مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ  وَأَمَّا " الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ " وَهِيَ   مَحَلُّ السُّجُودِ : هَلْ هُوَ قَبْلَ السَّلَامِ ؟ أَوْ بَعْدَهُ  ؟  فَفِي  ذَلِكَ أَقْوَالٌ مَشْهُورَةٌ .  قِيلَ : كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ  وَقِيلَ : كُلُّهُ بَعْدَهُ  وَقِيلَ : بِالْفَرْقِ بَيْنَ  الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ .  وَعَلَى  هَذَا  فَفِي الشَّكِّ نِزَاعٌ . وَقِيلَ : بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَسْجُدَ قَبْلَ السَّلَامِ ; لَكِنْ مَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالسُّجُودِ  فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ  سَجَدَ بَعْدَهُ ;  لِأَجْلِ النَّصِّ ; وَالْبَاقِي  عَلَى الْأَصْلِ  وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ  أَحْمَد  . وَالْأَوَّلُ قَوْلُ  الشَّافِعِيِّ  وَالثَّانِي قَوْلُ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَالثَّالِثُ قَوْلُ  مَالِكٍ  وَأَحْمَد  وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِيمَا إذَا   صَلَّى خَمْسًا هَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ  عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لَكِنْ لَمْ نَجِدْ بِهَذَا لَفْظًا عَنْهُ وَحُكِيَ عَنْهُ  أَنَّهُ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ  وَهَذَا غَلَطٌ مَحْضٌ .  وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ : لَمْ يَخْتَلِفْ كَلَامُ  الْإِمَامِ  أَحْمَد  أَنَّ بَعْضَهُ  قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْضَهُ بَعْدَهُ .  قَالَ  الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى  : لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ  أَحْمَد  فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ أَنْ يَسْجُدَ  لَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَإِذَا  شَكَّ وَتَحَرَّى .  قَالَ  أَحْمَد  فِي رِوَايَةِ  الْأَثْرَمِ  : أَنَا أَقُولُ : كُلُّ سَهْوٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ  سَجَدَ  فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ  فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ  وَسَائِرُ السُّجُودِ يَسْجُدُ  فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ هُوَ أَصَحُّ  فِي الْمَعْنَى .  وَذَلِكَ  أَنَّهُ  مِنْ  شَأْنِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ  ثُمَّ  قَالَ :  فَسَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ بَعْدَ السَّلَامِ  وَفِي غَيْرِهَا قَبْلَ السَّلَامِ . قُلْت : اشْرَحْ الْمَوَاضِعَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي بَعْدَ السَّلَامِ .  قَالَ : {   سَلَّمَ  مِنْ رَكْعَتَيْنِ  فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ   }  هَذَا حَدِيثُ  ذِي الْيَدَيْنِ  .   {   وَسَلَّمَ  مِنْ ثَلَاثٍ  فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ   }  هَذَا حَدِيثُ  عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ  . وَحَدِيثُ  ابْنِ مَسْعُودٍ  فِي التَّحَرِّي  سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ .  قَالَ  أَبُو مُحَمَّدٍ  :  قَالَ الْقَاضِي : لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ  أَحْمَد  فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ  أَنَّهُ يَسْجُدُ  لَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ  قَالَ : وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ  فِي مَنْ سَهَا  فَصَلَّى خَمْسًا هَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ ؟  عَلَى رِوَايَتَيْنِ . وَمَا  عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الثَّلَاثَةَ يَسْجُدُ  لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ رِوَايَةً  وَاحِدَةً . وَبِهَذَا  قَالَ  سُلَيْمَانُ بْنُ داود  وَأَبُو خيثمة  .  وَابْنُ الْمُنْذِرِ  .  قَالَ : وَحَكَى  أَبُو الْخَطَّابِ  رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ :  إحْدَاهُمَا :  أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ  الشَّافِعِيِّ  . وَالثَّانِيَةُ :  أَنَّ مَا  كَانَ  مِنْ نَقْصٍ يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ  ابْنِ  بحينة  وَمَا  كَانَ  مِنْ  زِيَادَةٍ  سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ  ذِي الْيَدَيْنِ  وَحَدِيثِ  ابْنِ مَسْعُودٍ  حِينَ  صَلَّى خَمْسًا  وَهَذَا مَذْهَبُ  مَالِكٍ  وَأَبِي ثَوْرٍ  .  وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ  وَأَصْحَابُهُ  وَطَائِفَةٌ : كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ . قُلْت :  أَحْمَد  يَقُولُ  فِي الشَّكِّ إذَا  طَرَحَهُ وَبَنَى  عَلَى الْيَقِينِ :  أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ  كَمَا  ثَبَتَ  فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ .  فَعَلَى قَوْلِهِ الْمُوَافِقِ  لِمَالِكِ  مَا  كَانَ  مِنْ نَقْصٍ وَشَكٍّ فَقَبْلَهُ وَمَا  كَانَ  مِنْ  زِيَادَةٍ فَبَعْدَهُ وَحُكِيَ عَنْ  مَالِكٍ  أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ  لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ  لِلزِّيَادَةِ لَا لِلنَّقْصِ  وَالزِّيَادَةُ الَّتِي اخْتَلَفَ  فِيهَا كَلَامُ  أَحْمَد  هِيَ : مَا إذَا  صَلَّى خَمْسًا فَقَدْ  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيح  أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لَكِنْ هُنَاكَ  كَانَ قَدْ  نَسِيَ  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  ابْنِ مَسْعُودٍ  قَالَ :   {  صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا  فَلَمَّا انْفَتَلَ شَوَّشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ  فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟  قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ  زِيدَ  فِي الصَّلَاةِ  قَالَ : لَا  قَالُوا : فَإِنَّك قَدْ  صَلَّيْت خَمْسًا فَانْفَتَلَ  ثُمَّ  سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ  ثُمَّ سَلَّمَ  ثُمَّ  قَالَ : إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ  أَنْسَى  كَمَا تَنْسَوْنَ   }  وَفِي رِوَايَةٍ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَذْكُرُ  كَمَا تَذْكُرُونَ  وَأَنْسَى  كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا  نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ  ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ   }  .  وَلِلْبُخَارِيِّ  عَنْ  ابْنِ مَسْعُودٍ   {  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا  فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ   }  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  ابْنِ مَسْعُودٍ   {  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ   }  .  فَهَذَا الْمَوْضِعُ اخْتَلَفَ  فِيهِ كَلَامُ  أَحْمَد  : هَلْ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ  كَمَا  سَجَدَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ؟ أَمْ يَسْجُدُ قَبْلَهُ إذَا  ذَكَرَ قَبْلَ السَّلَامِ ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إنَّمَا  سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى سَلَّمَ وَذَكَّرُوهُ  عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ  مُخْتَصًّا بِمَوْرِدِ النَّصِّ  كَمَا  قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ  كَأَبِي حَنِيفَةَ  وَمَالِكٍ  وَغَيْرِهِمَا .  كَمَا لَا يَكُونُ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ  مُخْتَصًّا بِمَوْرِدِ النَّصِّ .  كَمَا  قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ :  أَبُو حَنِيفَةَ  وَمَالِكٌ  وَغَيْرُهُمَا ; بَلْ الصَّوَابُ  أَنَّ السُّجُودَ بَعْضُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْضُهُ بَعْدَهُ  كَمَا ثَبَتَتْ  بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ .  وَمَنْ  قَالَ : كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ  الزُّهْرِيِّ  كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَدْ ادَّعَى النَّسْخَ وَهُوَ ضَعِيفٌ  فَإِنَّ السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ  فِي حَدِيثِ  ذِي الْيَدَيْنِ  فَمَالِكٌ  وَالشَّافِعِيُّ  وَالْجُمْهُورُ  يَقُولُونَ : إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخِ وَإِنَّمَا يَقُولُ : إنَّهُ مَنْسُوخٌ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ  الزُّهْرِيِّ  إنَّ  ذِي الْيَدَيْنِ  مَاتَ قَبْلَ   بَدْرٍ  وَإِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ  كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً . فَقَوْلُ  الزُّهْرِيِّ  بِنَسْخِهِ مَبْنِيٌّ  عَلَى  هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ  فَإِنَّ  أَبَا هُرَيْرَةَ  صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ  ذِي الْيَدَيْنِ  وَإِنَّمَا  أَسْلَمَ  عَامَ   خَيْبَرَ  فَاَلَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ  الزُّهْرِيِّ  هُنَا قَدْ رَدُّوا قَوْلَهُ بِالنَّسْخِ هُنَاكَ وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِنَسْخِ حَدِيثِ  ذِي الْيَدَيْنِ  هُمْ يَأْمُرُونَ بِالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فَكُلٌّ  مِنْ  الطَّائِفَتَيْنِ ادَّعَتْ  نَسْخَ الْحَدِيثِ فِيمَا يُخَالِفُ قَوْلَهَا  بِلَا حُجَّةٍ وَالْحَدِيثُ مُحْكَمٌ  فِي  أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ  وَفِي  أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لَيْسَ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مُعَارِضٌ يَنْسَخُهُ . وَأَيْضًا فَالنَّسْخُ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يُنَاقِضُ الْمَنْسُوخَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَمْ يَنْقُلْ  مُسْلِمٌ  أَنَّهُ  نَهَى عَنْ  ذَلِكَ  فَبَطَلَ النَّسْخُ . وَإِذَا  قِيلَ : إنَّهُ  سَجَدَ بَعْدَ  ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ  فَإِنْ  كَانَ  فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ  كَمَا  فِي حَدِيثِ  ابْنِ  بحينة  لَمَّا قَامَ  مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ  وَفِي حَدِيثِ الشَّكِّ  فَلَا  مُنَافَاةَ ;  لَكِنَّ  هَذَا الظَّانَّ  ظَنَّ  أَنَّهُ إذَا  سَجَدَ  فِي صُورَةٍ قَبْلَ السَّلَامِ  كَانَ  هَذَا نَسْخًا لِلسُّجُودِ بَعْدَهُ  فِي صُورَةٍ أُخْرَى  وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ  فِي صُورَةٍ  وَاحِدَةٍ  أَنَّهُ  سَجَدَ تَارَةً قَبْلَ السَّلَامِ وَتَارَةً بَعْدَهُ وَلَوْ نُقِلَ  ذَلِكَ  لَدَلَّ  عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ فَدَعْوَى النَّسْخِ  فِي  هَذَا الْبَابِ بَاطِلٌ . وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ بِأَمْرِهِ بِالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ  فِي صُورَةٍ وَفِعْلُهُ لَهُ مِمَّا لَا يُنَاقِضُ  ذَلِكَ وَمَنْ  قَالَ : السُّجُودُ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَاحْتَجَّ بِمَا  فِي السُّنَنِ  مِنْ حَدِيثِ  ثوبان  :   {   لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ   }  فَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ  مِنْ رِوَايَةِ  ابْنِ عَيَّاشٍ  عَنْ   أَهْلِ   الْحِجَازِ  .  وَذَلِكَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ  ابْنِ جَعْفَرٍ   {   مَنْ  شَكَّ  فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ   }  فَفِيهِ  ابْنُ  أَبِي لَيْلَى  قَالَ  الْأَثْرَمُ  لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَعَ  أَنَّ  هَذَا قَدْ يَكُونُ مِثْلَ حَدِيثِ  ابْنِ مَسْعُودٍ   {   وَإِذَا  شَكَّ فَيَتَحَرَّى   }  وَيَكُونُ  هَذَا مُخْتَصَرًا  مِنْ ذَاكَ . وَمِثْلُ  هَذَا لَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ ; حَدِيثَ  أَبِي سَعِيدٍ  فِي الشَّكِّ   {  أَنَّهُ  أَمَرَ بِسَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ   }  وَحَدِيثَ  ابْن  بحينة  الَّذِي  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  الَّذِي هُوَ أَصْلٌ  مِنْ أُصُولِ مَسَائِلِ السَّهْوِ  لَمَّا  تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ  وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُبَيِّنُ ضَعْفَ قَوْلِ كُلِّ مَنْ عَمَّمَ  فَجَعَلَهُ كُلَّهُ قَبْلَهُ أَوْ  جَعَلَهُ كُلَّهُ بَعْدَهُ .  بَقِيَ التَّفْصِيلُ .  فَيُقَالُ : الشَّارِعُ حَكِيمٌ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ  بِلَا فَرْقٍ  فَلَا يَجْعَلُ بَعْضَ السُّجُودِ بَعْدَهُ وَبَعْضَهُ قَبْلَهُ إلَّا لِفِرَقِ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ  الْقِيَاسُ يَقْتَضِي  أَنَّهُ كُلُّهُ قَبْلَهُ لَكِنْ خُولِفَ  الْقِيَاسُ  فِي مَوَاضِعَ لِلنَّصِّ فَبَقِيَ فِيمَا  عَدَاهُ  عَلَى  الْقِيَاسِ ; يَحْتَاجُ  فِي  هَذَا إلَى شَيْئَيْنِ إلَى أَنْ يُبَيِّنَ الدَّلِيلَ الْمُقْتَضِيَ لِكَوْنِهِ كُلِّهِ قَبْلَهُ  ثُمَّ إلَى بَيَانِ  أَنَّ صُورَةَ الِاسْتِثْنَاءِ اخْتَصَّتْ بِمَعْنَى يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا .  وَإِلَّا فَإِذَا  كَانَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلسُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ شَامِلًا لِلْجَمِيعِ امْتَنَعَ  مِنْ الشَّارِعِ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ  ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ  وَإِنْ  كَانَ قَدْ فَرَّقَ لِمَعْنَى  فَلَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ الْمَعْنَى  مُخْتَصًّا بِصُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا اسْتَثْنَى وَبَيْنَ مَا اسْتَبْقَى  كَانَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ .  وَإِذَا  قَالَ : عَلِمْت  أَنَّ الْمُوجِبَ لِلسُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ عَامٌّ لَكِنْ  لَمَّا اسْتَثْنَى النَّصَّ مَا اسْتَثْنَاهُ عَلِمْت وُجُودَ الْمَعْنَى الْمُعَارِضَ  فِيهِ . فَيُقَالُ لَهُ :  فَمَا لَمْ يَرِدْ  فِيهِ نَصٌّ  جَازَ أَنْ  يَكُونَ  فِيهِ الْمُوجِبُ لِمَا قَبْلَ السَّلَامِ  وَجَازَ أَنْ  يَكُونَ  فِيهِ الْمُوجِبُ لِمَا بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّك لَا تَعْلَمُ  أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي  أَوْجَبَ كَوْنَ تِلْكَ الصُّوَرِ بَعْدَ السَّلَامِ مُنْتَفِيًا عَنْ غَيْرِهَا وَمَعَ كَوْنِ نَوْعٍ  مِنْ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ يَمْتَنِعُ أَنْ  يَكُونَ الْمُوجِبُ التَّامُّ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ عَامًّا  فَمَا بَقِيَ  مَعَك مَعْنًى عَامٌّ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ  فِي الْجَزْمِ بِأَنَّ الْمَشْكُوكَ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ  مُخْتَصٌّ بِمَوْرِدِ النَّصِّ فَنَفْيُ التَّفْرِيقِ قَوْلٌ  بِلَا دَلِيلٍ يُوجِبُ الْفَرْقَ وَهُوَ قَوْلٌ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ  مِنْ غَيْرِ بَيَانِ  فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ الْمَحْضُ الَّذِي لَمْ يَتَبَيَّنْ  فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ وَغَيْرِهَا .  وَحِينَئِذٍ  فَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الْفَرْقُ بَيْنَ  الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَبَيْنَ الشَّكِّ مَعَ التَّحَرِّي وَالشَّكِّ مَعَ الْبِنَاءِ  عَلَى الْيَقِينِ .  وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ  أَحْمَد  وَقَوْلُ  مَالِكٍ  قَرِيبٌ مِنْهُ وَلَيْسَ مِثْلَهُ  فَإِنَّ  هَذَا مَعَ مَا  فِيهِ  مِنْ اسْتِعْمَالِ النُّصُوصِ كُلِّهَا :  فِيهِ الْفَرْقُ الْمَعْقُولُ ;  وَذَلِكَ  أَنَّهُ إذَا  كَانَ  فِي نَقْصٍ كَتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ احْتَاجَتْ الصَّلَاةُ إلَى جَبْرٍ وَجَابِرُهَا يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ لِتَتِمَّ  بِهِ الصَّلَاةُ  فَإِنَّ السَّلَامَ هُوَ تَحْلِيلٌ  مِنْ الصَّلَاةِ .  وَإِذَا  كَانَ  مِنْ  زِيَادَةٍ كَرَكْعَةِ لَمْ يَجْمَعْ  فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ  زِيَادَتَيْنِ بَلْ يَكُونُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ ; لِأَنَّهُ إرْغَامٌ  لِلشَّيْطَانِ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ مُسْتَقِلَّةٍ جَبَرَ بِهَا  نَقْصَ صَلَاتِهِ  فَإِنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  جَعَلَ السَّجْدَتَيْنِ كَرَكْعَةِ .  وَكَذَلِكَ إذَا  شَكَّ وَتَحَرَّى فَإِنَّهُ  أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَإِنَّمَا السَّجْدَتَانِ لِتَرْغِيمِ  الشَّيْطَانِ فَيَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ .  وَمَالِكٌ  لَا يَقُولُ بِالتَّحَرِّي وَلَا بِالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ  فِيهِ .  وَكَذَلِكَ إذَا  سَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ صَلَاتِهِ  ثُمَّ  أَكْمَلَهَا  فَقَدْ  أَتَمَّهَا وَالسَّلَامُ مِنْهَا  زِيَادَةٌ وَالسُّجُودُ  فِي  ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ ;  لِأَنَّهُ إرْغَامٌ  لِلشَّيْطَانِ  .  وَأَمَّا إذَا  شَكَّ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الرَّاجِحُ فَهُنَا إمَّا أَنْ  يَكُونَ  صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا  فَإِنْ  كَانَ  صَلَّى خَمْسًا فَالسَّجْدَتَانِ يَشْفَعَانِ لَهُ صَلَاتَهُ لِيَكُونَ  كَأَنَّهُ قَدْ  صَلَّى سِتًّا لَا خَمْسًا  وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ  وَمَالِكٌ  هُنَا يَقُولُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ .  فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي نَصَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ  فِيهِ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ لَا يُتْرَكُ مِنْهَا حَدِيثٌ مَعَ اسْتِعْمَالِ  الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ فِيمَا لَمْ يَرِدْ  فِيهِ نَصٌّ وَإِلْحَاقُ مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصِ بِمَا يُشْبِهُهُ  مِنْ الْمَنْصُوصِ .  وَمِمَّا يُوَضِّحُ  هَذَا  أَنَّهُ إذَا  كَانَ مَعَ السَّلَامِ سَهْوٌ  سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ  فَيُقَالُ :  إذَا   زَادَ غَيْرَ السَّلَامِ  مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ كَرَكْعَةِ سَاهِيًا أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ سَاهِيًا  فَهَذِهِ  زِيَادَةٌ لَوْ تَعَمَّدَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَالسَّلَامِ فَإِلْحَاقُهَا بِالسَّلَامِ  أَوْلَى  مِنْ إلْحَاقِهَا بِمَا إذَا  تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ  شَكَّ وَبَنَى  عَلَى الْيَقِينِ  . وَقَوْلُ  الْقَائِلِ : إنَّ السُّجُودَ  مِنْ  شَأْنِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ  يُقَالُ لَهُ : لَوْ  كَانَ  هَذَا صَحِيحًا  لَوَجَبَ أَنْ  يَكُونَ كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ  فَلَمَّا  ثَبَتَ  أَنَّ بَعْضَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عُلِمَ  أَنَّهُ لَيْسَ جِنْسُهُ  مِنْ  شَأْنِ الصَّلَاةِ الَّذِي يَقْضِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ .  وَهَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ : السُّجُودُ لَيْسَ  مِنْ مُوجِبِ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ  فَإِنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا  أَوْجَبَ الصَّلَاةَ السَّلِيمَةَ وَهَذِهِ الْأُمُورُ دَعَاوَى لَا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ ; بَلْ  يُقَالُ التَّحْرِيمُ  أَوْجَبَ السُّجُودَ الَّذِي يُجْبَرُ  بِهِ الصَّلَاةُ .  وَيُقَالُ :  مِنْ السُّجُودِ مَا يَكُونُ جَبْرُهُ لِلصَّلَاةِ إذَا  كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ ;  لِئَلَّا يَجْتَمِعَ  فِيهَا  زِيَادَتَانِ وَلِأَنَّهُ مَعَ تَمَامِ الصَّلَاةِ إرْغَامٌ  لِلشَّيْطَانِ  وَمُعَارَضَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ  فَإِنَّهُ قَصَدَ  نَقْصَ صَلَاةِ الْعَبْدِ بِمَا  أَدْخَلَ  فِيهَا  مِنْ  الزِّيَادَةِ  فَأَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يُرْغِمَهُ فَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْنِ  زَائِدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ لِيَكُونَ  زِيَادَةً  فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَالسُّجُودِ لِلَّهِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ الَّذِي  أَرَادَ  الشَّيْطَانُ أَنْ يُنْقِصَهُ  عَلَى الْعَبْدِ فَأَرَادَ  الشَّيْطَانُ أَنْ يُنْقِصَ  مِنْ  حَسَنَاتِهِ  فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَأَنْ يُرْغِمَ  الشَّيْطَانَ  وَعَفَا اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ  عَمَّا  زَادَهُ  فِي الصَّلَاةِ نِسْيَانًا :  مِنْ سَلَامٍ وَرَكْعَةٍ  زَائِدَةٍ وَغَيْرِ  ذَلِكَ  فَلَا يَأْثَمُ  بِذَلِكَ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ تَقَرُّبُهُ نَاقِصًا لِنَقْصِهِ فِيمَا يَنْسَاهُ  فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكْمِلَ  ذَلِكَ بِسَجْدَتَيْنِ  زَائِدَتَيْنِ  عَلَى الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ .