تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ : وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ . وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : { فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ } مَوْضِعُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ السَّائِمَةَ هِيَ الَّتِي تَرْعَى . فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْإِبِلَ الْعَوَامِلَ وَالْبَقَرَ الْعَوَامِلَ وَالْكِبَاشَ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ . قَالَ أَبُو عُمَرَ : وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَهُمَا . وَأَمَّا الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ الثَّوْرِيُّ والأوزاعي وَغَيْرُهُمْ : فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ . وَرُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ : عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ . وَكَتَبَ بِهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ . وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ } فَقَيَّدَهُ بِالسَّائِمَةِ " وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ . وَقَوْلُهُ : { مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ } إلَى آخِرِهِ . لَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ بَلْ قَالَ إنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ السِّنَّ : كَالْجَذَعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَبْتَاعُهَا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهَا وَقَالَ : إذَا لَمْ يَجِدْ السِّنَّ الَّتِي تَجِبُ فِي الْمَالِ لَمْ يَأْخُذْ مَا فَوْقَهَا وَلَا مَا دُونَهَا وَلَا يَزْدَادُ دَرَاهِمَ وَيَبْتَاعُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ مُسِنًّا . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بِمَثَلِ مَا فِي الْحَدِيثِ : إنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ السِّنَّ أَخَذَ مِمَّا وَجَدَ وَأَعْطَى شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَخَذَ مِثْلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَفْضَلَ مِنْهَا وَأَعْطَى الزِّيَادَةَ . وَمَالِكٍ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ مَالِكًا إنَّمَا رَوَى كِتَابَ عُمَرَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَهَذَا شَأْنُ الْعُلَمَاءِ . وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : { فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ } قَالَ أَبُو عُمَرَ : هَذَا مَوْضِعُ خِلَافٍ يَعْنِي إذَا زَادَتْ وَاحِدَةً قَالَ مَالِكٌ : إذَا زَادَتْ وَاحِدَةً عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَالسَّاعِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ حِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَقَالَ الزُّهْرِيِّ : فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَيَكُونُ فِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ . وَبِهِ قَالَ الأوزاعي وَالشَّافِعِيِّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْحِجَازِ وَهُوَ أَوْلَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ . وَأَمَّا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ : فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْفَرِيضَةَ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَيَكُونُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ .