وَسُئِلَ   عَمَّا تُدْرَكُ  بِهِ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ  ؟ . 
				
				
				 فَأَجَابَ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ   فِيمَا تُدْرَكُ  بِهِ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ  عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا :  أَنَّهُمَا لَا يُدْرَكَانِ إلَّا بِرَكْعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ  مَالِكٍ  وَأَحْمَد  فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ  مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَجْهٌ  فِي مَذْهَبِ  الشَّافِعِيِّ  وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَيْضًا  كَأَبِي الْمَحَاسِنِ الرياني  وَغَيْرِهِ . ( وَالْقَوْلُ الثَّانِي :  أَنَّهُمَا يُدْرَكَانِ بِتَكْبِيرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ  أَبِي حَنِيفَةَ  . ( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ :  أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةِ وَالْجَمَاعَةَ تُدْرَكُ بِتَكْبِيرَةٍ  وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ  مِنْ مَذْهَبِ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  . وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ; لِوُجُوهِ : ( أَحَدُهَا  أَنَّ قَدْرَ التَّكْبِيرَةِ لَمْ يُعَلِّقْ  بِهِ الشَّارِعُ شَيْئًا  مِنْ الْأَحْكَامِ لَا  فِي الْوَقْتِ وَلَا  فِي الْجُمُعَةِ وَلَا الْجَمَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا . فَهُوَ وَصْفٌ مُلْغًى  فِي نَظَرِ الشَّارِعِ  فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ .  ( الثَّانِي :  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا عَلَّقَ الْأَحْكَامَ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فَتَعْلِيقُهَا بِالتَّكْبِيرَةِ إلْغَاءٌ لِمَا اعْتَبَرَهُ وَاعْتِبَارٌ لِمَا  أَلْغَاهُ وَكُلُّ  ذَلِكَ فَاسِدٌ فِيمَا اعْتَبَرَ  فِيهِ الرَّكْعَةَ وَعَلَّقَ الْإِدْرَاكَ بِهَا  فِي الْوَقْتِ .  فَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ :   {  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ رَكْعَةً  مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً  مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ   }  .  وَأَمَّا مَا  فِي بَعْضِ طُرُقِهِ : "   {   إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً   }  فَالْمُرَادُ بِهَا الرَّكْعَةُ التَّامَّةُ  كَمَا  فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ ;  وَلِأَنَّ الرَّكْعَةَ التَّامَّةَ تُسَمَّى بَاسِمِ الرُّكُوعِ  فَيُقَالُ : رَكْعَةٌ وَبِاسْمِ السُّجُودِ  فَيُقَالُ سَجْدَةٌ  وَهَذَا كَثِيرٌ  فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مِثْلَ  هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ .  ( الثَّالِثُ  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الْإِدْرَاكَ مَعَ الْإِمَامِ بِرَكْعَةِ وَهُوَ نَصٌّ  فِي الْمَسْأَلَةِ .  فَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  مِنْ حَدِيثِ  أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  "   {   مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً  مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ   }  وَهَذَا نَصٌّ رَافِعٌ لِلنِّزَاعِ . ( الرَّابِعُ  أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةِ  كَمَا  أَفْتَى  بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مِنْهُمْ  ابْنُ عُمَرَ  وَابْنُ مَسْعُودٍ  وَأَنَسٌ  وَغَيْرُهُمْ . وَلَا يُعْلَمُ  لَهُمْ  فِي   الصَّحَابَةِ  مُخَالِفٌ . وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ  أَنَّ  ذَلِكَ  إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ  وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ ; وَلِهَذَا  أَبُو حَنِيفَةَ  طَرَدَ  أَصْلَهُ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا  وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ وَآثَارَ   الصَّحَابَةِ  تُبْطِلُ مَا  ذَهَبَ إلَيْهِ . ( الْخَامِسُ :  أَنَّ مَا  دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يُعْتَدُّ  بِهِ  مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُهَا جَمِيعَهَا مُنْفَرِدًا  فَلَا يَكُونُ قَدْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا يُحْتَسَبُ لَهُ  بِهِ  فَلَا يَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ هُوَ وَالْإِمَامُ  فِي جُزْءٍ  مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ يُعْتَدُّ لَهُ  بِهِ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ جَمِيعًا صَلَاةَ مُنْفَرِدٍ . يُوَضِّحُ  هَذَا  أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ إلَّا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ  فِي الرُّكُوعِ وَإِذَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِمَا  فَعَلَهُ مَعَهُ مَعَ  أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مَعَهُ الْقِيَامَ  مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَجِلْسَةَ الْفَصْلِ وَلَكِنْ  لَمَّا فَاتَهُ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ وَهُوَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ  فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ  فَكَيْفَ  يُقَالُ مَعَ  هَذَا  أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُمْ مَا يُحْتَسَبُ لَهُ  بِهِ  فَإِدْرَاكُ الصَّلَاةِ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ نَظِيرُ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ  ;  لِأَنَّهُ  فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَدْ أَدْرَكَ مَا يُعْتَدُّ لَهُ  بِهِ  وَإِذَا لَمْ يُدْرِكْ  مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً  كَانَ  كَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مَعَ الْإِمَامِ  فِي فَوْتِ الرَّكْعَةِ  ;  لِأَنَّهُ  فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يُدْرِكْ مَا يُحْتَسَبُ لَهُ  بِهِ  وَهَذَا  مِنْ أَصَحِّ  الْقِيَاسِ . ( السَّادِسُ :  أَنَّهُ يَنْبَنِي  عَلَى  هَذَا :  أَنَّ  الْمُسَافِرَ إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً  فَمَا فَوْقَهَا  فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ  وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ  أَقَلَّ  مِنْ رَكْعَةٍ  صَلَّاهَا مَقْصُورَةً  نَصَّ عَلَيْهِ  الْإِمَامُ  أَحْمَد  فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ  وَهَذَا  لِأَنَّهُ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ قَدْ ائْتَمَّ بِمُقِيمِ  فِي جُزْءٍ  مِنْ صَلَاتِهِ  فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِذَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً  فَصَلَاتُهُ صَلَاةُ مُنْفَرِدٍ  فَيُصَلِّيهَا مَقْصُورَةً . وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا  أَنَّ   الْمَرْأَةَ  الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ  لَزِمَهَا الْعَصْرُ  وَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ لَزِمَهَا الْعِشَاءُ  وَإِنْ  حَصَلَ  ذَلِكَ بِأَقَلَّ  مِنْ مِقْدَارِ رَكْعَةٍ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ .  وَأَمَّا الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ : فَهَلْ يَلْزَمُهَا  بِذَلِكَ ؟  فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ؟  فَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهَا وَهُوَ قَوْلُ  أَبِي حَنِيفَةَ  .  وَقِيلَ : يَلْزَمُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ  مَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  وَرَوَاهُ  الْإِمَامُ  أَحْمَد  عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ  .  ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِيمَا تَلْزَمُ  بِهِ الصَّلَاةُ  الْأُولَى  عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَجِبُ بِمَا تَجِبُ  بِهِ الثَّانِيَةُ وَهَلْ هُوَ رَكْعَةٌ ؟ أَوْ تَكْبِيرَةٌ ؟  عَلَى قَوْلَيْنِ : وَالثَّانِي لَا تَجِبُ إلَّا بِأَنْ  تُدْرَكَ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِفِعْلِهَا وَهُوَ أَصَحُّ .  وَقَرِيبٌ  مِنْ  هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا إذَا   دَخَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ وَهِيَ طَاهِرَةٌ  ثُمَّ  حَاضَتْ هَلْ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا  ؟  عَلَى قَوْلَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهَا  كَمَا يَقُولُهُ  مَالِكٌ  وَأَبُو حَنِيفَةَ  . ( وَالثَّانِي يَلْزَمُهَا  كَمَا يَقُولُهُ  الشَّافِعِيُّ  وَأَحْمَد  .  ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُوجِبُونَ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ فِيمَا يَسْتَقِرُّ  بِهِ الْوُجُوبُ  عَلَى قَوْلَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  . ( وَالثَّانِي : أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا زَمَنٌ تَتَمَكَّنُ  فِيهِ  مِنْ الطَّهَارَةِ وَفِعْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  وَالشَّافِعِيِّ  .  ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ  ذَلِكَ : هَلْ يَلْزَمُهَا فِعْلُ الثَّانِيَةِ  مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعَ  الْأُولَى ؟  عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ  الْإِمَامِ  أَحْمَد  . وَالْأَظْهَرُ  فِي الدَّلِيلِ مَذْهَبُ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَمَالِكٍ  أَنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ ;  لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرِ جَدِيدٍ  وَلَا أَمْرَ هُنَا يَلْزَمُهَا بِالْقَضَاءِ وَلِأَنَّهَا أَخَّرَتْ تَأْخِيرًا جَائِزًا فَهِيَ غَيْرُ مُفْرِطَةٍ .  وَأَمَّا  النَّائِمُ أَوْ  النَّاسِي  وَإِنْ  كَانَ غَيْرَ مُفْرِطٍ أَيْضًا  فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ لَيْسَ قَضَاءً بَلْ  ذَلِكَ وَقْتُ الصَّلَاةِ  فِي حَقِّهِ حِينَ يَسْتَيْقِظُ وَيَذْكُرُ .  كَمَا  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  "   {   مَنْ  نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ  نَسِيَهَا  فَلْيُصَلِّهَا إذَا  ذَكَرَهَا  فَإِنَّ  ذَلِكَ وَقْتُهَا   }  وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حَدِيثٌ وَاحِدٌ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ وَقْتِهَا وَإِنَّمَا  وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْإِعَادَةِ  فِي الْوَقْتِ لِمَنْ  تَرَكَ وَاجِبًا  مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ كَأَمْرِهِ لِلْمُسِيءِ  فِي صَلَاتِهِ بِالْإِعَادَةِ  لَمَّا  تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا وَكَأَمْرِهِ لِمَنْ  صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مُنْفَرِدًا بِالْإِعَادَةِ  لَمَّا  تَرَكَ  الْمُصَافَّةَ الْوَاجِبَةَ وَكَأَمْرِهِ لِمَنْ  تَرَكَ لُمْعَةً  مِنْ قَدَمِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ بِالْإِعَادَةِ  لَمَّا  تَرَكَ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ  بِهِ  وَأَمَرَ  النَّائِمَ  وَالنَّاسِيَ بِأَنْ  يُصَلِّيَا إذَا  ذَكَرَا  وَذَلِكَ هُوَ الْوَقْتُ  فِي حَقِّهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى  أَعْلَمُ .