تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
مِمَّا جَرَى فِي الْمَجَالِسِ الثَّلَاثَةِ الْمَعْقُودَةِ لِلْمُنَاظَرَةِ فِي أَمْرِ الِاعْتِقَادِ ( فَصْلٌ ) : فَلَمَّا كَانَ الْمَجْلِسُ الثَّانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجَبٍ وَقَدْ أَحْضَرُوا أَكْثَرَ شُيُوخِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا ذَلِكَ الْمَجْلِسَ وَأَحْضَرُوا مَعَهُمْ زِيَادَةً " صَفِيَّ الدِّينِ الْهِنْدِيَّ وَقَالُوا : هَذَا أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ وَشَيْخُهُمْ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَبَحَثُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَاتَّفَقُوا وَتَوَاطَئُوا وَحَضَرُوا بِقُوَّةِ وَاسْتِعْدَادٍ غَيْرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ , لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْأَوَّلَ أَتَاهُمْ بَغْتَةً وَإِنْ كَانَ أَيْضًا بَغْتَةً لِلْمُخَاطَبِ الَّذِي هُوَ الْمَسْئُولُ وَالْمُجِيبُ وَالْمُنَاظِرُ . فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا : وَقَدْ أَحْضَرْت مَا كَتَبْته مِنْ الْجَوَابِ عَنْ أَسْئِلَتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّذِي طَلَبُوا تَأْخِيرَهُ إلَى الْيَوْمِ : حَمِدْت اللَّهَ بِخُطْبَةِ الْحَاجَةِ , خُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قُلْت : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف وَنَهَانَا عَنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ . وَقَالَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } وَقَالَ : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } . وَرَبُّنَا وَاحِدٌ وَكِتَابُنَا وَاحِدٌ وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ وَأُصُولُ الدِّينِ لَا تَحْتَمِلُ التَّفَرُّقَ وَالِاخْتِلَافَ وَأَنَا أَقُولُ مَا يُوجِبُ الْجَمَاعَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ السَّلَفِ فَإِنْ وَافَقَ الْجَمَاعَةَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِلَّا فَمَنْ خَالَفَنِي بَعْدَ ذَلِكَ : كَشَفْت لَهُ الْأَسْرَارَ وَهَتَكْت الْأَسْتَارَ وَبَيَّنْت الْمَذَاهِبَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي أَفْسَدَتْ الْمِلَلَ وَالدُّوَلَ وَأَنَا أَذْهَبُ إلَى سُلْطَانِ الْوَقْتِ عَلَى الْبَرِيدِ وَأُعَرِّفُهُ مِنْ الْأُمُورِ مَا لَا أَقُولُهُ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ فَإِنَّ لِلسِّلْمِ كَلَامًا وَلِلْحَرْبِ كَلَامًا . وَقُلْت : لَا شَكَّ أَنَّ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ يَقُولُ هَذَا أَنَا حَنْبَلِيٌّ وَيَقُولُ هَذَا أَنَا أَشْعَرِيٌّ وَيَجْرِي بَيْنَهُمْ تَفَرُّقٌ وَفِتَنٌ وَاخْتِلَافٌ عَلَى أُمُورٍ لَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَتَهَا . وَأَنَا قَدْ أَحْضَرْت مَا يُبَيِّنُ اتِّفَاقَ الْمَذَاهِبِ فِيمَا ذَكَرْته وَأَحْضَرْت ( كِتَابَ تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي فِيمَا يُنْسَبُ إلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَأْلِيفُ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . وَقُلْت : لَمْ يُصَنَّفْ فِي أَخْبَارِ الْأَشْعَرِيِّ الْمَحْمُودَةِ كِتَابٌ مِثْلُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ لَفْظَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ " الْإِبَانَةِ " . فَلَمَّا انْتَهَيْت إلَى ذِكْرِ الْمُعْتَزِلَةِ : سَأَلَ الْأَمِيرُ عَنْ مَعْنَى الْمُعْتَزِلَةِ فَقُلْت : كَانَ النَّاسُ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْفَاسِقِ الملي وَهُوَ أَوَّلُ اخْتِلَافٍ حَدَثَ فِي الْمِلَّةِ هَلْ هُوَ كَافِرٌ أَوْ مُؤْمِنٌ ؟ فَقَالَتْ الْخَوَارِجُ : إنَّهُ كَافِرٌ . وَقَالَتْ الْجَمَاعَةُ : إنَّهُ مُؤْمِنٌ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : نَقُولُ هُوَ فَاسِقٌ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ نُنَزِّلُهُ مَنْزِلَةً بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَخَلَّدُوهُ فِي النَّارِ وَاعْتَزَلُوا حَلَقَةَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَصْحَابِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَسُمُّوا مُعْتَزِلَةً . وَقَالَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ بِجُبَّتِهِ وَرِدَائِهِ : لَيْسَ كَمَا قُلْت وَلَكِنَّ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ وَسُمِّيَ الْمُتَكَلِّمُونَ مُتَكَلِّمِينَ لِأَجْلِ تَكَلُّمِهِمْ فِي ذَلِكَ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ثُمَّ خَلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَطَاءُ بْنُ وَاصِلٍ هَكَذَا قَالَ وَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ هَذَا . فَغَضِبْت عَلَيْهِ وَقُلْت : أَخْطَأْت وَهَذَا كَذِبٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ . وَقُلْت لَهُ : لَا أَدَبَ وَلَا فَضِيلَةَ لَا تَأَدَّبْت مَعِي فِي الْخِطَابِ وَلَا أَصَبْت فِي الْجَوَابِ ثُمَّ قُلْت : النَّاسُ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ فِي خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ وَبَعْدَهَا فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرِ فِي زَمَنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ أُولَئِكَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَلَا تَنَازَعُوا فِيهَا وَإِنَّمَا أَوَّلُ بِدْعَتِهِمْ تَكَلُّمُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعِيدِ . فَقَالَ : هَذَا ذَكَرَهُ الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ . فَقُلْت : الشِّهْرِسْتَانِيّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي اسْمِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمَ سُمُّوا مُتَكَلِّمِينَ ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي اسْمِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَمِيرُ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ اسْمِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَنْكَرَ الْحَاضِرُونَ عَلَيْهِ وَقَالُوا : غَلِطْت . وَقُلْت : فِي ضِمْنِ كَلَامِي أَنَا أَعْلَمُ كُلَّ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَهَا وَمَا كَانَ سَبَبَ ابْتِدَاعِهَا . وَأَيْضًا فَمَا ذَكَرَهُ الشِّهْرِسْتَانِيّ لَيْسَ بِصَحِيحِ فِي اسْمِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ قَبْلَ مُنَازَعَتِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَكَانُوا يَقُولُونَ عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَطَاءٍ : إنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَيَصِفُونَهُ بِالْكَلَامِ وَلَمْ يَكُنْ النَّاسُ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ . وَقُلْت أَنَا وَغَيْرِي : إنَّمَا هُوَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ أَيْ : لَا عَطَاءُ بْنُ وَاصِلٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ قُلْت : وَوَاصِلٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ مَوْتِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ قَرِينَهُ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ وَاصِلًا تَكَلَّمَ مَرَّةً بِكَلَامِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ : لَوْ بُعِثَ نَبِيٌّ مَا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا وَفَصَاحَتُهُ مَشْهُورَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ كَانَ أَلْثَغَ وَكَانَ يَحْتَرِزُ عَنْ الرَّاءِ حَتَّى قِيلَ لَهُ : أَمَرَ الْأَمِيرُ أَنْ يُحْفَرَ بِئْرٌ . فَقَالَ : أَوْعَزَ الْقَائِدُ أَنْ يُقْلَبَ قَلِيبٌ فِي الْجَادَّةِ . وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ إلَى مَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ : قَالَ الشَّيْخُ الْمُقَدَّمُ فِيهِمْ لَا رَيْبَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إمَامٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَمِنْ أَكْبَرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ قَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أُنَاسٌ ابْتَدَعُوا أَشْيَاءَ . فَقُلْت : أَمَّا هَذَا فَحَقٌّ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ أَحْمَدَ بَلْ مَا مِنْ إمَامٍ إلَّا وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أَقْوَامٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ قَدْ انْتَسَبَ إلَى مَالِكٍ أُنَاسٌ مَالِكٌ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَانْتَسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَانْتَسَبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَقَدْ انْتَسَبَ إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَانْتَسَبَ إلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَقَدْ انْتَسَبَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَنَبِيُّنَا قَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مَنْ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُنَافِقِينَ مَنْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ . وَذَكَرَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ انْتَسَبَ إلَى أَحْمَدَ نَاسٌ مِنْ الْحَشْوِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ . فَقُلْت : الْمُشَبِّهَةُ وَالْمُجَسِّمَةُ فِي غَيْرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِيهِمْ هَؤُلَاءِ أَصْنَافُ الْأَكْرَادِ كُلُّهُمْ شَافِعِيَّةٌ وَفِيهِمْ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ مَا لَا يُوجَدُ فِي صِنْفٍ آخَرَ وَأَهْلُ جِيلَانَ فِيهِمْ شَافِعِيَّةٌ وَحَنْبَلِيَّةٌ . قُلْت : وَأَمَّا الْحَنْبَلِيَّةُ الْمَحْضَةُ فَلَيْسَ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي غَيْرِهِمْ . وَكَانَ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ أَنَّ الكرامية الْمُجَسِّمَةَ كُلَّهُمْ حَنَفِيَّةٌ وَتَكَلَّمْت عَلَى لَفْظِ الْحَشْوِيَّةِ - مَا أَدْرِي جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِ جَوَابٍ - فَقُلْت : هَذَا اللَّفْظُ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ الْحَشْوَ كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ وَحَشْوُ النَّاسِ : هُمْ عُمُومُ النَّاسِ وَجُمْهُورُهُمْ وَهُمْ غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزِينَ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ حَشْوِ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ هَذَا مِنْ جُمْهُورِهِمْ . وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَقَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَشْوِيًّا : فَالْمُعْتَزِلَةُ سَمَّوْا الْجَمَاعَةَ حَشْوًا كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ . وَقُلْت - لَا أَدْرِي فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي - أَوَّلُ مَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ جِسْمٌ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ الرافضي . وَقُلْت لِهَذَا الشَّيْخِ : مَنْ فِي أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَشْوِيٌّ بِالْمَعْنَى الَّذِي تُرِيدُهُ ؟ الْأَثْرَمُ أَبُو داود المروذي الْخَلَّالُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ بْنُ حَامِدٍ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ عَقِيلٍ ؟ وَرَفَعْت صَوْتِي وَقُلْت : سَمِّهِمْ قُلْ لِي مِنْهُمْ ؟ مَنْ هُمْ ؟ . أَبِكَذِبِ ابْنِ الْخَطِيبِ وَافْتِرَائِهِ عَلَى النَّاسِ فِي مَذَاهِبِهِمْ تَبْطُلُ الشَّرِيعَةُ وَتَنْدَرِسُ مَعَالِمُ الدِّينِ ؟ كَمَا نَقَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْقُرْآنَ الْقَدِيمَ هُوَ أَصْوَاتُ الْقَارِئِينَ وَمِدَادُ الْكَاتِبِينَ وَأَنَّ الصَّوْتَ وَالْمِدَادَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ مَنْ قَالَ هَذَا ؟ وَفِي أَيِّ كِتَابٍ وُجِدَ هَذَا عَنْهُمْ ؟ قُلْ لِي . وَكَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِاللُّزُومِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَالْمُقَدِّمَةُ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُمْ وَأَخَذْت أَذْكُرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ هَذَا الشَّيْخُ مِنْ أَنَّهُ كَبِيرُ الْجَمَاعَةِ وَشَيْخُهُمْ وَأَنَّ فِيهِ مِنْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَامَلَ بِمُوجِبِهِ ; وَأَمَرْت بِقِرَاءَةِ الْعَقِيدَةِ جَمِيعِهَا عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ إنَّمَا أَحْضَرُوهُ فِي الثَّانِي انْتِصَارًا بِهِ . وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ عَنْهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ وَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْمَجْلِسِ فَقَالَ : مَا لِفُلَانِ ذَنْبٌ وَلَا لِي فَإِنَّ الْأَمِيرَ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَأَجَابَهُ عَنْهُ فَظَنَنْته سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ . وَقَالَ : قُلْت لَهُمْ أَنْتُمْ مَا لَكُمْ عَلَى الرَّجُلِ اعْتِرَاضٌ فَإِنَّهُ نَصَرَ تَرْكَ التَّأْوِيلِ وَأَنْتُمْ تَنْصُرُونَ قَوْلَ التَّأْوِيلِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلْأَشْعَرِيِّ . وَقَالَ : أَنَا أَخْتَارُ قَوْلَ تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَأَخْرَجَ وَصِيَّتَهُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا وَفِيهَا قَوْلُ تَرْكِ التَّأْوِيلِ . قَالَ الْحَاكِي لِي : فَقُلْت لَهُ : بَلَغَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت فِي آخِرِ الْمَجْلِسِ - لَمَّا أَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمُوَافَقَةِ - لَا تَكْتُبُوا عَنِّي نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا فَلِمَ ذَاكَ ؟ فَقَالَ : لِوَجْهَيْنِ : - أَحَدُهُمَا : أَنِّي لَمْ أَحْضُرْ قِرَاءَةَ جَمِيعِ الْعَقِيدَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ . وَالثَّانِي : لِأَنَّ أَصْحَابِي طَلَبُونِي لِيَنْتَصِرُوا بِي فَمَا كَانَ يَلِيقُ أَنْ أُظْهِرَ مُخَالَفَتَهُمْ فَسَكَتَ عَنْ الطَّائِفَتَيْنِ . وَأَمَرْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ يُعَادَ قِرَاءَةُ الْعَقِيدَةِ جَمِيعِهَا عَلَى هَذَا الشَّيْخِ فَرَأَى بَعْضُ الْجَمَاعَةِ أَنَّ ذَلِكَ تَطْوِيلٌ وَأَنَّهُ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ إلَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي لَهُمْ عَلَيْهِ سُؤَالٌ وَأَعْظَمُهُ لَفْظُ الْحَقِيقَةِ فَقَرَءُوهُ عَلَيْهِ ; فَذَكَرَ هُوَ بَحْثًا حَسَنًا يَتَعَلَّقُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فَحَسَّنْته وَمَدَحْته عَلَيْهِ وَقُلْت : لَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ حَيٌّ حَقِيقَةً عَلِيمٌ حَقِيقَةً سَمِيعٌ حَقِيقَةً بَصِيرٌ حَقِيقَةً وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّة والصفاتية مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ ; وَلَوْ نَازَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ : فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ وَالْمَخْلُوقَ مَوْجُودٌ وَلَفْظُ الْوُجُودِ سَوَاءٌ كَانَ مَقُولًا عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ فَقَطْ أَوْ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ الْمُتَضَمِّنِ لِلِاشْتِرَاكِ لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ بِالتَّشْكِيكِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّوَاطُؤِ . فَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ : فَاَللَّهُ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَالْمَخْلُوقُ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ مَحْذُورٌ وَلَمْ أُرَجِّحْ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ قَوْلًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْآخَرِ ; لِأَنَّ غَرَضِي تَحَصَّلَ عَلَى كُلِّ مَقْصُودِي . وَكَانَ مَقْصُودِي تَقْرِيرَ مَا ذَكَرْته عَلَى قَوْلِ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَأَنْ أُبَيِّنَ اتِّفَاقَ السَّلَفِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْت وَأَنَّ أَعْيَانَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَشْعَرِيَّ وَأَكَابِرَ أَصْحَابِهِ عَلَى مَا ذَكَرْته ; فَإِنَّهُ قَبْلَ الْمَجْلِسِ الثَّانِي : اجْتَمَعَ بِي مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ عَظُمَ خَوْفُهُمْ مِنْ هَذَا الْمَجْلِسِ وَخَافُوا انْتِصَارَ الْخُصُومِ فِيهِ وَخَافُوا عَلَى نُفُوسِهِمْ أَيْضًا مِنْ تَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ فَلَوْ أُظْهِرَتْ الْحُجَّةُ الَّتِي يَنْتَصِرُ بِهَا مَا ذَكَرْته أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِهِمْ مَنْ يُوَافِقُهَا لَصَارَتْ فِرْقَةً وَلَصَعُبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُظْهِرُوا فِي الْمَجَالِسِ الْعَامَّةِ الْخُرُوجَ عَنْ أَقْوَالِ طَوَائِفِهِمْ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَمَكُّنِ أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَغْرَاضِهِمْ . فَإِذَا كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ مَذَاهِبِهِمْ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَبَانَ أَنَّهُ مَذْهَبُ السَّلَفِ : أَمْكَنَهُمْ إظْهَارُ الْقَوْلِ بِهِ مَعَ مَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي الْبَاطِنِ . مِنْ أَنَّهُ الْحَقُّ حَتَّى قَالَ لِي بَعْضُ الْأَكَابِرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ - وَقَدْ اجْتَمَعَ بِي - لَوْ قُلْت هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ لَانْقَطَعَ النِّزَاعُ . وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ دَفْعُ الْخُصُومِ عَنْك بِأَنَّهُ مَذْهَبٌ مَتْبُوعٌ وَيَسْتَرِيحُ الْمُنْتَصِرُ وَالْمُنَازِعُ مِنْ إظْهَارِ الْمُوَافَقَةِ . فَقُلْت : لَا وَاَللَّهِ ; لَيْسَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي هَذَا اخْتِصَاصٌ وَإِنَّمَا هَذَا اعْتِقَادُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ; وَقُلْت أَيْضًا هَذَا اعْتِقَادُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ لَفْظٍ ذَكَرْته فَأَنَا أَذْكُرُ بِهِ آيَةً أَوْ حَدِيثًا أَوْ إجْمَاعًا سَلَفِيًّا وَأَذْكُرُ مَنْ يَنْقُلُ الْإِجْمَاعَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ والمتكلمين وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ . وَقُلْت لِمَنْ خَاطَبَنِي مَنْ أَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ - لِأُبَيِّنَ أَنَّ مَا ذَكَرْته هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَذْكُرُ قَوْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ الَّتِي تَرُدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخُصُومِ وَلِيَنْتَصِرَن كُلُّ شَافِعِيٍّ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ الْمُوَافِقِ لِمَذْهَبِ السَّلَفِ وَأُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْلَ الْمَحْكِيَّ عَنْهُ فِي تَأْوِيلِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ قَوْلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فللأشعرية قَوْلَانِ لَيْسَ لِلْأَشْعَرِيِّ قَوْلَانِ .