تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ الشَّيْخُ : عَنْ جَمَاعَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى أُمُورٍ مُتَنَوِّعَةٍ فِي الْفَسَادِ وَتَعَلَّقَ كُلٍّ مِنْهُمْ بِسَبَبِ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ يُونُسَ الْقَتَّاتَ يُخَلِّصُ أَتْبَاعَهُ وَمُرِيدِيهِ مِنْ سُوءِ الْحِسَابِ وَأَلِيمِ الْعِقَابِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا الْحَرِيرِيَّ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْحَالِ مَا إنَّهُ إذَا خَلَا بِالنِّسَاءِ والمردان يَصِيرُ فَرْجُهُ فَرْجَ امْرَأَةٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الظُّهُورِ فِي وَقْتٍ فَيَعْلُو دِينُهُ وَشَرِيعَتُهُ ; وَأَنَّ مِنْ شَرِيعَتِهِ السَّوْدَاءِ تَحْرِيمَ النِّسَاءِ وَتَحْلِيلَ الْفَاحِشَةِ اللُّوطِيَّةِ وَتَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا ; كَالتِّينِ وَاللَّوْزِ وَاللَّيْمُونِ . وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ : مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُصَلِّي فَتَرَكَ الصَّلَاةَ وَيَجْتَمِعُ بِهِ نَفَرٌ مَخْصُوصُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَيَّامِ إلَخْ .
1
فَأَجَابَ : أَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ إنَّ يُونُسَ الْقَتَّاتِيَّ يُخَلِّصُ أَتْبَاعَهُ وَمُرِيدِيهِ مِنْ سُوءِ الْحِسَابِ وَأَلِيمِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فَيُقَالُ جَوَابًا عَامًّا : مَنْ ادَّعَى أَنَّ شَيْخًا مِنْ الْمَشَايِخِ يُخَلِّصُ مُرِيدِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْعَذَابِ : فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ شَيْخَهُ أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا سَلُونِي مَا شِئْتُمْ مِنْ مَالِي } وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ : لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ . } وَذُكِرَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ . فَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ; مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا - فَكَيْفَ يُقَالُ : فِي شَيْخٍ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } { ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وَقَالَ : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ . وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا الشَّفَاعَةُ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ آدَمَ لِيَشْفَعَ فَيَقُولُ : نَفْسِي نَفْسِي وَكَذَلِكَ يَقُولُ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى - وَهَؤُلَاءِ هُمْ أُولُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ - وَهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى : اذْهَبُوا إلَى مُحَمَّدٍ ; عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي خَرَرْت لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ : أَيْ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعُ وَاسْأَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعُ ; فَيَحِدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ } وَذُكِرَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ . فَهَذَا خَيْرُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ إذَا رَأَى رَبَّهُ لَا يَشْفَعُ حَتَّى يَسْجُدَ لَهُ وَيَحْمَدَهُ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ ; فَيَحِدُّ لَهُ حَدًّا يُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ . وَهَذَا تَصْدِيقُ قَوْله تَعَالَى { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } ؟ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : أَنَّهُ تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ ; لَكِنْ بِإِذْنِهِ فِي أُمُورٍ مَحْدُودَةٍ لَيْسَ الْأَمْرُ إلَى اخْتِيَارِ الشَّافِعِ . فَهَذَا فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْفَعُ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : إنَّ مُحَمَّدًا يُخَلِّصُ كُلَّ مُرِيدِيهِ مِنْ النَّارِ : لَكَانَ كَاذِبًا بَلْ فِي أُمَّتِهِ خَلْقٌ يَدْخُلُونَ النَّارَ ثُمَّ يَشْفَعُ فِيهِمْ ; وَأَمَّا الشُّيُوخُ فَلَيْسَ لَهُمْ شَفَاعَةٌ كَشَفَاعَتِهِ وَالرَّجُلُ الصَّالِحُ قَدْ يُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِيمَنْ يَشَاءُ وَلَا شَفَاعَةَ إلَّا فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ . وَأَمَّا الْمُنْتَسِبُونَ إلَى الشَّيْخِ يُونُسَ : فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; بَلْ لَهُمْ مِنْ الْكَلَامِ فِي سَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ : مَا يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَهُمْ . وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ عَامَّتِهِمْ - لَا يَعْرِفُ أَسْرَارَهُمْ وَحَقَائِقَهُمْ - فَهَذَا يَكُونُ مَعَهُ إسْلَامُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ لَا مِنْهُمْ ; فَإِنَّ خَوَاصّهمْ مِثْلُ الشَّيْخِ سلول وجهلان والصهباني وَغَيْرِهِمْ : فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يُوجِبُونَ الصَّلَاةَ ; بَلْ وَلَا يَشْهَدُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ . وَفِي أَشْعَارِهِمْ - كَشِعْرِ الكوجلي وَغَيْرِهِ - مِنْ سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبِّ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ : مَا لَا يَرْضَى بِهِ لَا الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ لِيُونُسَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هُوَ مَكْذُوبٌ عَلَى يُونُسَ لَكِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الْمُشَاهَدِ أَنَّهُمْ يَنْشُدُونَ الْكُفْرَ وَيَتَوَاجَدُونَ عَلَيْهِ وَيَبُولُ أَحَدُهُمْ فِي الطَّعَامِ وَيَقُولُ يَشْرَحُ كَبِدِي يُونُسَ أَوْ مَاءِ وَرْدِ يُونُسَ وَيَسْتَحِلُّونَ الطَّعَامَ الَّذِي فِيهِ الْبَوْلُ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ بَرَكَةً . وَأَمَّا كفرياتهم : مِثْلُ قَوْلِهِمْ وَأَنَا حَمَيْت الْحِمَى وَأَنَا سَكَنْت فِيهِ وَأَنَا تَرَكْت الْخَلَائِقَ فِي مَجَارِي التِّيهِ مُوسَى عَلَى الطُّورِ لَمَّا خَرَّ لِي نَاجَا وَصَاحِبُ أَقْرَبِ أَنَا جَنَّبُوهُ حَتَّى جا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرَى الْخَلَائِقَ أَفْوَاجًا إلَى [ نَبِيِّهِ ] عِيسَى يَقْضِي لَهُمْ حَاجَا . وَيَقُولُونَ : تَعَالَوْا نُخَرِّبُ الْجَامِعَ وَنَجْعَلُ مِنْهُ جماره وَنَكْسِرُ خَشَبَ الْمِنْبَرِ وَنَعْمَلُ مِنْهُ زناره وَنُحَرِّقُ وَرَقًا وَنَعْمَلُ مِنْهُ طنباره نَنْتِفُ لِحْيَةَ الْقَاضِي وَنَعْمَلُ مِنْهُ أوتاره . أَنَا حَمَلْت عَلَى الْعَرْشِ حَتَّى صج وَأَنَا صَرَخْت فِي مُحَمَّدٍ حَتَّى هَجَّ وَأَنَّ الْبِحَارَ السَّبْعَةَ مِنْ هَيْبَتِي تَرْتَجُّ . وَأُمُورٌ أُخَرُ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ ; لِمَا فِيهَا مِنْ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ لِلَّهِ وَلَدًا . وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ إنَّ مِنْ الشُّيُوخِ مَنْ كَانَ يَتَحَوَّلُ فَرْجُهُ فَرْجَ امْرَأَةٍ : فَكَذِبٌ مُخْتَلَقٌ ; بَلْ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ مَا يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ وَأَصْحَابَهُ يَنْقُلُونَ عَنْهُ كفريات سَطَّرُوهَا عَنْهُ كَقَوْلِهِ : لَوْ قَتَلْت سَبْعِينَ نَبِيًّا مَا كُنْت مُخْطِئًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَتْلَ نَبِيٍّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ } . وَإِذَا قِيلَ : هَذَا قَالَهُ مُشَاهَدَةً لِلْحَقِيقَةِ الْقَدَرِيَّةِ الْكَوْنِيَّةِ . أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَانَ الْعُذْرُ أَقْبَحَ مِنْ الذَّنْبِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً : لَمْ يَكُنْ عَلَى إبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ مَلَامٌ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا الْمُحْتَجُّ بِالْقَدَرِ لَوْ تَعَدَّى عَلَيْهِ أَحَدٌ لَقَاتَلَهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ . فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً : فَهُوَ حُجَّةٌ يَفْعَلُ بِهِ مَا يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يُؤْذِ آدَمِيًّا فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ يَكْفُرُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ؟ . وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا حَجَّ مُوسَى لِأَنَّ مُوسَى لَامَهُ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْمُصِيبَةِ لَمْ يَلُمْهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الذَّنْبِ فَإِنَّ آدَمَ تَابَ وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ بَلْ قَالَ لَهُ : بِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى . وَكَذَا يُؤْمَرُ كُلُّ مَنْ أَصَابَهُ مُصِيبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَ لِقَدَرِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } . قَالَ عَلْقَمَةُ : هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ ; فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ . وَأَمَّا الذُّنُوبُ : فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ لَا يَفْعَلَهَا ; فَإِنْ فَعَلَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا فَمَنْ تَابَ وَنَدِمَ أَشْبَهَ أَبَاهُ آدَمَ وَمَنْ أَصَرَّ وَاحْتَجَّ أَشْبَهَ عَدُوَّهُ إبْلِيسَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } فَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَصَائِبِ وَيَسْتَغْفِرَ مِنْ الذُّنُوبِ والمعائب . فَصْلٌ وَأَمَّا الَّذِي يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَأَنَّهُ يُبِيحُ الْفَاحِشَةَ اللُّوطِيَّةَ وَيُحَرِّمُ النِّكَاحَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ : فَهَذَا أَمْرٌ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ مِنْ الْكَافِرِينَ وَأَخْبَثِ الْمُرْتَدِّينَ وَقَتْلُ هَذَا وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ إمَّا أَنْ يُخَاطَبَ بِالْحُجَّةِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ وَيَهْدِيَهُ ; وَإِمَّا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيُقْتَلُ . فَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ هَذَا وَهَذَا فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ; لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَعْرُوفَ وَيُحِبَّهُ وَيُنْكِرَ الْمُنْكَرَ وَيَبْغُضَهُ وَيَفْعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ - مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ - كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .