تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَشْرَحَ مَا ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ حَمْدَان فِي آخِرِ " كِتَابِ الرِّعَايَةِ " وَهُوَ قَوْلُهُ : ( مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرُ عَلَيْهِ مُخَالَفَتَهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ أَوْ عُذْرٍ آخَرَ وَيُبَيِّنُ لَنَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا مِنْ كَوْنِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ يُذْكَرُ فِيهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُقْنِعِ " وَ " الرِّعَايَةِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْهِدَايَةِ " رِوَايَتَانِ أَوْ وَجْهَانِ ; وَلَمْ يُذْكَرْ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ فَلَا نَدْرِي بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ ؟ وَإِنْ سَأَلُونَا عَنْهُ أَشْكَلَ عَلَيْنَا ؟ .
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَمَّا هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا رِوَايَتَانِ أَوْ وَجْهَانِ وَلَا يُذْكَرُ فِيهَا الصَّحِيحُ : فَطَالِبُ الْعِلْمِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبٍ أُخْرَى ; مِثْلَ كِتَابِ " التَّعْلِيقِ " لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَ " الِانْتِصَارِ " لِأَبِي الْخَطَّابِ وَ " عُمَدِ الْأَدِلَّةِ " لِابْنِ عَقِيلٍ . وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ البرزيني وَأَبِي الْحَسَنِ ابْنِ الزاغوني وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ الْكِبَارِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا مَسَائِلُ الْخِلَافِ وَيُذْكَرُ فِيهَا الرَّاجِحُ . وَقَدْ اخْتَصَرْت رُءُوسَ مَسَائِلِ هَذِهِ الْكُتُبِ فِي كُتُبٍ مُخْتَصَرَةٍ مِثْلَ " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ " لِلْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْبَرَكَاتِ صَاحِبِ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد : أَنَّهُ مَا رَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ . وَمِمَّا يُعْرَفُ مِنْهُ ذَلِكَ كِتَابُ " الْمُغْنِي " لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَكِتَابُ " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " لِجَدِّنَا أَبِي الْبَرَكَاتِ وَقَدْ شَرَحَ " الْهِدَايَةَ " غَيْرُ وَاحِدٍ كَأَبِي حَلِيمٍ النهرواني وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تيمية صَاحِبِ " التَّفْسِيرِ " الْخَطِيبِ عَمِّ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَبِي الْمَعَالِي ابْنِ المنجا وَأَبِي الْبَقَاءِ النَّحْوِيِّ لَكِنْ لَمْ يُكْمِلْ ذَلِكَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا يُصَحِّحُونَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ رِوَايَةً وَيُصَحِّحُ آخَرُ رِوَايَةً فَمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ نَقَلَهُ وَمَنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ قَوْلُ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِ آخَرَ اتَّبَعَ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ وَمَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ نَقْلَ مَذْهَبِ أَحْمَد نَقَلَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ كَمَا يَنْقُلُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ ; فَإِنَّهُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَاخْتِلَافِ أَصْحَابِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ مَذْهَبِهِمْ وَمَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ شَرْعًا : مَا هُوَ مَعْرُوفٌ . وَمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِأُصُولِ أَحْمَد وَنُصُوصِهِ عَرَفَ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِهِ فِي عَامَّةِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَصَرٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَرَفَ الرَّاجِحَ فِي الشَّرْعِ ; وَأَحْمَد كَانَ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ ; وَلِهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ قَوْلٌ يُخَالِفُ نَصًّا كَمَا يُوجَدُ لِغَيْرِهِ وَلَا يُوجَدُ لَهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْغَالِبِ إلَّا وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَقْوَى وَأَكْثَرُ مفاريده الَّتِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا مَذْهَبُهُ يَكُونُ قَوْلُهُ فِيهَا رَاجِحًا كَقَوْلِهِ بِجَوَازِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَى التَّمَتُّعِ وَقَبُولِهِ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَقَوْلِهِ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ حَتَّى تَتُوبَ وَقَوْلِهِ بِجَوَازِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَقَوْلِهِ بِأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُتَيَمِّمِ أَنْ يَمْسَحَ الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ . وَقَوْلِهِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّهَا تَارَةً تَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ وَتَارَةً تَرْجِعُ إلَى التَّمْيِيزِ ; وَتَارَةً تَرْجِعُ إلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ ; فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ثَلَاثُ سُنَنٍ ; عَمِلَ بِالثَّلَاثَةِ أَحْمَد دُونَ غَيْرِهِ . وَقَوْلِهِ بِجَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَى الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَاَلَّتِي فِيهَا شَجَرٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَجَوَازُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا هُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَنَظِيرُ هَذَا كَثِيرٌ . وَأَمَّا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ مُفْرَدَةً لِكَوْنِهِ انْفَرَدَ بِهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِيهَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَحْمَد أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ وَهِيَ الَّتِي صَنَّفَ لَهَا الهراسي رَدًّا عَلَيْهَا وَانْتَصَرَ لَهَا جَمَاعَةٌ كَابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ الْمُثَنَّى : فَهَذِهِ غَالِبُهَا يَكُونُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَد أَرْجَحَ مِنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ وَمَا يَتَرَجَّحُ فِيهَا الْقَوْلُ الْآخَرُ يَكُونُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَد وَهَذَا : كَإِبْطَالِ الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ الْحِيَلُ الْمُبِيحَةُ لِلرِّبَا وَالْفَوَاحِشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ فِي الْعُقُودِ وَالرُّجُوعِ فِي الْأَيْمَانِ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا مَعَ نِيَّةِ الْحَالِفِ ; وَكَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِ الْجِنَايَاتِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يُقِيمُونَهَا كَمَا كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الشَّارِبِ بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَاعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الشُّرُوطِ وَجَعْلِ الشَّرْطِ الْعُرْفِيِّ كَالشَّرْطِ اللَّفْظِيِّ وَالِاكْتِفَاءِ فِي الْعُقُودِ الْمُطْلَقَةِ بِمَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ وَأَنَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا عَدُّوهُ إجَارَةً فَهُوَ إجَارَةٌ وَمَا عَدُّوهُ هِبَةً فَهُوَ هِبَةٌ وَمَا عَدُّوهُ وَقْفًا فَهُوَ وَقْفٌ لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ .