تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ : فَصْلٌ قَدْ كَتَبْت فِي كُرَّاسٍ قَبْلَ هَذَا : أَنَّ الْحَسَنَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : عَقْلِيَّةٌ : وَهُوَ مَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ ; مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ . وملي : وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْمِلَلِ كَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَشَرْعِيٌّ : وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ شَرْعُ الْإِسْلَامِ مَثَلًا وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاجِبَةٌ ; فَالشَّرْعِيُّ بِاعْتِبَارِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْرُوعَةِ وَبِاعْتِبَارِ يَخْتَصُّ بِالْقَدْرِ الْمُمَيَّزِ . وَهَكَذَا الْعُلُومُ وَالْأَقْوَالُ عَقْلِيٌّ وملي وَشَرْعِيٌّ ; فَالْعَقْلُ الْمَحْضُ مِثْلَ مَا يَنْظُرُ فِيهِ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ عُمُومِ الْمَنْطِقِ وَالطَّبِيعِيِّ وَالْإِلَهِيِّ ; وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ الْمُشْرِكُ وَالْمُؤْمِنُ والملي مِثْلَ مَا يَنْظُرُ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّاتِ وَالشَّرَائِعِ . فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَكِنَّهُمْ فِي رَسَائِلِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ لَا يَلْتَزِمُونَ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَفِيهِمْ السُّنِّيُّ وَالْبِدْعِيُّ وَيَجْتَمِعُونَ هُمْ وَالْفَلَاسِفَةُ فِي النَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ مِنْ الْعِلْمِ وَالدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ وَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَالْمَعْلُومَاتِ لَكِنَّهُمْ أَخَصُّ بِالنَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَأَبْسَطُ عِلْمًا وَلِسَانًا فِيهِ ; وَإِنْ شَرَكَهُمْ الْفَلَاسِفَةُ فِي بَعْضِهِ كَمَا أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ أَخَصُّ بِالنَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ ; وَإِنْ شَرَكَهُمْ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي بَعْضِهِ . وَالشَّرْعِيُّ مَا يَنْظُرُ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . ثُمَّ هُمْ إمَّا قَائِمُونَ بِظَاهِرِ أَسْرَعَ فَقَطْ كَعُمُومِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ فِي الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَادِ الظَّاهِرِينَ فِي الْعِبَادَةِ . وَإِمَّا عَالِمُونَ بِمَعَانِي ذَلِكَ وَعَارِفُونَ بِهِ فَهُمْ فِي الْعُلُومِ كَالْعَارِفِينَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ . فَهَؤُلَاءِ هُمْ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْمَحْضَةِ وَهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ وَأَقْوَمُهُمْ طَرِيقَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَيَدْخُلُ فِي الْعِبَادَاتِ السَّمَاعُ فَإِنَّهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : سَمَاعٌ عَقْلِيٌّ وملي . وَشَرْعِيٌّ . فَالْأَوَّلُ مَا فِيهِ تَحْرِيكُ مَحَبَّةٍ أَوْ مَخَافَةٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ رَجَاءٍ مُطْلَقًا . وَالثَّانِي مَا فِي غَيْرِهِمْ كَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَخَافَتِهِ وَرَجَائِهِ وَخَشْيَتِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَالثَّالِثُ السَّمَاعُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ سَمَاعُ الْقُرْآنِ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ . وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ أُصُولُهَا صَحِيحَةٌ دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا } الْآيَةَ . فَاَلَّذِينَ آمَنُوا هُمْ أَهْلُ شَرِيعَةِ الْقُرْآنِ ؟ وَهُوَ الدِّينُ الشَّرْعِيُّ بِمَا فِيهِ مِنْ الملي وَالْعَقْلِيِّ . وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى أَهْلُ دِينٍ ملي بِشَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِمَا فِيهِ مِنْ ملي وَعَقْلِيٍّ وَالصَّابِئُونَ أَهْلُ الدِّينِ الْعَقْلِيِّ بِمَا فِيهِ مِنْ ملي أَوْ ملي وَشَرْعِيَّاتٍ .