تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَصْلٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ - وَرُوِيَ - وَخَوَاتِمَهُ - وَرُوِيَ وَفَوَاتِحَهُ وَخَوَاتِمَهُ } وَقَالَ فِي حَدِيثٍ : { أُعْطِيَ نَبِيُّكُمْ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَفَوَاتِحَهُ وَخَوَاتِمَهُ } . وَهَذَا حَدِيثٌ شَرِيفٌ جَامِعٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلِمَ نَوْعَانِ : إنْشَائِيَّةٌ فِيهَا الطَّلَبُ وَالْإِرَادَةُ وَالْعَمَلُ . وَإِخْبَارِيَّةٌ فِيهَا الِاعْتِقَادُ وَالْعِلْمُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ وَالطَّلَبُ فِيهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ وَلَهُ أُصُولٌ مُحِيطَةٌ . وَهِيَ نَوْعَانِ : كُلِّيَّةٌ جَامِعَةٌ عَامَّةٌ وَأَوَّلِيَّةٌ عَلِيَّةٌ فَالْعُلُومُ الْكُلِّيَّةُ وَالْأَوَّلِيَّةُ وَالْإِرَادَاتُ وَالتَّدَابِيرُ وَالْأَوَامِرُ الْكُلِّيَّةُ وَالْأَوَّلِيَّةُ هِيَ جِمَاعُ أَمْرِ الْوُجُودِ كُلِّهِ . وَالْخَبَرُ الْمَطْلُوبُ كُلُّهُ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ وَالْحَقُّ الْمَقْصُودُ ; وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَغَيْرِهِمَا نَوْعَيْنِ : قِيَاسُ شُمُولٍ وَقِيَاسُ تَعْلِيلٍ . فَإِنَّ قِيَاسَ التَّمْثِيلِ مُنْدَرِجٌ فِي أَحَدِهِمَا ; لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْن الْمَثَلَيْنِ إنْ كَانَ هُوَ مَحَلَّ الْحُكْمِ فَهُوَ قِيَاسُ شُمُولٍ وَإِنْ كَانَ مَنَاطَ الْحُكْمِ فَهُوَ قِيَاسُ تَعْلِيلٍ . وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلُومَ وَالْإِرَادَاتِ وَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلِمَةِ الْخَبَرِيَّةِ وَالطَّلَبِيَّةِ إذَا كَانَتْ عَامَّةً جَامِعَةً كُلِّيَّةً فَقَدْ دَخَلَ فِيهَا كُلُّ مَطْلُوبٍ فَلَمْ يَبْقَ مِمَّا يَطْلُبُ عِلْمَهُ شَيْءٌ وَكُلُّ مَقْصُودٍ مِنْ الْخَبَرِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِمَّا يَطْلُبُ قَصْدَهُ شَيْءٌ ثُمَّ ذَلِكَ عِلْمٌ وَإِرَادَةٌ لِنَفْسِهَا وَذَاتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُفْرَدَةً أَوْ مُرَكَّبَةً . ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا عِلَّتَانِ : إحْدَاهُمَا السَّبَبُ وَهِيَ الْعِلَّةُ الْفَاعِلَةُ وَالثَّانِي الْحِكْمَةُ : وَهِيَ الْعِلَّةُ الغائية . فَذَلِكَ هُوَ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ لِلْأُمُورِ الْأَوَّلِيَّةِ . فَإِنَّ السَّبَبَ وَالْفَاعِلَ أَدَلُّ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ . وَالْحِكْمَةُ وَالْغَايَةُ أَدَلُّ فِي الْوُجُودِ الْعِلْمِيِّ الْإِرَادِيِّ ; وَلِهَذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الغائية عِلَّةً فَاعِلِيَّةً لِلْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ . وَكَانَتْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةَ الْعِلَلِ لِتَقَدُّمِهَا عِلْمًا وَقَصْدًا وَأَنَّهَا قَدْ تَسْتَغْنِي عَنْ الْمَعْلُولِ وَالْمَعْلُولُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَأَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ فَاعِلًا إلَّا بِهَا وَأَنَّهَا هِيَ كَمَالُ الْوُجُودِ وَتَمَامُهُ ; وَلِهَذَا قُدِّمَتْ فِي قَوْلِهِ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . فَإِذَا كَانَتْ الْحِكَمُ الْمُظْهِرَةُ لِلْعَلَمِ وَالطَّلَبِ فِيهَا الْفَوَاتِحُ وَفِيهَا الْخَوَاتِمُ جَمَعَتْ نَوْعَيْ الْعِلَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ . وَإِذَا كَانَتْ جَامِعَةً كَانَتْ عِلَّةً عَامَّةً .