وَسُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُجَامِعُهَا بَعْلُهَا وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ لِعَدَمِ الْأُجْرَةِ وَغَيْرِهَا . فَهَلْ لَهَا أَنْ تَتَيَمَّمَ ؟ وَهَلْ يُكْرَهُ لِبَعْلِهَا مُجَامَعَتُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ . وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ وَتَخَافُ إنْ دَخَلَتْ الْحَمَّامَ أَنْ يَفُوتَهَا الْوَقْتُ فَهَلْ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ ؟ أَوْ تُصَلِّيَ فِي الْحَمَّامِ ؟ .
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . الْجُنُبُ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنَّهُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ أَوْ خَافَ الضَّرَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ لِعَدَمِ الْأُجْرَةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَطْءُ امْرَأَتِهِ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا كَمَا لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِي السَّفَرِ وَيُصَلِّيَا بِالتَّيَمُّمِ . وَإِذَا أَمْكَنَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ خَارِجَ الْحَمَّامِ فَعَلَا ذَلِكَ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ : مِثْلَ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ أَوَّلَ الْفَجْرِ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَاءِ خَرَجَ الْوَقْتُ . وَإِنْ طَلَبَ حَطَبًا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ أَوْ ذَهَبَ إلَى الْحَمَّامِ فَاتَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي هُنَا بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد قَالُوا يَشْتَغِلُ بِتَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ . وَهَكَذَا قَالُوا فِي اشْتِغَالِهِ بِخِيَاطَةِ اللِّبَاسِ وَتَعَلُّمِ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ . فَإِنَّ قِيَاسَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَ بَعْدَ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ وَأَنَّ الْعُرْيَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَ بَعْدَ الْوَقْتِ بِاللِّبَاسِ . وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ; بَلْ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَمَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَقَطَ عَنْهُ . وَأَمَّا إذَا اسْتَيْقَظَ آخِرَ الْوَقْتِ أَوْ إنْ اشْتَغَلَ بِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ إنْ ذَهَبَ إلَى الْحَمَّامِ لِلْغُسْلِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَهَذَا يَغْتَسِلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ . وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : بَلْ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ مُحَافَظَةً عَلَى الْوَقْتِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ : إذَا اسْتَيْقَظَ آخِرَ الْوَقْتِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ فَالطَّهَارَةُ وَالْوَقْتُ فِي حَقِّهِ مِنْ حِينَ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ مَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا } . فَالْوَقْتُ الْمَأْمُورُ بِالصَّلَاةِ فِيهِ فِي حَقِّ النَّائِمِ هُوَ إذَا اسْتَيْقَظَ لَا مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَفِي حَقِّ النَّاسِي إذَا ذَكَرَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الرَّجُلُ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْحَمَّامِ لَكِنْ إنْ دَخَلَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ إمَّا لِكَوْنِهِ مَقْهُورًا مِثْلَ الْغُلَامِ الَّذِي لَا يُخَلِّيهِ سَيِّدُهُ يَخْرُجُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهَا أَوْلَادُهَا فَلَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ حَتَّى تَغْسِلَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَهَؤُلَاءِ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَحَدِ أُمُورٍ : إمَّا أَنْ يَغْتَسِلُوا وَيُصَلُّوا فِي الْحَمَّامِ فِي الْوَقْتِ وَإِمَّا أَنْ يُصَلُّوا خَارِجَ الْحَمَّامِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِمَّا أَنْ يُصَلُّوا بِالتَّيَمُّمِ خَارِجَ الْحَمَّامِ . وَبِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ يُفْتِي طَائِفَةٌ ; لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِالتَّيَمُّمِ خَارِجَ الْحَمَّامِ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَمَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَتَفْوِيتُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ . وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ هَذَيْنِ النَّهْيَيْنِ إلَّا بِالصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ خَارِجَ الْحَمَّامِ . وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ فِي الْوَقْتِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ بَعْدَ الْوَقْتِ إذَا اغْتَسَلَ أَوْ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ فِي الْوَقْتِ . فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَيْنِك مَنْهِيٌّ عَنْهُ . وَتَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَصَلَّى فِيهِ : هَلْ يُعِيدُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَصَحُّهُمَا : أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ; بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ كَمَا أُمِرَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعُذْرُ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا ; فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْعَبْدِ الصَّلَاةَ الْمُعَيَّنَةَ مَرَّتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ قَدْ حَصَلَ مِنْهُ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ أَوْ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ . فَأَمَّا إذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَمَرَ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ وَيُعِيدَهَا ; بَلْ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً كَمَنْ صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ نَاسِيًا فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِتِلْكَ الصَّلَاةِ بَلْ اعْتِقَادُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ خَطَأٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّهَارَةِ فَإِذَا صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ كَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تَوَضَّأَ وَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ مِنْ قَدَمِهِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ . وَكَمَا أَمَرَ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ . وَكَمَا أَمَرَ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ . فَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الطَّهَارَةِ أَوْ السِّتَارَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَنْ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ أَوْ عَنْ إكْمَالِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا . فَإِنَّ هَذَا يَفْعَلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } .