مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ  وَفِي   قَوْلِ   يُوسُفَ  :   {  قَالَ  رَبِّ السِّجْنُ  أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ  وَإِلَّا تَصْرِفْ  عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ   }  عِبْرَتَانِ : " إحْدَاهُمَا " اخْتِيَارُ السَّجْنِ وَالْبَلَاءِ  عَلَى الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي .  و " الثَّانِيَةُ " طَلَبُ سُؤَالِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ أَنْ يُثَبِّتَ الْقَلْبَ  عَلَى دِينِهِ وَيَصْرِفَهُ إلَى طَاعَتِهِ  وَإِلَّا فَإِذَا لَمْ يُثَبِّتْ الْقَلْبَ صَبَا إلَى الْآمِرِينَ بِالذُّنُوبِ  وَصَارَ  مِنْ الْجَاهِلِينَ . فَفِي  هَذَا تَوَكُّلٌ  عَلَى اللَّهِ وَاسْتِعَانَةٌ  بِهِ أَنْ يُثَبِّتَ الْقَلْبَ  عَلَى  الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ  وَفِيهِ صَبْرٌ  عَلَى الْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ وَالْأَذَى الْحَاصِلِ إذَا  ثَبَتَ  عَلَى  الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ . وَهَذَا كَقَوْلِ  مُوسَى   عَلَيْهِ السَّلَامُ  لِقَوْمِهِ :   {   اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ  مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ   }  لَمَّا  قَالَ  فِرْعَوْنُ  :   {   سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي  نِسَاءَهُمْ  وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ   }   {  قَالَ  مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ  مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ   }  .  وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :   {   وَالَّذِينَ هَاجَرُوا  فِي اللَّهِ  مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ  فِي الدُّنْيَا  حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ  أَكْبَرُ لَوْ  كَانُوا يَعْلَمُونَ   }   {   الَّذِينَ صَبَرُوا  وَعَلَى  رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ   }  . وَمِنْهُ قَوْلُ   يُوسُفَ   عَلَيْهِ السَّلَامُ   {  فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ   }  وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ :   {  وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا   }  وَقَوْلِهِ :   {  وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا  فَإِنَّ  ذَلِكَ  مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ   }  وَقَوْلِهِ :   {   بَلَى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا  وَيَأْتُوكُمْ  مِنْ فَوْرِهِمْ  هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ  آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ   }  .  فَلَا  بُدَّ  مِنْ   التَّقْوَى بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَالصَّبْرِ  عَلَى الْمَقْدُورِ  كَمَا فَعَلَ   يُوسُفُ   عَلَيْهِ السَّلَامُ  اتَّقَى اللَّهَ بِالْعِفَّةِ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَصَبَرَ  عَلَى أَذَاهُمْ لَهُ  بِالْمُرَاوَدَةِ وَالْحَبْسِ وَاسْتَعَانَ اللَّهَ  وَدَعَاهُ حَتَّى يُثَبِّتَهُ  عَلَى الْعِفَّةِ فَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ وَصَبَرَ  عَلَى الْحَبْسِ . وَهَذَا  كَمَا  قَالَ تَعَالَى :   {   وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ  آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ  فِي اللَّهِ  جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ   }  وَكَمَا  قَالَ تَعَالَى :   {   وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ  عَلَى حَرْفٍ  فَإِنْ  أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ  بِهِ  وَإِنْ  أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ  عَلَى وَجْهِهِ  خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ  ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ   }   {   يَدْعُو  مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ  ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ   }   {   يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ  أَقْرَبُ  مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ   }  فَإِنَّهُ لَا  بُدَّ  مِنْ أَذًى لِكُلِّ مَنْ  كَانَ  فِي الدُّنْيَا  فَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ  عَلَى الْأَذَى  فِي طَاعَةِ اللَّهِ بَلْ اخْتَارَ الْمَعْصِيَةَ  كَانَ مَا يَحْصُلُ لَهُ  مِنْ الشَّرِّ  أَعْظَمَ مِمَّا  فَرَّ مِنْهُ بِكَثِيرِ . {   وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ  لِي وَلَا تَفْتِنِّي  أَلَا  فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا   }  . وَمَنْ   احْتَمَلَ الْهَوَانَ وَالْأَذَى  فِي طَاعَةِ اللَّهِ  عَلَى الْكَرَامَةِ وَالْعِزِّ  فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ  كَمَا فَعَلَ   يُوسُفُ   عَلَيْهِ السَّلَامُ  وَغَيْرُهُ  مِنْ  الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ  كَانَتْ الْعَاقِبَةُ لَهُ  فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَكَانَ مَا  حَصَلَ لَهُ  مِنْ الْأَذَى قَدْ انْقَلَبَ نَعِيمًا وَسُرُورًا  كَمَا  أَنَّ مَا يَحْصُلُ لِأَرْبَابِ الذُّنُوبِ  مِنْ التَّنَعُّمِ بِالذُّنُوبِ يَنْقَلِبُ حُزْنًا وَثُبُورًا .   فَيُوسُفُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  خَافَ اللَّهَ  مِنْ الذُّنُوبِ وَلَمْ  يَخَفْ  مِنْ أَذَى الْخَلْقِ وَحَبْسِهِمْ إذْ  أَطَاعَ اللَّهَ بَلْ  آثَرَ الْحَبْسَ وَالْأَذَى مَعَ الطَّاعَةِ  عَلَى الْكَرَامَةِ وَالْعِزِّ وَقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ  وَنَيْلِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ مَعَ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ وَافَقَ  امْرَأَةَ الْعَزِيزِ  نَالَ الشَّهْوَةَ وَأَكْرَمَتْهُ الْمَرْأَةُ بِالْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ وَزَوْجُهَا  فِي طَاعَتِهَا فَاخْتَارَ   يُوسُفُ  الذُّلَّ وَالْحَبْسَ وَتَرْكَ الشَّهْوَةِ وَالْخُرُوجَ عَنْ الْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ مَعَ الطَّاعَةِ  عَلَى الْعِزِّ وَالرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ وَقَضَاءِ الشَّهْوَةِ مَعَ الْمَعْصِيَةِ .  بَلْ قَدَّمَ الْخَوْفَ  مِنْ الْخَالِقِ  عَلَى الْخَوْفِ  مِنْ الْمَخْلُوقِ  وَإِنْ  آذَاهُ بِالْحَبْسِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّهَا كَذَبَتْ عَلَيْهِ ; فَزَعَمَتْ  أَنَّهُ رَاوَدَهَا  ثُمَّ حَبَسَتْهُ بَعْدَ  ذَلِكَ .  وَقَدْ  قِيلَ : إنَّهَا  قَالَتْ لِزَوْجِهَا إنَّهُ هَتَكَ عِرْضِي لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ رَاوَدَنِي  فَإِنَّ زَوْجَهَا قَدْ  عَرَفَ الْقِصَّةَ ; بَلْ كَذَبَتْ عَلَيْهِ كِذْبَةً تَرُوجُ  عَلَى زَوْجِهَا . وَهُوَ  أَنَّهُ قَدْ هَتَكَ عِرْضَهَا بِإِشَاعَةِ فَعَلَهَا  وَكَانَتْ كَاذِبَةً  عَلَى   يُوسُفَ  لَمْ يَذْكُرْ عَنْهَا شَيْئًا ; بَلْ كَذَبَتْ أَوَّلًا وَآخِرًا ; كَذَبَتْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ  طَلَبَ الْفَاحِشَةَ وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ  أَشَاعَهَا وَهِيَ الَّتِي طَالَبَتْ وَأَشَاعَتْ فَإِنَّهَا  قَالَتْ لِلنِّسْوَةِ : فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي  فِيهِ . وَلَقَدْ رَاوَدْته عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ .  فَهَذَا غَايَةُ الْإِشَاعَةِ لِفَاحِشَتِهَا لَمْ تَسْتُرْ نَفْسَهَا . وَالنِّسَاءُ أَعْظَمُ النَّاسِ إخْبَارًا بِمِثْلِ  ذَلِكَ  وَهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعْنَ قَوْلَهَا قَدْ  قُلْنَ  فِي  الْمَدِينَةِ  :   {   امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ  فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ   }  فَكَيْفَ إذَا اعْتَرَفَتْ  بِذَلِكَ وَطَلَبَتْ رَفْعَ الْمَلَامِ عَنْهَا ؟ . وَقَدْ  قِيلَ : إنَّهُنَّ  أَعَنَّهَا  فِي  الْمُرَاوَدَةِ وَعَذَلْنَهَا  عَلَى الِامْتِنَاعِ . وَيَدُلُّ  عَلَى  ذَلِكَ قَوْلُهُ : {  وَإِلَّا تَصْرِفْ  عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ   }  وَقَوْلُهُ :   {   ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ  رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ   }  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّ هُنَاكَ كَيْدًا مِنْهُنَّ وَقَدْ  قَالَ  لَهُنَّ الْمَلِكُ : {   مَا خَطْبُكُنَّ إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ  قُلْنَ  حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ  مِنْ سُوءٍ  قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ   }  فَهُنَّ لَمْ يُرَاوِدْنَهُ لِأَنْفُسِهِنَّ ; إذْ  كَانَ  ذَلِكَ غَيْرَ مُمْكِنٍ وَهُوَ عِنْدَ الْمَرْأَةِ  فِي بَيْتِهَا  وَتَحْتَ حِجْرِهَا ; لَكِنْ قَدْ  يَكُنَّ  أَعَنَّ الْمَرْأَةَ  عَلَى مَطْلُوبِهَا .  وَإِذَا  كَانَ  هَذَا  فِي فِعْلِ الْفَاحِشَةِ فَغَيْرُهَا  مِنْ الذُّنُوبِ أَعْظَمُ مِثْلَ الظُّلْمِ الْعَظِيمِ لِلْخَلْقِ كَقَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَمِثْلَ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَمِثْلَ الْقَوْلِ  عَلَى اللَّهِ  بِلَا عِلْمٍ .  قَالَ تَعَالَى : {   قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا  ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا  بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ  بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا  عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ   }  فَهَذِهِ أَجْنَاسُ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا تُبَاحُ بِحَالِ وَلَا  فِي شَرِيعَةٍ وَمَا سِوَاهَا -  وَإِنْ حَرُمَ  فِي  حَالٍ - فَقَدْ يُبَاحُ  فِي  حَالٍ . فَصْلٌ وَاخْتِيَارُ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَهُ وَلِأَهْلِهِ الِاحْتِبَاسَ  فِي شِعْبِ   بَنِي هَاشِمٍ  بِضْعَ سِنِينَ لَا يُبَايِعُونَ وَلَا  يُشَارُونَ ; وَصِبْيَانُهُمْ يَتَضَاغَوْنَ  مِنْ  الْجُوعِ قَدْ هَجَرَهُمْ  وَقَلَاهُمْ قَوْمُهُمْ وَغَيْرُ قَوْمِهِمْ .  هَذَا أَكْمَلُ  مِنْ  حَالِ   يُوسُفَ   عَلَيْهِ السَّلَامُ  .  فَإِنَّ هَؤُلَاءِ  كَانُوا يَدْعُونَ الرَّسُولَ إلَى الشِّرْكِ وَأَنْ يَقُولَ  عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ . يَقُولُ : مَا  أَرْسَلَنِي وَلَا  نَهَى عَنْ الشِّرْكِ . وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى : {  وَإِنْ  كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ  لِتَفْتَرِيَ  عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا  لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا   }   {   وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ  كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا   }   {   إذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ  ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ  عَلَيْنَا نَصِيرًا   }   {  وَإِنْ  كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إلَّا قَلِيلًا   }   {   سُنَّةَ مَنْ قَدْ  أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ  مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا   }  .  وَكَانَ كَذِبُ هَؤُلَاءِ  عَلَى النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ  مِنْ الْكَذِبِ  عَلَى   يُوسُفَ  ; فَإِنَّهُمْ  قَالُوا : إنَّهُ سَاحِرٌ وَإِنَّهُ كَاهِنٌ وَإِنَّهُ مَجْنُونٌ وَإِنَّهُ مُفْتَرٍ . وَكُلُّ  وَاحِدَةٍ  مِنْ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ  مِنْ الزِّنَا وَالْقَذْفِ ; لَا سِيَّمَا الزِّنَا الْمَسْتُورُ الَّذِي لَا يَدْرِي  بِهِ أَحَدٌ .  فَإِنَّ   يُوسُفَ  كَذَبَ عَلَيْهِ  فِي  أَنَّهُ زَنَى  وَأَنَّهُ  قَذَفَهَا وَأَشَاعَ عَنْهَا الْفَاحِشَةَ ;  فَكَانَ الْكَذِبُ  عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَعْظَمَ  مِنْ الْكَذِبِ  عَلَى   يُوسُفَ  .  وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ  عَلَى  أُولِي الْعَزْمِ مِثْلَ   نُوحٍ  وَمُوسَى  حَيْثُ  يُقَالُ عَنْ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ : إنَّهُ مَجْنُونٌ وَإِنَّهُ كَذَّابٌ يَكْذِبُ  عَلَى اللَّهِ وَمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَصْحَابُهُ  مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ أَعْظَمُ  مِنْ مُجَرَّدِ الْحَبْسِ  فَإِنَّ   يُوسُفَ  حُبِسَ وَسُكِتَ عَنْهُ وَالنَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَصْحَابُهُ  كَانُوا يُؤْذَوْنَ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مَعَ مَنْعِهِمْ  مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ  الْمُعْتَادَةِ . وَهَذَا مَعْنَى الْحَبْسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالْحَبْسِ  سُكْنَاهُ  فِي السِّجْنِ بَلْ الْمُرَادُ مَنْعُهُ  مِنْ التَّصَرُّفِ  الْمُعْتَادِ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسٌ وَلَا  لِأَبِي بَكْرٍ  ; بَلْ أَوَّلُ مَنْ  اتَّخَذَ السِّجْنَ  عُمَرُ  وَكَانَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   يُسَلِّمُ الْغَرِيمَ إلَى غَرِيمِهِ وَيَقُولُ : مَا فَعَلَ  أَسِيرُك   }  فَيَجْعَلُهُ  أَسِيرًا مَعَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ  حَقَّهُ  وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ  مِنْ الْحَبْسِ .   وَالصَّحَابَةُ  -   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ  - مَنَعُوهُمْ  مِنْ التَّصَرُّفِ   بِمَكَّةَ  أَذًى  لَهُمْ حَتَّى  خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى  أَرْضِ الْحَبَشَةِ  فَاخْتَارُوا السُّكْنَى بَيْنَ أُولَئِكَ   النَّصَارَى  عِنْدَ مَلِكٍ عَادِلٍ  عَلَى السُّكْنَى بَيْنَ قَوْمِهِمْ وَالْبَاقُونَ  أُخْرِجُوا  مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَيْضًا مَعَ مَا آذُوهُمْ  بِهِ حَتَّى قَتَلُوا بَعْضَهُمْ  وَكَانُوا يَضْرِبُونَ بَعْضَهُمْ وَيَمْنَعُونَ بَعْضَهُمْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَضَعُونَ الصَّخْرَةَ  عَلَى بَطْنِ أَحَدِهِمْ  فِي رَمْضَاءِ   مَكَّةَ  إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى .  وَكَذَلِكَ  الْمُؤْمِنُ  مِنْ أُمَّةِ   مُحَمَّدٍ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يَخْتَارُ الْأَذَى  فِي طَاعَةِ اللَّهِ  عَلَى الْإِكْرَامِ مَعَ مَعْصِيَتِهِ  كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ  اخْتَارَ الْقَيْدَ وَالْحَبْسَ وَالضَّرْبَ  عَلَى  مُوَافَقَةِ  السُّلْطَانِ وَجُنْدِهِ  عَلَى أَنْ يَقُولَ  عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ  فِي  كَلَامِهِ  وَعَلَى أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ  كَانُوا  يَأْتُونَ بِكَلَامِ يَعْرِفُ  أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِكَلَامِ مُجْمَلٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ ; فَيَقُولُ  لَهُمْ  الْإِمَامُ  أَحْمَد  : مَا  أَدْرِي مَا  هَذَا ؟ فَلَمْ يُوَافِقْهُمْ  عَلَى أَنْ يَقُولَ  عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ . وَلَا  عَلَى أَنْ يَقُولَ  عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ .