تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَشَى إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مُسْتَعْجِلًا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ وَقَالَ : امْشِ عَلَى رِسْلِك . فَرَدَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَقَالَ : قَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } فَمَا الصَّوَابُ ؟ .
1
فَأَجَابَ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ الْمَأْمُورِ بِهِ الْعَدُوَّ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا - وَرَوَى فَاقْضُوا } . وَلَكِنْ قَالَ الْأَئِمَّةُ : السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ هُوَ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } وَقَالَ عَنْ فِرْعَوْنَ { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى } وَقَدْ قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ( فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ فَالسَّعْيُ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ هُوَ الْمُضِيُّ إلَيْهَا وَالذَّهَابُ إلَيْهَا . وَلَفْظُ " السَّعْيِ " فِي الْأَصْلِ اسْمُ جِنْسٍ وَمِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْعُرْفِ إذَا كَانَ الِاسْمُ عَامًّا لِنَوْعَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُفْرِدُونَ أَحَدَ نَوْعَيْهِ بِاسْمِ وَيَبْقَى الِاسْمُ الْعَامُّ مُخْتَصًّا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ كَمَا فِي لَفْظِ " ذَوِي الْأَرْحَامِ " فَإِنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَقَارِبِ مَنْ يَرِثُ بِفَرْضِ وَتَعْصِيبٍ وَمَنْ لَا فَرْضَ لَهُ وَلَا تَعْصِيبَ فَلَمَّا مَيَّزَ ذُو الْفَرْضِ وَالْعَصَبَةِ صَارَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ذووا الْأَرْحَامِ مُخْتَصًّا بِمَنْ لَا فَرْضَ لَهُ وَلَا تَعْصِيبَ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْجَائِزِ " يَعُمُّ مَا وَجَبَ وَلَزِمَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْعُقُودِ وَمَا لَمْ يَلْزَمُ فَلَمَّا خَصَّ بَعْضَ الْأَعْمَالِ بِالْوُجُوبِ وَبَعْضَ الْعُقُودِ بِاللُّزُومِ بَقِيَ اسْمُ الْجَائِزِ فِي عُرْفِهِمْ مُخْتَصًّا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ . وَكَذَلِكَ اسْمُ " الْخَمْرِ " هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ شَرَابٍ لَكِنْ لَمَّا أَفْرَدَ مَا يُصْنَعُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ بِاسْمِ النَّبِيذِ صَارَ اسْمُ الْخَمْرِ فِي الْعُرْفِ مُخْتَصًّا بِعَصِيرِ الْعِنَبِ حَتَّى ظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ . وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمُومِهِ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ . وَبِسَبَبِ هَذَا الِاشْتِرَاكِ الْحَادِثِ غَلِطَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي فَهْمِ الْخِطَابِ بِلَفْظِ السَّعْيِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ عَامٌّ فِي كُلِّ ذَهَابٍ وَمُضِيٍّ وَهُوَ السَّعْيُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ يَخُصُّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ بِاسْمِ الْمَشْيِ فَيَبْقَى لَفْظُ السَّعْيِ مُخْتَصًّا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ وَهَذَا هُوَ السَّعْيُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ } وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ : ( فَامْضُوا وَيَقُولُ : لَوْ قَرَأْتهَا فَاسْعَوْا لَعَدَوْت حَتَّى يَكُونَ كَذَا وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ فَيَكُونُ قَدْ اعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظَ السَّعْيِ هُوَ الْخَاصُّ . وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا : السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُهَرْوِلُ فِي بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الْمِيلَيْنِ . ثُمَّ لَفْظُ السَّعْيِ يُخَصُّ بِهَذَا . وَقَدْ يُجْعَلُ لَفْظُ السَّعْيِ عَامًّا لِجَمِيعِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَكِنَّ هَذَا كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَعْضَهُ سَعْيٌ خَاصٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .