تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَأَمَّا الصَّعِيدُ : فَفِيهِ أَقْوَالٌ فَقِيلَ : يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ ; كَالزَّرْنِيخِ وَالنَّوْرِ وَالْجِصِّ وَكَالصَّخْرَةِ الْمَلْسَاءِ فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا كَالْمَعَادِنِ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ . وَمُحَمَّدٌ يُوَافِقُهُ ; لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا لِقَوْلِهِ : ( مِنْهُ . وَقِيلَ يَجُوزُ بِالْأَرْضِ وَبِمَا اتَّصَلَ بِهَا حَتَّى بِالشَّجَرِ كَمَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَهُ فِي الثَّلْجِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا : يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الأوزاعي وَالثَّوْرِيِّ . وَقِيلَ يَجُوزُ بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالرَّمْلِ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ . وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ إلَّا بِتُرَابِ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَعْلَقُ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالصَّخْرُ لَا يَعْلَقُ لَا بِالْوَجْهِ وَلَا بِالْيَدِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ تُرَابُ الْحَرْثِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا } قَالُوا : فَعَمَّ الْأَرْضَ بِحُكْمِ الْمَسْجِدِ وَخَصَّ تُرْبَتَهَا - وَهُوَ تُرَابُهَا - بِحُكْمِ الطَّهَارَةِ . قَالُوا : وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ اخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ بِمَا هُوَ [ مَاءٌ ] فِي الْأَصْلِ فَكَذَلِكَ طَهَارَةُ التُّرَابِ تَخْتَصُّ بِمَا هُوَ تُرَابٌ فِي الْأَصْلِ وَهُمَا الْأَصْلَانِ اللَّذَانِ خُلِقَ مِنْهُمَا آدَمَ : الْمَاءُ . وَالتُّرَابُ . وَهُمَا الْعُنْصُرَانِ الْبَسِيطَانِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ فَإِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ . وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { صَعِيدًا } قَالُوا : وَالصَّعِيدُ هُوَ الصَّاعِدُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ صَاعِدٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى . { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } وَقَوْلِهِ : { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } . وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَخُصَّ الْحُكْمَ بِالتُّرَابِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ } وَفِي رِوَايَةٍ { فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ } فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ عِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا تُرَابُ حَرْثٍ فَإِنْ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِالرَّمْلِ كَانَ مُخَالِفًا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَذِهِ حُجَّةُ مَنْ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ بِالرَّمْلِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ قَرَنَ بِذَلِكَ السَّبْخَةَ ; فَإِنَّ مِنْ الْأَرْضِ مَا يَكُونُ سَبْخَةً . وَاخْتِلَافُ التُّرَابِ بِذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِ بِالْأَلْوَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُوهُ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ الْقَبْضَةِ : جَاءَ مِنْهُمْ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَجَاءَ مِنْهُمْ السَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَبَيْنَ ذَلِكَ } . وَآدَمُ إنَّمَا خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ وَالتُّرَابُ الطَّيِّبُ وَالْخَبِيثُ : الَّذِي يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَاَلَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إلَّا نَكِدًا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْجَارِ وَالْأَشْجَارِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ وَلَا تَعْلَقُ بِالْيَدِ ; بِخِلَافِ الزَّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ فَإِنَّهَا مَعَادِنُ فِي الْأَرْضِ لَكِنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ كَمَا يَنْطَبِعُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالرَّصَاصُ وَالنُّحَاسُ .