وَسُئِلَ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ النَّوْمُ جَالِسًا أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ جَالِسًا مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ فَنَعَسَ وَانْفَلَتَتْ حَبْوَتُهُ وَسَقَطْت يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ وَمَالَ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ جَنْبُهُ إلَى الْأَرْضِ : هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَمَّا النَّوْمُ الْيَسِيرُ مِنْ الْمُتَمَكِّنِ بِمَقْعَدَتِهِ فَهَذَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ النَّوْمَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِحَدَثِ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ : { الْعَيْنُ وِكَاءُ السه فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ } وَفِي رِوَايَةٍ : { فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ } . وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّ النَّبِيَّ { كَانَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ } لِأَنَّهُ كَانَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ فَكَانَ يَقْظَانَ . فَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَشَعَرَ بِهِ . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثِ فِي نَفْسِهِ ; إذْ لَوْ كَانَ حَدَثًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْدَاثِ . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : أَنَّ النَّبِيَّ { كَانَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ يَخْفُقُونَ بِرُءُوسِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ } . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ جِنْسَ النَّوْمِ لَيْسَ بِنَاقِضِ ; إذْ لَوْ كَانَ نَاقِضًا لَانْتَقَضَ بِهَذَا النَّوْمِ الَّذِي تَخْفُقُ فِيهِ رُءُوسُهُمْ . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا لِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قِيلَ : يَنْقُضُ مَا سِوَى نَوْمِ الْقَاعِدِ مُطْلَقًا . كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ . وَقِيلَ : لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَيَنْقُضُ نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ ; لِأَنَّ الْقَائِمَ وَالْقَاعِدَ لَا يَنْفَرِجُ فِيهِمَا مَخْرَجُ الْحَدَثِ كَمَا يَنْفَرِجُ مِنْ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ . وَقِيلَ : لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِخِلَافِ الْمُضْطَجِعِ وَغَيْرِهِ . كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ . لَكِنَّ مَذْهَبَ أَحْمَد التَّقْيِيدُ بِالنَّوْمِ الْيَسِيرِ . وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ : حَدِيثٌ فِي السُّنَنِ : { لَيْسَ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا لَكِنْ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا } فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ فَيَخْرُجُ الْحَدَثُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ مُتَمَاسِكَةٌ غَيْرُ مُسْتَرْخِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي خُرُوجَ الْخَارِجِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ يَسِيرًا فِي الْعَادَةِ ; إذْ لَوْ اسْتَثْقَلَ لَسَقَطَ . وَالْقَاعِدُ إذَا سَقَطَتْ يَدَاهُ إلَى الْأَرْضِ فِيهِ قَوْلَانِ . وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ الْمُتَوَضِّئُ : هَلْ نَوْمُهُ مِمَّا يَنْقُضُ أَوْ لَيْسَ مِمَّا يَنْقُضُ ؟ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ ; لِأَنَّ الطَّهَارَةَ ثَابِتَةٌ بِيَقِينِ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .