تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ : عَنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا عَلَى أُمُورٍ مُتَنَوِّعَةٍ فِي الْفَسَادِ ; وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ بِالتَّوَاتُرِ ; إذْ التَّوَاتُرُ نَقْلُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَنْ الْجَمِّ الْغَفِيرِ ؟
1
فَأَجَابَ : أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ تَوَاتُرَ حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيُقَالُ لَهُ : التَّوَاتُرُ نَوْعَانِ : تَوَاتُرٌ عَنْ الْعَامَّةِ ; وَتَوَاتُرٌ عَنْ الْخَاصَّةِ وَهُمْ أَهْلُ عِلْمِ الْحَدِيثِ . وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ : مَا تَوَاتَرَ لَفْظُهُ ; وَمَا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ . فَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالرُّؤْيَةِ وَفَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهِيَ مُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ لَفْظٌ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ مُعْجِزَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَارِجَةُ عَنْ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرَةٌ أَيْضًا وَكَذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ مُتَوَاتِرٌ أَيْضًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَعُلَمَاءُ الْحَدِيثِ يَتَوَاتَرُ [ عِنْدَهُمْ ] مَا لَا يَتَوَاتَرُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ ; لِكَوْنِهِمْ سَمِعُوا مَا لَمْ يَسْمَعْ غَيْرُهُمْ وَعَلِمُوا مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ غَيْرُهُمْ وَالتَّوَاتُرُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ ; بَلْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَدَدًا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ كُلُّ مُخْبِرٍ وَنَفَوْا ذَلِكَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ وَتَوَقَّفُوا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَهَذَا غَلَطٌ فَالْعِلْمُ يَحْصُلُ تَارَةً بِالْكَثْرَةِ ; وَتَارَةً بِصِفَاتِ الْمُخْبِرِينَ ; وَتَارَةً بِقَرَائِنَ تَقْتَرِنُ بِأَخْبَارِهِمْ وَبِأُمُورِ أُخَرَ . وَأَيْضًا فَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَاحِدُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالِاثْنَانِ : إذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ أَفَادَ الْعَلَمَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي هَذَا : الْمُسْتَفِيضَ . وَالْعِلْمُ هُنَا حَصَلَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ ; فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ عَلَى خَطَإِ ; وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الطَّوَائِفِ : مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ .