مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
مِمَّا جَرَى فِي الْمَجَالِسِ الثَّلَاثَةِ الْمَعْقُودَةِ لِلْمُنَاظَرَةِ فِي أَمْرِ الِاعْتِقَادِ وَطَلَبَ الْأَمِيرُ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَبٌ مِنْهُ فَقُلْت : هَذَا الَّذِي يَحْكِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ صَوْتَ الْقَارِئِينَ وَمِدَادَ الْمَصَاحِفِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ - كَمَا نَقَلَهُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيبِ وَغَيْرُهُ - كَذِبٌ مُفْتَرًى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحْمَدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَلَا غَيْرِهِمْ وَأَخْرَجْت كُرَّاسًا قَدْ أَحْضَرْته مَعَ الْعَقِيدَةِ فِيهِ أَلْفَاظُ أَحْمَدَ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَا جَمَعَهُ صَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ المروذي مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَكَلَامِ أَئِمَّةِ زَمَانِهِ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ : أَنَّ مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ : فَهُوَ جهمي وَمَنْ قَالَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ : فَهُوَ مُبْتَدِعٌ . قُلْت : وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ : إنَّهُ يَقُولُ بِهِ . قُلْت : فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ : لَفْظِيٌّ قَدِيمٌ ؟ فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ : صَوْتِي غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؟ فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ : صَوْتِيٌّ قَدِيمٌ ؟ وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَكَلُّمِ اللَّهِ بِصَوْتِ وَبَيْنَ صَوْتِ الْعَبْدِ كَمَا نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ الصَّحِيحِ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَأَحْضَرْت جَوَابَ مَسْأَلَةٍ كُنْت سُئِلْت عَنْهَا قَدِيمًا فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَةِ " الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ " وَمَسْأَلَةِ " الظَّاهِرِ فِي الْعَرْشِ " فَذَكَرْت مِنْ الْجَوَابِ الْقَدِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِيهَا وَأَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْحَرْفُ وَالصَّوْتُ أَوْ لَيْسَ بِحَرْفِ وَلَا صَوْتٍ : كِلَاهُمَا بِدْعَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ وَقُلْت : هَذَا جَوَابِي . وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ : قَدْ أَرْسَلَ بِهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُعَانِدِينَ الْمُتَجَهِّمَةِ مِمَّنْ كَانَ بَعْضُهُمْ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَلَمَّا وَصَلَ إلَيْهِمْ الْجَوَابُ أَسْكَتَهُمْ وَكَانُوا قَدْ ظَنُّوا أَنِّي إنْ أَجَبْت بِمَا فِي ظَنِّهِمْ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَقُولُهُ : حَصَلَ مَقْصُودُهُمْ مِنْ الشَّنَاعَةِ وَإِنْ أَجَبْت بِمَا يَقُولُونَهُ هُمْ : حَصَلَ مَقْصُودُهُمْ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فَلَمَّا أُجِيبُوا بِالْفُرْقَانِ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَيْسَ هُوَ مَا يَقُولُونَهُ هُمْ وَلَا مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إذْ قَدْ يَقُولُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ بُهِتُوا لِذَلِكَ وَفِيهِ : أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَلَامُ اللَّهِ حُرُوفَهُ وَمَعَانِيَهُ لَيْسَ الْقُرْآنُ اسْمًا لِمُجَرَّدِ الْحُرُوفِ وَلَا لِمُجَرَّدِ الْمَعَانِي . وَقُلْت فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ لِصَدْرِ الدِّينِ بْنِ الْوَكِيلِ - لِبَيَانِ كَثْرَةِ تَنَاقُضِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى مَقَالَةٍ ; وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الْفِتَنِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ - عِنْدِي عَقِيدَةٌ لِلشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ . فِيهَا أَنَّ مَنْ قَالَ : إنَّ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ . وَقَدْ كَتَبْت عَلَيْهَا بِخَطِّك أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ وَأَنَّك تَدِينُ اللَّهَ بِهَا فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزملكاني ذَلِكَ . فَقَالَ ابْنُ الْوَكِيلِ : هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ . وَرَاجَعَهُ فِي ذَلِكَ مِرَارًا فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي : ذَكَرَ لِابْنِ الْوَكِيلِ أَنَّ ابْنَ دِرْبَاسٍ نَقَلَ فِي كِتَابِ الِانْتِصَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ مَا نَقَلْت فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ : أَعَادَ ابْنُ الْوَكِيلِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ . فَقَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ لِصَدْرِ الدِّينِ بْنِ الْوَكِيلِ : قَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ : أَنَّهُ مَنْ قَالَ إنَّ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ فَأَعَادَهُ مِرَارًا فَغَضِبَ هُنَا الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ غَضَبًا شَدِيدًا وَرَفَعَ صَوْتَهُ . وَقَالَ : هَذَا يُكَفِّرُ أَصْحَابَنَا الْمُتَكَلِّمِينَ الْأَشْعَرِيَّةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ حُرُوفَ الْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ مِثْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ وَمَا نَصْبِرُ عَلَى تَكْفِيرِ أَصْحَابِنَا . فَأَنْكَرَ ابْنُ الْوَكِيلِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ . وَقَالَ : مَا قُلْت ذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْت أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ . فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ وَقَالُوا : مَا قُلْت إلَّا كَذَا وَكَذَا وَقَالُوا : مَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ قَوْلًا وَتَرْجِعَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا قَالَ هَذَا . فَلَمَّا حَرَّفُوا : قَالَ مَا سَمِعْنَاهُ قَالَ هَذَا حَتَّى قَالَ نَائِبُ السُّلْطَانِ : وَاحِدٌ يَكْذِبُ وَآخَرُ يَشْهَدُ وَالشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ مُغْضَبٌ فَالْتَفَتَ إلَى قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمِ الدِّينِ الشَّافِعِيِّ يَسْتَصْرِخُهُ لِلِانْتِصَارِ عَلَى ابْنِ الْوَكِيلِ حَيْثُ كَفَّرَ أَصْحَابَهُ . فَقَالَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ : مَا سَمِعْت هَذَا . فَغَضِبَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ وَقَالَ كَلَامًا لَمْ أَضْبِطْ لَفْظَهُ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ هَذَا غَضَاضَةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَعَارٌ عَلَيْهِمْ أَنَّ أَئِمَّتَهُمْ يُكَفَّرُونَ وَلَا يُنْتَصَرُ لَهُمْ . وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ مَا قَالَ فِي حَقِّ الْقَاضِي نَجْمِ الدِّينِ وَاسْتَثْبَتَ غَيْرِي مِمَّنْ حَضَرَ هَلْ سَمِعَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ شَيْئًا ؟ فَقَالُوا : لَا . لَكِنَّ الْقَاضِيَ اعْتَقَدَ أَنَّ التَّعْيِيرَ لِأَجْلِهِ وَلِكَوْنِهِ قَاضِيَ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَنْتَصِرْ لِأَصْحَابِهِ وَأَنَّ الشَّيْخَ كَمَالَ الدِّينِ قَصْدُهُ ذَلِكَ . فَغَضِبَ قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمُ الدِّينِ . وَقَالَ : اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي عَزَلْت نَفْسِي وَأَخَذَ يَذْكُرُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّقْدِيمَ وَالِاسْتِحْقَاقَ وَعِفَّتَهُ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي أَعْرَاضِ الْجَمَاعَةِ وَيَسْتَشْهِدُ بِنَائِبِ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ . وَقُلْت لَهُ كَلَامًا مَضْمُونُهُ تَعْظِيمُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ لِدَوَامِ الْمُبَاشَرَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ . وَلَمَّا جَاءَتْ مَسْأَلَةُ الْقُرْآنِ : " وَمِنْ الْإِيمَانِ بِهِ الْإِيمَانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ . غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ " نَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي كَوْنِهِ " مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ " وَطَلَبُوا تَفْسِيرَ ذَلِكَ . فَقُلْت : أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ : فَهُوَ الْمَأْثُورُ الثَّابِتُ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : " أَدْرَكْت النَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ : اللَّهُ الْخَالِقُ وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ إلَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ " . وَقَدْ جَمَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَالْحَافِظِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ وَالْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ المقدسي وَأَمَّا مَعْنَاهُ : فَإِنَّ قَوْلَهُمْ : مِنْهُ بَدَأَ . أَيْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنْ لَدُنْهُ لَيْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُ الجهمية : أَنَّهُ خُلِقَ فِي الْهَوَى أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بَدَأَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ . وَأَمَّا إلَيْهِ يَعُودُ : فَإِنَّهُ يَسْرِي بِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ فَلَا يَبْقَى فِي الصُّدُورِ مِنْهُ كَلِمَةٌ وَلَا فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهُ حَرْفٌ وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ غَالِبُ الْحَاضِرِينَ وَسَكَتَ الْمُنَازِعُونَ . وَخَاطَبْت بَعْضَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَجْلِسِ بِأَنْ أَرَيْته الْعَقِيدَةَ الَّتِي جَمَعَهَا الْإِمَامُ الْقَادِرِيُّ الَّتِي فِيهَا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ خَرَجَ مِنْهُ فَتَوَقَّفَ فِي هَذَا اللَّفْظِ . فَقُلْت : هَكَذَا قَالَ النَّبِيُّ : " { مَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ } يَعْنِي الْقُرْآنَ وَقَالَ خباب بْنُ الْأَرَتِّ : يَا هَنَتَاهُ تَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْت فَلَنْ يُتَقَرَّبَ إلَيْهِ بِشَيْءِ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - لَمَّا قَرَأَ قُرْآنَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ - إنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إلٍّ - يَعْنِي رَبٍّ - . وَجَاءَ فِيهَا : وَمِنْ الْإِيمَانِ بِهِ : الْإِيمَانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَأَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ - الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً لَا كَلَامُ غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ عِبَارَةٌ بَلْ إذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي الْمَصَاحِفِ : لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ اللَّهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لَا إلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا فتمعض بَعْضُهُمْ مِنْ إثْبَاتِ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ حَقِيقَةً بَعْدَ تَسْلِيمِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً . ثُمَّ إنَّهُ سَلَّمَ ذَلِكَ لَمَّا بُيِّنَ لَهُ أَنَّ الْمَجَازَ يَصِحُّ نَفْيُهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ وَلَمَّا بُيِّنَ لَهُ أَنَّ أَقْوَالَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَأْثُورَةَ عَنْهُمْ وَشِعْرَ الشُّعَرَاءِ الْمُضَافَ إلَيْهِمْ : هُوَ كَلَامُهُمْ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ نِسْبَةُ الْقُرْآنِ إلَى اللَّهِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ . فَوَافَقَ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً لَا كَلَامُ غَيْرِهِ . وَلَمَّا ذَكَرَ فِيهَا : أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لَا إلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا : اسْتَحْسَنُوا هَذَا الْكَلَامَ وَعَظَّمُوهُ وَأَخَذَ أَكْبَرُ الْخُصُومِ يُظْهِرُ تَعْظِيمَ هَذَا الْكَلَامِ كَابْنِ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ وَأَظْهَرَ الْفَرَحَ بِهَذَا التَّلْخِيصِ وَقَالَ : إنَّك قَدْ أَزَلْت عَنَّا هَذِهِ الشُّبْهَةَ وَشَفَيْت الصُّدُورَ وَيَذْكُرُ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ . وَلَمَّا جَاءَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَفْصِيلِهِ وَنَظْمِهِ : اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَعَظَّمُوهُ .