مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ  وَأَمَّا   اتِّحَادُ ذَاتِ الْعَبْدِ بِذَاتِ الرَّبِّ  بَلْ اتِّحَادُ ذَاتِ عَبْدٍ بِذَاتِ عَبْدٍ أَوْ حُلُولُ حَقِيقَةٍ  فِي حَقِيقَةٍ كَحُلُولِ الْمَاءِ  فِي الْوِعَاءِ :  فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ  ذَلِكَ بَاطِلٌ  فِي الْعَبْدِ مَعَ الْعَبْدِ ; فَإِنَّهُ لَا  تَتَّحِدُ ذَاتُهُ بِذَاتِهِ وَلَا تَحِلُّ ذَاتُ أَحَدِهِمَا  فِي ذَاتِ الْآخَرِ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَتْ  فِيهِ   الِاتِّحَادِيَّةُ   وَالْحُلُولِيَّةُ  ;  مِنْ   النَّصَارَى  وَغَيْرِهِمْ ;  مِنْ  غَالِيَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ اتِّحَادٌ مُتَجَدِّدٌ بَيْنَ ذَاتَيْنِ  كَانَتَا مُتَمَيِّزَتَيْنِ  فَصَارَتَا  مُتَّحِدَتَيْنِ أَوْ حُلُولُ إحْدَاهُمَا  فِي الْأُخْرَى  فَهَذَا بَيِّنُ الْبُطْلَانِ .  وَأَبْطَلُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : مَا  زَالَ وَاحِدًا وَمَا  ثَمَّ تَعَدُّدٌ أَصْلًا . وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ  فِي الْحِجَابِ  فَلَمَّا انْكَشَفَ الْأَمْرُ رَأَيْت  أَنِّي أَنَا وَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ  سَوَاءٌ  قَالَ بِالْوَحْدَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ  دُونَ الْمُعَيَّنِ أَوْ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ  دُونَ الْأَعْيَانِ الثَّابِتَةِ  فِي الْعَدَمِ .  فَهَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا مَذَاهِبُ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ  كَمَا  أَنَّ  الْأُولَى مَذْهَبُ أَهْلِ  الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْهُدَى .  وَمَنْ  كَفَرَ بِالْحَقِّ  مِنْ  ذَلِكَ أَوْ  آمَنَ بِالْبَاطِلِ . فَهُمَا  فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ .   كَالْيَهُودِ   وَالنَّصَارَى  .  وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ : فَيُؤْمِنُونَ بِحَقِّ  ذَلِكَ  دُونَ بَاطِلِهِ وَكِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ  فِيهِمَا الْهُدَى وَالنُّورُ  وَفِيهِمَا بَيَانُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ : صِرَاطِ الَّذِينَ  أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ  مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ . فَأَمَّا إثْبَاتُ الْحَقِّ  مِنْ  ذَلِكَ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ  لِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ هُمْ الْمُتَّقُونَ  مِنْ السَّابِقِينَ وَالْمُقْتَصِدِينَ وَمَا قَدْ يَحْصُلُ  مِنْ  ذَلِكَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِثْلُ مَحَبَّتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ  لَهُمْ وَرِضْوَانِهِمْ عَنْهُ وَرِضْوَانِهِ عَنْهُمْ : فَقَدْ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {  فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ  أَذِلَّةً  عَلَى الْمُؤْمِنِينَ  أَعِزَّةً  عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا  يَخَافُونَ لَوْمَةَ  لَائِمٍ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَمِنَ النَّاسِ مَنْ  يَتَّخِذُ  مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا  أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَأَنْفِقُوا  فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   بَلَى مَنْ  أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى  فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا  لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ   }  وَقَالَ :   {   فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ   }  وَقَالَ :   {  فَأْتُوهُنَّ  مِنْ حَيْثُ  أَمَرَكُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ   }  وَقَالَ :   {  فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ   }  وَقَالَ :   {   فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ   }  .  وَقَالَ :   {   إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ  فِي سَبِيلِهِ صَفًّا  كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ   }  وَقَالَ :   {   قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ   }  وَقَالَ :   {   قُلْ إنْ  كَانَ  آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ   }  إلَى قَوْلِهِ :   {  أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ  فِي سَبِيلِهِ   }  وَقَالَ :   {  وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا   }  وَقَالَ :   {   وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ   }  وَقَالَ :   {   أُولَئِكَ كَتَبَ  فِي قُلُوبِهِمُ  الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ  تَجْرِي  مِنْ  تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ  فِيهَا  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ   }  وَقَالَ :   {   أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ  الْبَرِيَّةِ   }   {   جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ  رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ  تَجْرِي  مِنْ  تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ  فِيهَا  أَبَدًا  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ   }  .  وَقَالَ النَّبِيُّ   {   : إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ   }   {   إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ   }   {   إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ   }   {   إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ   }   {   إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا   }  وَقَالَ :   {   إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا : أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا  بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا  تَفَرَّقُوا وَأَنْ  تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أُمُورَكُمْ   }  .  وَفِي الْقُرْآنِ  مِنْ ذِكْرِ الِاصْطِفَاءِ وَالِاجْتِبَاءِ وَالتَّقْرِيبِ  وَالْمُنَاجَاةِ  وَالْمُنَادَاةِ وَالْخِلَّةِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ : مَا هُوَ كَثِيرٌ  وَكَذَلِكَ  فِي السُّنَّةِ . وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ قُدَمَاءُ   أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ  وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْعِلْمِ  وَالْإِيمَانِ . وَخَالَفَ  فِي حَقِيقَتِهِ قَوْمٌ  مِنْ الْمُلْحِدَةِ الْمُنَافِقِينَ : الْمُضَارِعِينَ لِلصَّابِئِينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَالْمُضَارِعِينَ   لِلْيَهُودِ   وَالنَّصَارَى  مِنْ   الجهمية  أَوْ مَنْ  فِيهِ تَجَهُّمٌ  وَإِنْ  كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ السُّنَّةُ . فَتَارَةً يُنْكِرُونَ  أَنَّ اللَّهَ  يخالل  أَحَدًا أَوْ يُحِبُّ  أَحَدًا أَوْ  يُوَادُّ  أَحَدًا أَوْ يُكَلِّمُ  أَحَدًا أَوْ يَتَكَلَّمُ وَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ; فَيُفَسِّرُونَ  ذَلِكَ تَارَةً بِإِحْسَانِهِ إلَى عِبَادِهِ وَتَارَةً بِإِرَادَتِهِ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ وَتَارَةً يُنْكِرُونَ  أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَوْ  يخالل .  وَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ  فِي مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لَهُ ; بِأَنَّهُ إرَادَةُ طَاعَتِهِ أَوْ مَحَبَّتُهُ  عَلَى إحْسَانِهِ . وَأَمَّا إنْكَارُ الْبَاطِلِ :   فَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَكَفَّرَ مَنْ  جَعَلَ لَهُ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا أَوْ شَرِيكًا  فَقَالَ تَعَالَى  فِي السُّورَةِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ - الَّتِي هِيَ صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي فَضْلِ سُورَةٍ  مِنْ الْقُرْآنِ مَا صَحَّ  فِي فَضْلِهَا حَتَّى أَفْرَدَ الْحُفَّاظُ مُصَنَّفَاتٍ  فِي فَضْلِهَا  كالدارقطني  وَأَبِي نُعَيْمٍ  وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ  وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ  فِيهَا أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً -  قَالَ  فِيهَا : {   قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ   }   {   اللَّهُ الصَّمَدُ   }   {   لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ   }   {   وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ   }  .  وَعَلَى هَذِهِ السُّورَةِ اعْتِمَادُ الْأَئِمَّةِ  فِي التَّوْحِيدِ  كَالْإِمَامِ  أَحْمَدَ  والفضيل بْنِ عِيَاضٍ  وَغَيْرِهِمَا  مِنْ الْأَئِمَّةِ قَبْلَهُمْ وَبَعْدَهُمْ . فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالنُّظَرَاءَ وَهِيَ جِمَاعُ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَخْلُوقُ  مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بَلْ وَالنَّبَاتِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ مَا  مِنْ شَيْءٍ  مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ إلَّا وَلَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ يُنَاسِبُهُ : إمَّا أَصْلٌ وَإِمَّا فَرْعٌ وَإِمَّا نَظِيرٌ أَوْ اثْنَانِ  مِنْ  ذَلِكَ أَوْ ثَلَاثَةٌ . وَهَذَا  فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ ظَاهِرٌ . وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ : فَإِنَّهُمْ  وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَدُوا بِالتَّنَاسُلِ  فَلَهُمْ الْأَمْثَالُ وَالْأَشْبَاهُ ; وَلِهَذَا  قَالَ سُبْحَانَهُ : {  وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ  لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ   }   {   فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ   }  قَالَ بَعْضُ   السَّلَفِ  :  لَعَلَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ  أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ وَاحِدٌ .  وَلِهَذَا  كَانَ  فِي هَذِهِ السُّورَةِ الرَّدُّ  عَلَى مَنْ  كَفَرَ  مِنْ   الْيَهُودِ   وَالنَّصَارَى   وَالصَّابِئِينَ  وَالْمَجُوسِ   وَالْمُشْرِكِينَ  .  فَإِنَّ قَوْلَهُ :   {   لَمْ يَلِدْ   }  رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ  مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْبَشَرِ مِثْلُ مَنْ يَقُولُ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ أَوْ يَقُولُ :  الْمَسِيحُ  أَوْ  عُزَيْرٌ  ابْنُ اللَّهِ  كَمَا  قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ :   {   وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ  وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ  وَلَهُمُ الْبَنُونَ   }   {   أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ   }   {  أَلَا إنَّهُمْ  مِنْ إفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ   }   {  وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ   }   {   أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ  عَلَى الْبَنِينَ   }   {   مَا لَكُمْ  كَيْفَ تَحْكُمُونَ   }   {  أَفَلَا تَذَكَّرُونَ   }   {   أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ   }   {  فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ   }   {   وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ  وَقَالَتِ النَّصَارَى  الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ  ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا  مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ  أَنَّى يُؤْفَكُونَ   }   {  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا  مِنْ دُونِ اللَّهِ  وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ   }  وَقَدْ  أَخْبَرَ  أَنَّ  هَذَا  مُضَاهَاةٌ لِقَوْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا  مِنْ قَبْلُ .  وَقَدْ  قِيلَ : إنَّهُمْ قُدَمَاؤُهُمْ .  وَقِيلَ :   مُشْرِكُو الْعَرَبِ  وَفِيهِمَا نَظَرٌ .  فَإِنَّ   مُشْرِكِي الْعَرَبِ  الَّذِينَ  قَالُوا  هَذَا لَيْسُوا قَبْلَ   الْيَهُودِ   وَالنَّصَارَى  وَقُدَمَائِهِمْ مِنْهُمْ  فَلَعَلَّهُ   الصَّابِئُونَ  الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ  كَانُوا قَبْلَ  مُوسَى  وَالْمَسِيحِ   بِأَرْضِ  الشَّامِ   وَمِصْرَ  وَغَيْرِهَا الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْمَلَائِكَةَ أَوْلَادًا لَهُ  كَمَا سَنُبَيِّنُهُ . وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ  أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى   }  وَهُوَ قَوْلُ مَنْ  قَالَ  مِنْ   الْعَرَبِ  : إنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ  عَمَّا كُنْتُمْ  تَفْتَرُونَ   }   {   وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ  وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ   }   {   وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى  ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ   }   {   يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ  مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ  بِهِ أَيُمْسِكُهُ  عَلَى  هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ  فِي التُّرَابِ  أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ   }   {   لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَجَعَلُوا لَهُ  مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ   }   {   أَمِ  اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ  وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ   }   {   وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا  ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا  ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ   }   {   أَوَمَنْ يُنَشَّأُ  فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ  فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ   }   {   وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ   }  .  وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي  عَابَهُ اللَّهُ  عَلَى مَنْ  جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتِهِ  مِنْ   الْعَرَبِ  مَعَ كَرَاهَتِهِمْ أَنْ  يَكُونَ  لَهُمْ بَنَاتٌ فَنَظِيرُهُ  فِي   النَّصَارَى  ; فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ وَلَدًا وَيُنَزِّهُونَ  أَكَابِرِ أَهْلِ دِينِهِمْ عَنْ أَنْ  يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا فَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَكَابِرِ دِينِهِمْ . وَقَالَ تَعَالَى :   {  وَقَالُوا  اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا   }   {   لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا   }   {   تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا   }   {   أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا   }   {   وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ  يَتَّخِذَ وَلَدًا   }   {   إنْ كُلُّ مَنْ  فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا  آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا   }   {   لَقَدْ أَحْصَاهُمْ  وَعَدَّهُمْ عَدًّا   }   {   وَكُلُّهُمْ  آتِيهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ فَرْدًا   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا  تَغْلُوا  فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا  عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ إنَّمَا  الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ  أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ  يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا  فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا  فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا   }   {   لَنْ يَسْتَنْكِفَ  الْمَسِيحُ أَنْ  يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إلَيْهِ جَمِيعًا   }   {  فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ  مِنْ فَضْلِهِ  وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا  أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ  لَهُمْ  مِنْ دُونِ اللَّهِ  وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا   }  .  فَنَهَى   أَهْلَ الْكِتَابِ  عَنْ الْغُلُوِّ  فِي الدِّينِ وَعَنْ أَنْ يَقُولُوا  عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ وَذَكَرَ الْقَوْلَ الْحَقَّ  فِي  الْمَسِيحِ  ثُمَّ  قَالَ  لَهُمْ :   {   فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ   }  لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ بِتَثْلِيثِهِمْ وَكَفَرُوا بِرُسُلِهِ بِالِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ . فَكَفَرُوا بِأَصْلَيْ الْإِسْلَامِ الْعَامِّ الَّتِي هِيَ الشَّهَادَةُ لِلَّهِ بالوحدانية  فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَالشَّهَادَةِ لِلرُّسُلِ بِالرِّسَالَةِ  وَذَكَرَ  أَنَّ  الْمَسِيحَ  وَالْمَلَائِكَةَ لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ; لِأَنَّ  مِنْ النَّاسِ مَنْ  جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ أَوْلَادَهُ  كَالْمَسِيحِ  وَعَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ  وَالْمَسِيحَ  . وَلِهَذَا  قَالَ :   {   مَا  كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ  ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ  كُونُوا عِبَادًا  لِي  مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ  كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ   }   {   وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ  تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ   }  فَذَكَرَ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ جَمِيعًا . وَقَدْ نَفَى  فِي كِتَابِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْوِلَادَةَ وَنَفَى  اتِّخَاذَ الْوَلَدِ جَمِيعًا .  فَقَالَ : {   وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ  يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ  فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ  وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   مَا  اتَّخَذَ اللَّهُ  مِنْ وَلَدٍ وَمَا  كَانَ مَعَهُ  مِنْ إلَهٍ   }  الْآيَةَ  وَقَالَ :   {   الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ  يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ  فِي الْمُلْكِ   }  وَقَالَ :   {   وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ   }   {   لَوْ أَرَدْنَا أَنْ  نَتَّخِذَ لَهْوًا  لَاتَّخَذْنَاهُ  مِنْ لَدُنَّا إنْ  كُنَّا فَاعِلِينَ   }   {   بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ  عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ   }   {  وَلَهُ مَنْ  فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ   }   {   يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ   }   {   أَمِ  اتَّخَذُوا  آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ   }   {   لَوْ  كَانَ  فِيهِمَا  آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ  رَبِّ الْعَرْشِ  عَمَّا يَصِفُونَ   }  وَقَالَ :   {  وَقَالُوا  اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ   }   {   لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ   }   {   يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ  مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ   }  . وَمَعْلُومٌ  أَنَّ الَّذِينَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَاَلَّذِينَ  قَالُوا :  وَلَدَ اللَّهُ ; وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَاَلَّذِينَ  قَالُوا :  الْمَسِيحُ  ابْنُ اللَّهِ  وَعُزَيْرٌ  ابْنُ اللَّهِ : لَمْ يُرِدْ عُقَلَاؤُهُمْ وِلَادَةً حِسِّيَّةً  مِنْ جِنْسِ وِلَادَةِ الْحَيَوَانِ بِانْفِصَالِ جُزْءٍ  مِنْ ذَكَرِهِ  فِي أُنْثَاهُ يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ .  فَإِنَّ   النَّصَارَى   وَالصَّابِئِينَ  مُتَّفِقُونَ  عَلَى نَفْيِ  ذَلِكَ  وَكَذَلِكَ   مُشْرِكُو الْعَرَبِ  مَا أَظُنُّ عُقَلَاؤُهُمْ  كَانُوا يَعْتَقِدُونَ  ذَلِكَ وَإِنَّمَا وَصَفُوا الْوِلَادَةَ الْعَقْلِيَّةَ الرُّوحَانِيَّةَ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ   النَّصَارَى  : إنَّ الْجَوْهَرَ الَّذِي هُوَ اللَّهُ  مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْكَلِمَةُ  مِنْ وَجْهٍ تَدَرَّعَتْ بِإِنْسَانِ مَخْلُوقٍ  مِنْ  مَرْيَمَ  فَيَقُولُونَ تَدَرَّعَ اللَّاهُوتُ بِالنَّاسُوتِ فَظَاهِرُهُ - وَهُوَ الدِّرْعُ وَالْقَمِيصُ - بَشَرٌ وَبَاطِنُهُ - وَهُوَ الْمُتَدَرِّعُ - لَاهُوتٌ هُوَ الِابْنُ الَّذِي هُوَ الْكَلِمَةُ لِتَوَلُّدِ  هَذَا  مِنْ الْأَبِ الَّذِي هُوَ جَوْهَرُ الْوُجُودِ .  فَهَذِهِ الْبُنُوَّةُ مُرَكَّبَةٌ عِنْدَهُمْ  مِنْ أَصْلَيْنِ : : أَحَدُهُمَا :  أَنَّ الْجَوْهَرَ الَّذِي هُوَ الْكَلِمَةُ تُولَدُ  مِنْ الْجَوْهَرِ الَّذِي هُوَ الْأَبُ كَتَوَلُّدِ الْعِلْمِ وَالْقَوْلِ  مِنْ الْعَالِمِ  الْقَائِلِ . وَالثَّانِي :  أَنَّ  هَذَا الْجَوْهَرَ  اتَّحَدَ  بِالْمَسِيحِ وَتَدَرَّعَ  بِهِ  وَذَلِكَ الْجَوْهَرُ هُوَ الْأَبُ  مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الِابْنُ  مِنْ وَجْهٍ . فَلِهَذَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ تَارَةً  أَنَّهُمْ يَقُولُونَ :  الْمَسِيحُ  ابْنُ اللَّهِ . وَتَارَةً  أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ هُوَ  الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ  وَأَمَّا حِكَايَتُهُ عَنْهُمْ  أَنَّهُمْ  قَالُوا : إنْ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ : اللَّهُ  وَالْمَسِيحُ  وَأُمُّهُ  كَمَا  قَالَ :   {   يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ  أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ  اتَّخِذُونِي  وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ  مِنْ دُونِ اللَّهِ   }  وَلِهَذَا  قَالَ  فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ :   {   مَا  الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ  خَلَتْ  مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ   }  أَيْ غَايَةُ  الْمَسِيحِ  الرِّسَالَةُ وَغَايَةُ أُمِّهِ : الصديقية لَا يَبْلُغَانِ إلَى اللَّاهُوتِيَّةِ ;  فَهَذَا حُجَّةُ  هَذَا . وَهُوَ ظَاهِرٌ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ  أَنَّ الْمُرَادَ  بِذَلِكَ الْأَقَانِيمُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ  وَهَذَا  فِيهِ نَظَرٌ . فَأَمَّا قَوْلُهُ :   {   وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ  وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى  عَمَّا يَصِفُونَ   }   {   بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ  وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ   }  فَإِنَّ قَوْلَهُ :   {   بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ   }  أَيْ مُبْدِعُهُمَا  كَمَا  ذَكَرَ مِثْلَ  ذَلِكَ  فِي الْبَقَرَةِ ; وَلَيْسَ الْمُرَادُ  أَنَّهُمَا بَدِيعَةٌ سَمَاوَاتُهُ  وَأَرْضُهُ  كَمَا تَحْتَمِلُهُ الْعَرَبِيَّةُ لَوْلَا السِّيَاقُ .  لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ مَا زَعَمُوهُ مَنْ خَرْقِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لَهُ  وَمِنْ كَوْنِهِ  اتَّخَذَ وَلَدًا  .  وَهَذَا يَنْتَفِي بِضِدِّهِ كَوْنُهُ  أَبْدَعَ السَّمَوَاتِ  ثُمَّ  قَالَ : {  أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ   }  وَذَكَرَ ثَلَاثَةَ  أَدِلَّةٍ  عَلَى نَفْيِ  ذَلِكَ .  أَحَدُهَا : كَوْنُهُ لَيْسَ لَهُ صَاحِبَةٌ ;  فَهَذَا نَفْيُ الْوِلَادَةِ الْمَعْهُودَةِ : وَقَوْلُهُ : {  وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ   }  نَفْيٌ لِلْوِلَادَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ التَّوَلُّدُ ;  لِأَنَّ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ يُنَافِي تَوَلُّدَهَا عَنْهُ  . وَقَوْلُهُ :   {   وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ   }  يُشْبِهُ - وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ - أَنْ  يَكُونَ  لَمَّا ادَّعَتْ   النَّصَارَى  أَنَّ  الْمُتَّحِدَ  بِهِ هُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يُفَسِّرُونَهَا بِالْعِلْمِ   وَالصَّابِئَةُ  الْقَائِلُونَ بِالتَّوَلُّدِ وَالْعِلَّةِ لَا يَجْعَلُونَهُ عَالِمًا بِكُلِّ شَيْءٍ -  ذَكَرَ  أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ رَدًّا  عَلَى   الصَّابِئَةِ  وَنَفْيِهَا عَنْ غَيْرِهِ رَدًّا  عَلَى   النَّصَارَى  . وَإِذَا  كَانَ  كَذَلِكَ فَقَوْلُ مَنْ  قَالَ بِتَوَلُّدِ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ - الَّتِي يَزْعُمُونَ  أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ -  أَظْهَرُ  فِي كَوْنِهِمْ يَقُولُونَ إنَّهُ  وَلَدَ الْمَلَائِكَةَ  وَأَنَّهُمْ بَنُوهُ وَبَنَاتُهُ فَالْعُقُولُ بَنُوهُ وَالنُّفُوسُ بَنَاتُهُ :  مِنْ قَوْلِ   النَّصَارَى  .  وَدَخَلَ  فِي  هَذَا مَنْ تَفَلْسَفَ  مِنْ الْمُنْتَسِبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى  أَنِّي أَعْرِفُ كَبِيرًا  لَهُمْ سُئِلَ عَنْ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ :  فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى . فَقَدْ  جَعَلَهُمْ كَالِابْنِ وَالْبِنْتِ وَهُمْ يَجْعَلُونَهُمْ متولدين عَنْهُ تَوَلُّدَ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ ;  فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفُكَّ ذَاتَهُ عَنْ مَعْلُولِهِ وَلَا مَعْلُولَهُ عَنْهُ  كَمَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْصِلَ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ شُعَاعِ الشَّمْسِ مَعَ الشَّمْسِ  وَأَبْلَغَ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إنَّ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ الَّتِي  وَلَدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَفْلَاكِ : الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ كَاتِّصَالِ اللَّاهُوتِ بِجَسَدِ  الْمَسِيحِ  فَيَعْبُدُونَهَا  كَمَا عَبَدَتْ   النَّصَارَى  الْمَسِيحَ  إلَّا  أَنَّهُمْ أَكْفَرُ  مِنْ وُجُوهٍ  كَثِيرَةٍ ; وَهُمْ  أَحَقُّ بِالشِّرْكِ  مِنْ   النَّصَارَى  ; فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَا يَعْلَمُونَ  أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ إيَّاهُ وَلَا صِفَةٌ  مِنْ صِفَاتِهِ   وَالنَّصَارَى  يَزْعُمُونَ  أَنَّهُمْ مَا يَعْبُدُونَ إلَّا مَا  اتَّحَدَ بِاَللَّهِ لَا لِمَا  وَلَدَهُ  مِنْ الْمَعْلُولَاتِ . ثُمَّ مَنْ  عَبَدَ الْمَلَائِكَةَ وَالْكَوَاكِبَ وَأَرْوَاحَ الْبَشَرِ وَأَجْسَادَهُمْ :  اتَّخَذَ الْأَصْنَامَ  عَلَى صُوَرِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ ;  فَكَانَ  ذَلِكَ  أَعْظَمَ أَسْبَابِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ .  وَلِهَذَا  كَانَ الْخَلِيلُ إمَامُ الْحُنَفَاءِ : مُخَاطِبًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْكَوَاكِبَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَاَلَّذِينَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ مَعَ إشْرَاكِهِمْ وَاعْتِرَافِهِمْ بِأَصْلِ الْجَمِيعِ .  وَقَدْ  ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّتَهُمْ  فِي الْقُرْآنِ  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَأُولَئِكَ هُمْ الصَّابِئُونَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ  مَلَكَهُمْ  نمروذ  . وَعُلَمَاؤُهُمْ   الْفَلَاسِفَةُ  مِنْ الْيُونَانِيِّينَ  وَغَيْرُهُمْ الَّذِينَ  كَانُوا   بِأَرْضِ  الشَّامِ   وَالْجَزِيرَةِ   وَالْعِرَاقِ  وَغَيْرِهَا   وَجَزَائِرِ الْبَحْرِ  قَبْلَ   النَّصَارَى  وَكَانُوا بِهَذِهِ الْبِلَادِ  فِي أَيَّامِ   بَنِي إسْرَائِيلَ  وَهُمْ الَّذِينَ  كَانُوا يُقَاتِلُونَ   بَنِي إسْرَائِيلَ  فَيَغْلِبُونَ تَارَةً وَيُغْلَبُونَ تَارَةً  وسنحاريب  وبختنصر  وَنَحْوُهُمَا : هُمْ   مُلُوكُ الصَّابِئَةِ  بَعْدَ الْخَلِيلِ .  والنمروذ  الَّذِي  كَانَ  فِي زَمَانِهِ .  فَتَبَيَّنَ  بِذَلِكَ مَا  فِي الْقُرْآنِ  مِنْ الرَّدِّ  لِمَقَالَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ   وَالْكُفَّارِ   وَالْمُنَافِقِينَ  فِيهَا :  مِنْ إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ لِلَّهِ  وَإِنْ  كَانَ كَثِيرٌ  مِنْ النَّاسِ لَا يَفْهَمُ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ  عَلَى هَذِهِ  الْمَقَالَاتِ ; لِأَنَّ  ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى شَيْئَيْنِ : إلَى تَصَوُّرِ مَقَالَتِهِمْ بِالْمَعْنَى لَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَإِلَى تَصَوُّرِ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا . فَتَجِدُ الْمَعْنَى الَّذِي عَنَوْهُ قَدْ  دَلَّ الْقُرْآنُ  عَلَى ذِكْرِهِ وَإِبْطَالِهِ . وَأَمَّا اتِّحَادُ الْوَلَدِ فَيُفَسَّرُ بِعَيْنِ الْوِلَادَةِ . وَهُوَ  مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ لَا  مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ  كَمَا يَقُولُهُ  طَائِفَةٌ  مِنْ   النَّصَارَى  فِي  الْمَسِيحِ  .