  ;  فَذَكَرَ  رَبَّهُ  ثُمَّ  دَعَاهُمَا إلَى  الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ . ثُمَّ بَعْدَ  هَذَا  عَبَرَ الرُّؤْيَا  فَقَالَ : {   يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ  أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي  رَبَّهُ خَمْرًا   }  الْآيَةُ  ثُمَّ  لَمَّا  قَضَى تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا :   {  وَقَالَ لِلَّذِي  ظَنَّ  أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ  أَنْسَى  الشَّيْطَانُ   يُوسُفَ  ذِكْرَ  رَبِّهِ ؟ وَإِنَّمَا  أَنْسَى  الشَّيْطَانُ النَّاجِيَ ذِكْرَ  رَبِّهِ أَيْ الذِّكْرَ الْمُضَافَ إلَى  رَبِّهِ وَالْمَنْسُوبَ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَهُ   يُوسُفَ  . وَاَلَّذِينَ  قَالُوا  ذَلِكَ الْقَوْلَ  قَالُوا :  كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَكَّلَ  عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقُولَ اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك .  فَلَمَّا  نَسِيَ أَنْ يَتَوَكَّلَ  عَلَى  رَبِّهِ جُوزِيَ بِلُبْثِهِ  فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ . فَيُقَالُ : لَيْسَ  فِي قَوْلِهِ :   {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  مَا يُنَاقِضُ التَّوَكُّلَ ; بَلْ قَدْ  قَالَ   يُوسُفُ  :   {   إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ   }  كَمَا  أَنَّ قَوْلَ  أَبِيهِ :   {   لَا تَدْخُلُوا  مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا  مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ   }  لَمْ يُنَاقِضْ تَوَكُّلَهُ ; بَلْ  قَالَ :   {   وَمَا  أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ  مِنْ شَيْءٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ   }  . و " أَيْضًا "   فَيُوسُفُ  قَدْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ  أَنَّهُ  مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْمُخْلِصُ لَا يَكُونُ مُخْلِصًا مَعَ تَوَكُّلِهِ  عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ;  فَإِنَّ  ذَلِكَ شِرْكٌ   وَيُوسُفُ  لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا لَا  فِي عِبَادَتِهِ وَلَا تَوَكُّلِهِ بَلْ قَدْ تَوَكَّلَ  عَلَى  رَبِّهِ  فِي فِعْلِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : {  وَإِلَّا تَصْرِفْ  عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ   }  فَكَيْفَ لَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ  فِي أَفْعَالِ عِبَادِهِ . وَقَوْلُهُ : {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  مِثْلُ قَوْلِهِ لِرَبِّهِ :   {   اجْعَلْنِي  عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ   }  فَلَمَّا سَأَلَ الْوِلَايَةَ لِلْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَمْ يَكُنْ  هَذَا مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَا هُوَ  مِنْ سُؤَالِ  الْإِمَارَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ  فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ لِلْفَتَى : {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَيْسَ  فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْمَلِكِ  بِهِ ; لِيَعْلَمَ  حَالَهُ لِيَتَبَيَّنَ الْحَقُّ   وَيُوسُفُ  كَانَ مَنْ أَثْبَتِ النَّاسِ . وَلِهَذَا بَعْدَ أَنْ طُلِبَ   {  وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي  بِهِ   }  قَالَ   {   ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ  رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ   }   فَيُوسُفُ  يَذْكُرُ  رَبَّهُ  فِي هَذِهِ الْحَالِ  كَمَا  ذَكَرَهُ  فِي تِلْكَ . وَيَقُولُ : {   ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ   }  فَلَمْ يَكُنْ  فِي قَوْلِهِ لَهُ :   {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  تَرْكٌ لِوَاجِبِ وَلَا فِعْلٌ لِمُحَرَّمِ حَتَّى يُعَاقِبَهُ اللَّهُ  عَلَى  ذَلِكَ بِلُبْثِهِ  فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ  وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ عَزَمُوا  عَلَى حَبْسِهِ إلَى حِينِ قَبِلَ  هَذَا ظُلْمًا لَهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِبَرَاءَتِهِ  مِنْ الذَّنْبِ .  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :   {  ثُمَّ  بَدَا  لَهُمْ  مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ   }  وَلُبْثُهُ  فِي السَّجْنِ  كَانَ كَرَامَةً  مِنْ اللَّهِ  فِي حَقِّهِ ; لِيَتِمَّ  بِذَلِكَ صَبْرُهُ  وَتَقْوَاهُ فَإِنَّهُ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى  نَالَ مَا  نَالَ ; وَلِهَذَا  قَالَ : {   أَنَا يُوسُفُ  وَهَذَا  أَخِي قَدْ  مَنَّ اللَّهُ  عَلَيْنَا إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ  فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ   }  وَلَوْ لَمْ يَصْبِرْ وَيَتَّقِ بَلْ  أَطَاعَهُمْ فِيمَا طَلَبُوا مِنْهُ جَزَعًا  مِنْ السَّجْنِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ  هَذَا الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى  وَفَاتَهُ الْأَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ  . لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ   هَلْ يُمْكِنُ الْإِكْرَاهُ  عَلَى الْفَاحِشَةِ  عَلَى قَوْلَيْنِ :  قِيلَ لَا يُمْكِنُ كَقَوْلِ  أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ  وَأَبِي حَنِيفَةَ  وَغَيْرِهِمَا  قَالُوا :  لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ الِانْتِشَارَ  . وَالثَّانِي : يُمْكِنُ وَهُوَ قَوْلُ  مَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  وَابْنِ عَقِيلٍ  وَغَيْرِهِ  مِنْ   أَصْحَابِ  أَحْمَد  ;  لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الِانْتِشَارَ  فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْفِعْلِ اخْتِيَارًا بَلْ الْمُكْرَهُ يَخْتَارُ دَفْعَ أَعْظَمِ الشَّرَّيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا  . وَأَيْضًا : فَالِانْتِشَارُ  بِلَا فِعْلٍ مِنْهُ ; بَلْ قَدْ يُقَيَّدُ وَيُضْجَعُ فَتُبَاشِرُهُ الْمَرْأَةُ فَتَنْتَشِرُ [ شَهْوَتُهُ ] فتستدخل  ذَكَرَهُ . فَعَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ مَا طَلَبَتْ مِنْهُ بِحَالِ  وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَدْ  يُقَالُ الْحَبْسُ لَيْسَ بِإِكْرَاهِ يُبِيحُ الزِّنَا ; بِخِلَافِ مَا لَوْ  غَلَبَ  عَلَى ظَنِّهِ  أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ أَوْ يُتْلِفُونَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ  فِي  هَذَا وَهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا  بِهِ إلَى  هَذَا الْحَدِّ  وَإِنْ  قِيلَ  كَانَ يَجُوزُ لَهُ  ذَلِكَ  لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ لَكِنْ يَفُوتُهُ الْأَفْضَلُ .  وَأَيْضًا : فَالْإِكْرَاهُ إنَّمَا يَحْصُلُ  أَوَّلَ مَرَّةٍ  ثُمَّ يُبَاشِرُ وَتَبْقَى لَهُ شَهْوَةٌ وَإِرَادَةٌ  فِي الْفَاحِشَةِ .  وَمَنْ  قَالَ : الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ  فِيهِ الْإِكْرَاهُ يَقُولُ : فَرَّقَ بَيْنَ مَا لَا فِعْلَ لَهُ - كَالْمُقَيَّدِ - وَبَيْنَ مَنْ لَهُ فِعْلٌ  كَمَا  أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أُضْجِعَتْ وَقُيِّدَتْ حَتَّى فُعِلَ بِهَا الْفَاحِشَةُ لَمْ تَأْثَمْ بِالِاتِّفَاقِ  وَإِنْ   أُكْرِهَتْ حَتَّى زَنَتْ   فَفِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ  أَحْمَد  ;  لَكِنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ لَا تَأْثَمُ وَقَدْ  دَلَّ  عَلَى  ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى   {   وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ  فَإِنَّ اللَّهَ  مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ   }  وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : فِعْلُ الْمَرْأَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى انْتِشَارٍ  فَإِنَّمَا هُوَ كَالْإِكْرَاهِ  عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ  ; بِخِلَافِ فِعْلِ الرَّجُلِ وَبَسْطُ  هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .  و " الْمَقْصُودُ "  أَنَّ   يُوسُفَ  لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا  ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَذْكُرُ عَنْ أَحَدٍ  مِنْ  الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إلَّا  ذَكَرَ اسْتِغْفَارَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ   يُوسُفَ  اسْتِغْفَارًا  مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ .  كَمَا لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ اسْتِغْفَارًا  مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفَاحِشَةِ ; فَعُلِمَ  أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا  فِي  هَذَا وَلَا  هَذَا ; بَلْ  هَمَّ هَمًّا  تَرَكَهُ لِلَّهِ ;  فَأُثِيبَ عَلَيْهِ  حَسَنَةً  كَمَا قَدْ بُسِطَ  هَذَا  فِي مَوْضِعِهِ . وَأَمَّا مَا يُكَفِّرُهُ الِابْتِلَاءُ  مِنْ السَّيِّئَاتِ  فَذَلِكَ جُوزِيَ  بِهِ صَاحِبُهُ بِالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ  كَمَا  فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ  مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ  بِهِ خَطَايَاهُ   }  وَلَمَّا   {  أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ :   {   مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ  بِهِ   }  قَالَ  أَبُو بَكْرٍ  : يَا رَسُولَ اللَّهِ جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا ؟  فَقَالَ : أَلَسْت تَحْزَنُ ؟ أَلَسْت تَنْصَبُ ؟ أَلَسْت تُصِيبُك اللأوى ؟  فَذَلِكَ مِمَّا تُجْزَوْنَ  بِهِ   }  . فَتَبَيَّنَ  أَنَّ   قَوْلَهُ :   {  فَأَنْسَاهُ  الشَّيْطَانُ ذِكْرَ  رَبِّهِ   }  أَيْ نُسِّيَ الْفَتَى ذِكْرَ  رَبِّهِ أَنْ يَذْكُرَ  هَذَا لِرَبِّهِ وَنُسِّيَ ذِكْرَ   يُوسُفَ  رَبَّهُ وَالْمَصْدَرُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ   وَيُوسُفُ  قَدْ  ذَكَرَ  رَبَّهُ وَنُسِّيَ الْفَتَى ذِكْرَ   يُوسُفَ  رَبَّهُ  وَأَنْسَاهُ  الشَّيْطَانُ أَنْ يَذْكُرَ  رَبَّهُ ;  هَذَا الذِّكْرَ الْخَاصَّ ; فَإِنَّهُ  وَإِنْ  كَانَ يَسْقِي  رَبَّهُ خَمْرًا فَقَدْ لَا يَخْطُرُ  هَذَا الذِّكْرُ بِقَلْبِهِ  وَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ تَذْكِيرَ  رَبِّهِ وَإِذْكَارَ  رَبِّهِ  لَمَّا  قَالَ : {   اذْكُرْنِي   }  أَمَرَهُ بِإِذْكَارِ  رَبِّهِ  فَأَنْسَاهُ  الشَّيْطَانُ إذْكَارَ  رَبِّهِ فَإِذْكَارُ  رَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَهُ ذَاكِرًا  فَأَنْسَاهُ  الشَّيْطَانُ أَنْ يَجْعَلَ  رَبَّهُ ذَاكِرًا   لِيُوسُفَ  وَالذِّكْرُ هُوَ مَصْدَرٌ وَهُوَ اسْمٌ فَقَدْ يُضَافُ  مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمًا ; فَيَعُمُّ  هَذَا كُلَّهُ ; أَيْ  أَنْسَاهُ الذِّكْرَ الْمُتَعَلِّقَ بِرَبِّهِ وَالْمُضَافَ إلَيْهِ .  وَمِمَّا يُبَيِّنُ  أَنَّ الَّذِي  نَسِيَ  رَبَّهُ هُوَ الْفَتَى لَا   يُوسُفُ  قَوْلُهُ بَعْدَ  ذَلِكَ :   {  L1653  وَقَالَ الَّذِي  نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ   }  وَقَوْلُهُ :   {   وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ   }  دَلِيلٌ  عَلَى  أَنَّهُ  كَانَ قَدْ  نَسِيَ فَادَّكَرَ . فَإِنْ  قِيلَ : لَا رَيْبَ  أَنَّ   يُوسُفَ  سَمَّى السَّيِّدَ رَبًّا  فِي قَوْلِهِ :   {   اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ   }  و   {   ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ   }  وَنَحْوَ  ذَلِكَ .  وَهَذَا  كَانَ جَائِزًا  فِي شَرْعِهِ  كَمَا  جَازَ  فِي شَرْعِهِ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ  أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ  وَكَمَا  جَازَ  فِي شَرْعِهِ أَنْ يُؤْخَذَ السَّارِقُ عَبْدًا  وَإِنْ  كَانَ  هَذَا مَنْسُوخًا  فِي شَرْعِ   مُحَمَّدٍ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  .