مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
فَصْلٌ كُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ : مِنْ جُنُبٍ أَوْ مُحْدِثٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَيَمَسَّ الْمُصْحَفَ وَيُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ النَّافِلَةَ وَالْفَرِيضَةَ وَيَرْقِيَ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ . فَإِنَّ الصَّلَاةَ أَعْظَمُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْلَى وَالْقِرَاءَةُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَوْسَعُ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُحْدِثَ يَقْرَؤُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَفْعَلُهُ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ أَوْ خَافَ الضَّرَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ . وَإِذَا أَمْكَنَ الْجُنُبُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ فَتَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْغُسْلِ جَازَ وَإِنْ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَفِيهِ قَوْلَانِ . قِيلَ : يَجْزِيهِ عَنْ الْغُسْلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ . وَقِيلَ : لَا يَجْزِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ . وَإِذَا تَيَمَّمَ بِالتُّرَابِ الَّذِي تَحْتَ حَصِيرِ بَيْتِهِ جَازَ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ هُنَاكَ غُبَارٌ لَاصِقٌ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَتَيَمَّمَ بِذَلِكَ التُّرَابِ اللَّاصِقِ جَازَ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لِلْقُرْآنِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قِيلَ : يَجُوزُ لِهَذَا وَلِهَذَا . وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَيَجُوزُ لِلْحَائِضِ . إمَّا مُطْلَقًا أَوْ إذَا خَافَتْ النِّسْيَانَ . وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ . وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْحَائِضِ الْقُرْآنَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرَ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { لَا تَقْرَأْ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا } رَوَاهُ أَبُو داود وَغَيْرُهُ . وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ . وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مَا يَرْوِيهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ ; بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ عَنْ الشَّامِيِّينَ وَلَمْ يَرْوِ هَذَا عَنْ نَافِعٍ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحِضْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ يَنْهَاهُنَّ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ . كَمَا لَمْ يَكُنْ يَنْهَاهُنَّ عَنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بَلْ أَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَيُكَبِّرُونَ بِتَكْبِيرِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَرَ الْحَائِضَ أَنْ تَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ : تُلَبِّي وَهِيَ حَائِضٌ وَكَذَلِكَ بمزدلفة وَمِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاعِرِ . وَأَمَّا الْجُنُبُ فَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَشْهَدَ الْعِيدَ وَلَا يُصَلِّيَ وَلَا أَنْ يَقْضِيَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَاسِكِ : لِأَنَّ الْجُنُبَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّ حَدَثَهَا قَائِمٌ لَا يُمْكِنُهَا مَعَ ذَلِكَ التَّطَهُّرُ . وَلِهَذَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لَيْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى حَتَّى يَطَّهَّرَ وَإِنْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي ذَلِكَ . لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ الْحَائِضَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ بِذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ . فَعُلِمَ أَنَّ الْحَائِضَ يُرَخَّصُ لَهَا فِيمَا لَا يُرَخَّصُ لِلْجُنُبِ فِيهِ ; لِأَجْلِ الْعُذْرِ . وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا أَغْلَظَ فَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَمْ يَنْهَهَا الشَّارِعُ عَنْ ذَلِكَ . وَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ نَهَى الْجُنُبَ لِأَنَّ الْجُنُبَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيَقْرَأَ بِخِلَافِ الْحَائِضِ ; تَبْقَى حَائِضًا أَيَّامًا فَيَفُوتُهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تَفْوِيتَ عِبَادَةٍ تَحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ عَجْزِهَا عَنْ الطَّهَارَةِ وَلَيْسَتْ الْقِرَاءَةُ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ مَعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَالْقِرَاءَةُ تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِالنَّصِّ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَالصَّلَاةُ يَجِبُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاللِّبَاسُ وَاجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ وَالْقِرَاءَةُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ حَائِضٌ } وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا : { يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي مُنَزِّلٌ عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ } فَتَجُوزُ الْقِرَاءَةُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمَاشِيًا وَمُضْطَجِعًا . وَرَاكِبًا .