تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَنْ أَقْوَامٍ يَسْمَعُونَ الدَّاعِيَ وَلَمْ يُجِيبُوا ؟ وَفِيهِمْ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَفِيهِمْ مَنْ لَا تَرَاهُ يُصَلِّي وَيَرَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَرَوْنَهُ بِالصَّلَاةِ وَحَالُهُ لَمْ تُرْضِ اللَّهَ وَلَا رَسُولَهُ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا . فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يُوَلِّيَ عَنْهُ أَوْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ . وَأَيْضًا : هَلْ يَجُوزُ لِرَجُلِ إذَا كَانَ إمَامًا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ إلَّا نَفَرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ هُوَ يُصَلِّي فِيهِ احْتِسَابًا ؟ وَأَيْضًا إنْ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ بِأُجْرَةِ لَا مَا يَطْلُبُ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِهِ إلَّا لِأَجْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ ؟ أَفْتُونَا يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ .
1
فَأَجَابَ : الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ وَسُنَّتِهِ الْهَادِيَةِ . كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الصَّلَاةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّكُمْ لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا صَلَّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادِي بَيْنَ الرِّجَالِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ " وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالِ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ الْحَطَبِ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ : أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : أَجِبْ وَفِي رِوَايَةٍ فِي السُّنَنِ قَالَ : أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً } . وَفِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ قَالُوا : مَا الْعُذْرُ ؟ قَالَ : خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى } رَوَاهُ أَبُو داود . وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُؤَكَّدَةِ فِي الدِّينِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ : كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ عِنْدَ طَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . وَالْمُصِرُّ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ رَجُلُ سُوءٍ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُزْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ قِيلَ . إنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ . وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِسْقِ مُضَيِّعًا لِلصَّلَاةِ فَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } وَتَجِبُ عُقُوبَتُهُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَدْعُوهُ إلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ . وَمَنْ كَانَ إمَامًا رَاتِبًا فِي مَسْجِدٍ فَصَلَاتُهُ فِيهِ إذَا لَمْ تَقُمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ جَمَاعَةٍ . وَمَنْ عُرِفَ مِنْهُ التَّظَاهُرُ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُهْجَرَ وَلَا يُسَلَّمَ عَلَيْهِ تَعْزِيرًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَتُوبَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .