وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ سَافَرَ مَعَ رُفْقَةٍ وَهُوَ إمَامُهُمْ . ثُمَّ احْتَلَمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بِهِمْ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةٌ ؟ وَعَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْأُولَى : أَنَّ تَيَمُّمَهُ جَائِزٌ وَصَلَاتَهُ جَائِزَةٌ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي السُّنَنِ { عَنْ عَمْرِو بْنِ العاص أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِالتَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ وَإِنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَكَذَلِكَ هَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ . الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ هَلْ يَؤُمُّ الْمُتَوَضِّئِينَ ؟ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَؤُمُّهُمْ كَمَا أَمَّهُمْ عَمْرُو بْنُ العاص وَابْنُ عَبَّاسٍ . وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَمَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُمْ . الثَّالِثَةُ : فِي الْإِعَادَةِ فَالْمَأْمُومُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ . بِالِاتِّفَاقِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَأَمَّا الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ إذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِخَشْيَةِ الْبَرْدِ . فَقِيلَ : يُعِيدُ مُطْلَقًا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ : يُعِيدُ فِي الْحَضَرِ فَقَطْ دُونَ السَّفَرِ . كَقَوْلِ لَهُ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَد . وَقِيلَ : لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ العاص بِإِعَادَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَعْذَارِ الْمُعْتَادَةِ وَغَيْرِ الْمُعْتَادَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .