مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَاعْلَمْ أَنَّ الجهمية الْمَحْضَةَ كَالْقَرَامِطَةِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ : يَنْفُونَ عَنْهُ تَعَالَى اتِّصَافَهُ بِالنَّقِيضَيْنِ حَتَّى يَقُولُونَ لَيْسَ بِمَوْجُودِ وَلَا لَيْسَ بِمَوْجُودِ وَلَا حَيٍّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخُلُوَّ عَنْ النَّقِيضَيْنِ مُمْتَنِعٌ فِي بَدَائِهِ الْعُقُولِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ . وَآخَرُونَ وَصَفُوهُ بِالنَّفْيِ فَقَطْ فَقَالُوا لَيْسَ بِحَيِّ وَلَا سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ ; وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ أُولَئِكَ مِنْ وَجْهٍ وَأُولَئِكَ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ هَذَا مُسْتَلْزِمٌ وَصْفَهُ بِنَقِيضِ ذَلِكَ كَالْمَوْتِ وَالصَّمَمِ وَالْبُكْمِ قَالُوا إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يَزِيدُ قَوْلَهُمْ فَسَادًا وَكَذَلِكَ مَنْ ضَاهَى هَؤُلَاءِ - وَهُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ إذَا قِيلَ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي ضَرُورَةِ الْعَقْلِ كَمَا إذَا قِيلَ : لَيْسَ بِقَدِيمِ وَلَا مُحْدَثٍ - وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مُمْكِنٍ وَلَا قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَلَا قَائِمٍ بِغَيْرِهِ قَالُوا هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ وَالْقَبُولُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُتَحَيِّزِ فَإِذَا انْتَفَى التَّحَيُّزُ انْتَفَى قَبُولُ هَذَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ . فَيُقَالُ لَهُمْ عِلْمُ الْخَلْقِ بِامْتِنَاعِ الْخُلُوِّ مِنْهُ هَذَيْنِ النَّقِيضَيْنِ : هُوَ عِلْمٌ مُطْلَقٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْجُودٌ وَالتَّحَيُّزُ الْمَذْكُورُ : إنْ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُ الأحياز الْمَوْجُودَةِ تُحِيطُ بِهِ فَهَذَا هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْعَالَمِ ; وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ ; أَيْ مُبَايِنٌ لَهَا مُتَمَيِّزٌ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ الْخُرُوجُ فَالْمُتَحَيِّزُ يُرَادُ بِهِ تَارَةً مَا هُوَ دَاخِلُ الْعَالَمِ وَتَارَةً مَا هُوَ خَارِجُ الْعَالَمِ فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ كَانَ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ فَهُمْ غَيَّرُوا الْعِبَارَةَ لِيُوهِمُوا مَنْ لَا يَفْهَمُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِمَ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ ; كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ بِحَيِّ وَلَا مَيِّتٍ وَلَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ وَلَا عَالِمٍ وَلَا جَاهِلٍ .