مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ  أَحْمَد بْنُ تيمية   رَحِمَهُ اللَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ  مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا  وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ  فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ  فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا  شَرِيكَ لَهُ وَنَشْهَدُ  أَنَّ   مُحَمَّدًا  عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . فَصْلٌ (  فِيمَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ وَمَا لَا يُفْطِرُهُ   وَهَذَا نَوْعَانِ : مِنْهُ مَا يُفْطِرُ بِالنَّصِّ  وَالْإِجْمَاعِ  وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ  قَالَ تَعَالَى :   {   فَالْآنَ  بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ  وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ  ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ   }  فَأَذِنَ  فِي  الْمُبَاشَرَةِ فَعُقِلَ  مِنْ  ذَلِكَ  أَنَّ الْمُرَادَ الصِّيَامُ  مِنْ  الْمُبَاشَرَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ  وَلَمَّا  قَالَ أَوَّلًا : {   كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ  كَمَا كُتِبَ  عَلَى الَّذِينَ  مِنْ قَبْلِكُمْ   }  كَانَ مَعْقُولًا عِنْدَهُمْ  أَنَّ الصِّيَامَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَلَفْظُ " الصِّيَامِ "  كَانُوا يَعْرِفُونَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ويستعملونه  كَمَا  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  عَائِشَةَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا   أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ  كَانَ يَوْمًا تَصُومُهُ   قُرَيْشٌ  فِي الْجَاهِلِيَّةِ "  . وَقَدْ  ثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ  أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ شَهْرُ رَمَضَانَ  أَمَرَ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ  وَأَرْسَلَ مُنَادِيًا يُنَادِي بِصَوْمِهِ فَعُلِمَ  أَنَّ مُسَمَّى  هَذَا الِاسْمِ  كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ . وَكَذَلِكَ  ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ  وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ  أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ يُنَافِي الصَّوْمَ  فَلَا تَصُومُ  الْحَائِضُ لَكِنْ تَقْضِي الصِّيَامَ  .  وَثَبَتَ بِالسُّنَّةِ أَيْضًا  مِنْ حَدِيثِ   {  لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ وَبَالِغْ  فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ  تَكُونَ صَائِمًا   }  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّ   إنْزَالَ الْمَاءِ  مِنْ الْأَنْفِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ  وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ .  وَفِي السُّنَنِ حَدِيثَانِ ( أَحَدُهُمَا حَدِيثُ  هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ  عَنْ  مُحَمَّدِ بْنِ  سيرين  عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ :  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ    {   مَنْ  ذَرَعَهُ قَيْءٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ .  وَإِنْ استقاء فَلْيَقْضِ   }  وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ  طَائِفَةٍ  مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلْ  قَالُوا : هُوَ  مِنْ قَوْلِ  أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ  أَبُو داود  : سَمِعْت  أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ  قَالَ : لَيْسَ  مِنْ ذَا شَيْءٌ .  قَالَ  الخطابي  : يُرِيدُ  أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ  وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ  : سَأَلْت  مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ  عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا عَنْ  عِيسَى بْنِ يُونُسَ  قَالَ : وَمَا  أَرَاهُ مَحْفُوظًا .  قَالَ : وَرَوَى  يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ  عَنْ  عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ  أَنَّ  أَبَا هُرَيْرَةَ  كَانَ لَا يَرَى الْقَيْءَ يُفْطِرُ الصَّائِمَ  .  قَالَ  الْخَطَّابِيَّ  :  وَذَكَرَ  أَبُو داود  أَنَّ  حَفْصَ بْنَ  غِيَاثٍ  رَوَاهُ . عَنْ  هِشَامٍ  كَمَا رَوَاهُ  عِيسَى بْنُ يُونُسَ  .  قَالَ : وَلَا  أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ  فِي  أَنَّ مَنْ  ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا  فِي  أَنَّ مَنْ استقاء عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا  فِي الْكَفَّارَةِ  فَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْقَضَاءِ  وَقَالَ  عَطَاءٍ  : عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَحُكِيَ عَنْ  الأوزاعي  وَهُوَ قَوْلُ  أَبِي ثَوْرٍ  .  ( قُلْت وَهُوَ مُقْتَضَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ  أَحْمَد  فِي إيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ  عَلَى الْمُحْتَجِمِ  فَإِنَّهُ إذَا  أَوْجَبَهَا  عَلَى الْمُحْتَجِمِ  فَعَلَى المستقيء  أَوْلَى  لَكِنْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ  أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَقَوْلِ  الشَّافِعِيِّ  . وَاَلَّذِينَ لَمْ يُثْبِتُوا  هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ  مِنْ وَجْهٍ يَعْتَمِدُونَهُ وَقَدْ  أَشَارُوا : إلَى عِلَّتِهِ وَهُوَ انْفِرَادُ  عِيسَى بْنِ يُونُسَ  وَقَدْ  ثَبَتَ  أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ  بِهِ بَلْ  وَافَقَهُ عَلَيْهِ  حَفْصُ بْنُ  غِيَاثٍ  وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ يَشْهَدُ لَهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ  أَحْمَد  وَأَهْلُ السُّنَنِ  كَالتِّرْمِذِيِّ  عَنْ  أَبِي الدَّرْدَاءِ     {  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَاءَ فَأَفْطَرَ   }  فَذَكَرْت  ذَلِكَ  لثوبان  فَقَالَ : صَدَقَ أَنَا صَبَبْت لَهُ  وَضُوءًا  لَكِنَّ لَفْظَ  أَحْمَد     {  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ  فَتَوَضَّأَ   }  . رَوَاهُ .  أَحْمَد  عَنْ  حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ  .  قَالَ  الْأَثْرَمُ  : قُلْت  لِأَحْمَدَ  : قَدْ اضْطَرَبُوا  فِي  هَذَا الْحَدِيثِ  فَقَالَ :  حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ  يُجَوِّدُهُ  وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ  : حَدِيثُ حُسَيْنٍ  أَرْجَحُ شَيْءٍ  فِي  هَذَا الْبَابِ  وَهَذَا قَدْ اُسْتُدِلَّ  بِهِ  عَلَى وُجُوبِ  الْوُضُوءِ  مِنْ الْقَيْءِ   وَلَا يَدُلُّ  عَلَى  ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا  أَرَادَ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ فَلَيْسَ  فِيهِ إلَّا  أَنَّهُ  تَوَضَّأَ وَالْفِعْلُ الْمُجَرَّدُ لَا يَدُلُّ  عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّ الْوُضُوءَ  مِنْ  ذَلِكَ مَشْرُوعٌ . فَإِذَا  قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ  كَانَ  فِيهِ عَمَلٌ بِالْحَدِيثِ . وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ   الصَّحَابَةِ  مِنْ الْوُضُوءِ  مِنْ الدَّمِ الْخَارِجِ لَيْسَ  فِي شَيْءٍ مِنْهُ دَلِيلٌ  عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ يَدُلُّ  عَلَى الِاسْتِحْبَابِ . وَلَيْسَ  فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَدُلُّ  عَلَى وُجُوبِ  ذَلِكَ  كَمَا قَدْ بُسِطَ  فِي مَوْضِعِهِ بَلْ قَدْ رَوَى  الدارقطني  وَغَيْرُهُ عَنْ  حميد عَنْ  أَنَسٍ  قَالَ :   {   احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ  عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ   }  وَرَوَاهُ  ابْنُ الْجَوْزِيِّ  فِي " حُجَّةِ الْمُخَالِفِ " وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَادَتُهُ الْجَرْحُ بِمَا يُمْكِنُ . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى "   {   ثَلَاثٌ لَا تُفْطِرُ : الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ   }  وَفِي لَفْظٍ "   {   لَا يُفْطِرْنَ لَا مَنْ قَاءَ وَلَا مَنْ احْتَلَمَ وَلَا مَنْ احْتَجَمَ   }  فَهَذَا إسْنَادُهُ الثَّابِتُ مَا رَوَاهُ  الثَّوْرِيُّ  وَغَيْرُهُ عَنْ  زَيْدِ بْنِ  أَسْلَمَ  عَنْ رَجُلٍ  مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ رَجُلٍ  مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . هَكَذَا رَوَاهُ .  أَبُو داود  وَهَذَا الرَّجُلُ لَا يُعْرَفُ . وَقَدْ رَوَاهُ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ  أَسْلَمَ  عَنْ  أَبِيهِ عَنْ  عَطَاءٍ  عَنْ  أَبِي سَعِيدٍ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَكِنْ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ  ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّجَالِ . ( قُلْت رِوَايَتُهُ عَنْ زَيْدٍ  مِنْ وَجْهَيْنِ مَرْفُوعًا لَا يُخَالِفُ رِوَايَتَهُ الْمُرْسَلَةَ بَلْ يُقَوِّيهَا وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَنْ  زَيْدِ بْنِ  أَسْلَمَ  ; لَكِنْ  هَذَا  فِيهِ "   {   إذَا  ذَرَعَهُ الْقَيْءُ   }  .  وَأَمَّا حَدِيثُ الْحِجَامَةِ فَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ مَنْسُوخًا وَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ  ابْنِ عَبَّاسٍ     {  أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ   }  أَيْضًا  وَلَعَلَّ  فِيهِ الْقَيْءَ إنْ  كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلِاسْتِقَاءَةِ هُوَ أَيْضًا مَنْسُوخٌ .  وَهَذَا يُؤَيِّدُ  أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْحِجَامَةِ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ فَإِنَّهُ إذَا تَعَارَضَ  نَصَّانِ نَاقِلٌ وَبَاقٍ  عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَالنَّاقِلُ هُوَ الرَّاجِحُ  فِي  أَنَّهُ النَّاسِخُ  وَنَسْخُ أَحَدِهِمَا يُقَوِّي  نَسْخَ قَرِينِهِ وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ  زَيْدِ بْنِ  أَسْلَمَ  مُرْسَلًا  وَقَالَ  يَحْيَى بْنُ  مَعِينٍ  : حَدِيثُ  زَيْدِ بْنِ  أَسْلَمَ  لَيْسَ بِشَيْءِ وَلَوْ قُدِّرَ صِحَّتُهُ  لَكَانَ الْمُرَادُ مَنْ  ذَرَعَهُ الْقَيْءُ . فَإِنَّهُ  قَرَنَهُ بِالِاحْتِلَامِ  وَمَنْ احْتَلَمَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ  كَالنَّائِمِ لَمْ يُفْطِرْ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ  .  وَأَمَّا مَنْ   اسْتَمْنَى  فَأَنْزَلَ  فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَفْظُ الِاحْتِلَامِ إنَّمَا يُطْلَقُ  عَلَى مَنْ احْتَلَمَ  فِي مَنَامِهِ .  وَقَدْ  ظَنَّ  طَائِفَةٌ  أَنَّ  الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُفْطِرُ شَيْءٌ  مِنْ الْخَارِجِ  وَأَنَّ المستقيء إنَّمَا أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ رُجُوعِ بَعْضِ الطَّعَامِ  وَقَالُوا إنَّ فِطْرَ  الْحَائِضِ  عَلَى خِلَافِ  الْقِيَاسِ . وَقَدْ بَسَطْنَا  فِي الْأُصُولِ  أَنَّهُ لَيْسَ  فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ  عَلَى خِلَافِ  الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ .  فَإِنْ  قِيلَ : فَقَدْ ذَكَرْتُمْ  أَنَّ مَنْ  أَفْطَرَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ   كَانَ فِطْرُهُ  مِنْ الْكَبَائِرِ  وَكَذَلِكَ مَنْ   فَوَّتَ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ عَامِدًا  مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ  كَانَ تَفْوِيتُهُ  لَهَا  مِنْ الْكَبَائِرِ  وَأَنَّهَا مَا بَقِيَتْ تُقْبَلُ مِنْهُ  عَلَى  أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَنْ فَوَّتَ الْجُمْعَةَ وَرَمَى الْجِمَارَ وَغَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ  وَهَذَا قَدْ  أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ .  وَقَدْ رُوِيَ  فِي حَدِيثِ   الْمُجَامِعِ  فِي رَمَضَانَ  أَنَّهُ  أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ ؟  قِيلَ  هَذَا إنَّمَا  أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَقَيَّأُ لِعُذْرٍ كَالْمَرِيضِ يَتَدَاوَى بِالْقَيْءِ أَوْ يَتَقَيَّأُ لِأَنَّهُ  أَكَلَ مَا  فِيهِ شُبْهَةٌ  كَمَا تَقَيَّأَ  أَبُو بَكْرٍ  مِنْ كَسْبِ الْمُتَكَهِّنِ . وَإِذَا  كَانَ الْمُتَقَيِّئُ مَعْذُورًا  كَانَ مَا  فَعَلَهُ جَائِزًا  وَصَارَ  مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْضَى الَّذِينَ يَقْضُونَ وَلَمْ يَكُنْ  مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ أَفْطَرُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ .  وَأَمَّا أَمْرُهُ لِلْمُجَامِعِ بِالْقَضَاءِ فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ  مِنْ الْحُفَّاظِ . وَقَدْ  ثَبَتَ  هَذَا الْحَدِيثُ  مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  مِنْ حَدِيثِ  أَبِي هُرَيْرَةَ  وَمِنْ حَدِيثِ  عَائِشَةَ  وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ  أَمْرَهُ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ  كَانَ  أَمَرَهُ  بِذَلِكَ  لَمَا أَهْمَلَهُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَجِبُ بَيَانُهُ  وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْهُ  بِهِ  دَلَّ  عَلَى  أَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَبْقَ مَقْبُولًا مِنْهُ .  وَهَذَا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهُ  كَانَ مُتَعَمِّدًا لِلْفِطْرِ لَمْ يَكُنْ  نَاسِيًا وَلَا جَاهِلًا .  وَالْمَجَامِعُ  النَّاسِي  فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  وَغَيْرِهِ وَيُذْكَرُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْهُ : أَحَدُهُمَا : لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُ  الشَّافِعِيِّ  وَأَبِي حَنِيفَةَ  وَالْأَكْثَرِينَ . وَالثَّانِيَةُ : عَلَيْهِ الْقَضَاءُ  بِلَا كَفَّارَةٍ وَهُوَ قَوْلُ  مَالِكٌ  . وَالثَّالِثَةُ : عَلَيْهِ  الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ  أَحْمَد  . وَالْأَوَّلُ  أَظْهَرُ  كَمَا قَدْ بُسِطَ  فِي مَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ قَدْ  ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ  أَنَّ   مَنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مُخْطِئًا أَوْ  نَاسِيًا  لَمْ يُؤَاخِذْهُ اللَّهُ  بِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ  فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إثْمٌ وَمَنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ  عَاصِيًا وَلَا مُرْتَكِبًا لِمَا نُهِيَ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ  بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا نُهِيَ عَنْهُ . وَمِثْلُ  هَذَا لَا يُبْطِلُ عِبَادَتَهُ إنَّمَا يُبْطِلُ الْعِبَادَاتِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ  بِهِ أَوْ فَعَلَ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ .  وَطَرْدُ  هَذَا  أَنَّ الْحَجَّ لَا يَبْطُلُ بِفِعْلِ شَيْءٍ  مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لَا  نَاسِيًا وَلَا مُخْطِئًا لَا الْجِمَاعُ وَلَا غَيْرُهُ . وَهُوَ  أَظْهَرُ قَوْلَيْ  الشَّافِعِيِّ  .  وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالْفِدْيَةُ فَتِلْكَ  وَجَبَتْ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمُتْلَفِ  مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ بِمِثْلِهِ  كَمَا لَوْ  أَتْلَفَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ  نَائِمٌ  ضَمِنَهُ  بِذَلِكَ  وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إذَا  وَجَبَ  عَلَى  النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ فَهُوَ  مِنْ  هَذَا الْبَابِ بِمَنْزِلَةِ دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَطَأً وَالْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ بِقَتْلِهِ خَطَأً بِنَصِّ الْقُرْآنِ  وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ  .  وَأَمَّا  سَائِرُ الْمَحْظُورَاتِ فَلَيْسَتْ  مِنْ  هَذَا الْبَابِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَالتَّرَفُّهُ الْمُنَافِي لِلتَّفَثِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ . وَلِهَذَا  كَانَتْ فِدْيَتُهَا  مِنْ جِنْسِ فِدْيَةِ الْمَحْظُورَاتِ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ الْمَضْمُونِ بِالْبَدَلِ .  فَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ  فِي  النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ إذَا فَعَلَ مَحْظُورًا  أَلَّا يَضْمَنَ  مِنْ  ذَلِكَ إلَّا الصَّيْدَ .  وَلِلنَّاسِ  فِيهِ أَقْوَالٌ  هَذَا أَحَدُهَا وَهُوَ قَوْلُ   أَهْلِ الظَّاهِرِ  . وَالثَّانِي يَضْمَنُ الْجَمِيعَ مَعَ  النِّسْيَانِ كَقَوْلِ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ  أَحْمَد  وَاخْتَارَهُ  الْقَاضِي  وَأَصْحَابُهُ . وَالثَّالِثُ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا  فِيهِ إتْلَافٌ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالتَّقْلِيمِ وَمَا لَيْسَ  فِيهِ إتْلَافٌ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ  وَهَذَا قَوْلُ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَاخْتَارَهَا  طَائِفَةٌ  مِنْ أَصْحَابِهِ  وَهَذَا الْقَوْلُ أَجْوَدُ  مِنْ غَيْرِهِ ; لَكِنْ إزَالَةُ الشِّعْرِ وَالظُّفْرِ مُلْحَقٌ بِاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ لَا بِقَتْلِ الصَّيْدِ  هَذَا أَجْوَدُ .  وَالرَّابِعُ  إنْ قَتَلَ الصَّيْدَ خَطَأً لَا يَضْمَنُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ  أَحْمَد  فَخَرَّجُوا عَلَيْهِ الشَّعَرَ وَالظُّفُرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى  .  وَكَذَلِكَ طَرْدُ  هَذَا  أَنَّ   الصَّائِمَ إذَا  أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ  نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا  فَلَا قَضَاءَ . عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ  طَائِفَةٍ  مِنْ   السَّلَفِ  وَالْخَلَفِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُفْطِرُ  النَّاسِيَ وَالْمُخْطِئَ  كَمَالِكٍ  وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ  :  هَذَا هُوَ  الْقِيَاسُ لَكِنْ خَالَفَهُ لِحَدِيثِ  أَبِي هُرَيْرَةَ  فِي  النَّاسِي وَمِنْهُمْ مَنْ  قَالَ لَا يُفْطِرُ  النَّاسِي وَيُفْطِرُ الْمُخْطِئُ وَهُوَ قَوْلُ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  فَأَبُو حَنِيفَةَ  جَعَلَ  النَّاسِيَ مَوْضِعَ اسْتِحْسَانٍ  وَأَمَّا أَصْحَابُ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  فَقَالُوا النِّسْيَانُ لَا يُفْطِرُ  لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ  بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُفْطِرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ وَأَنْ  يُمْسِكَ إذَا  شَكَّ  فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ . وَهَذَا التَّفْرِيقُ ضَعِيفٌ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ .  فَإِنَّ السُّنَّةَ لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَجِّلَ الْفِطْرَ وَيُؤَخِّرَ السُّحُورَ وَمَعَ الْغَيْمِ الْمُطْبِقِ لَا يُمْكِنُ الْيَقِينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ وَقْتٌ طَوِيلٌ جِدًّا يَفُوتُ مَعَ الْمَغْرِبِ وَيَفُوتُ مَعَهُ تَعْجِيلُ الْفُطُورِ  وَالْمُصَلِّي مَأْمُورٌ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَتَعْجِيلِهَا فَإِذَا  غَلَبَ  عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُ الشَّمْسِ أُمِرَ بِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى حَدِّ الْيَقِينِ فَرُبَّمَا يُؤَخِّرُهَا حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ وَهُوَ لَا يَسْتَيْقِنُ غُرُوبَ الشَّمْسِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ  إبْرَاهِيمَ النخعي  وَغَيْرِهِ  مِنْ   السَّلَفِ  وَهُوَ مَذْهَبُ  أَبِي حَنِيفَةَ  أَنَّهُمْ  كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ  فِي الْغَيْمِ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ وَتَعْجِيلَ الْعِشَاءِ وَتَأْخِيرَ الظُّهْرِ وَتَقْدِيمَ الْعَصْرِ وَقَدْ  نَصَّ  عَلَى  ذَلِكَ  أَحْمَد  وَغَيْرُهُ وَقَدْ عَلَّلَ  ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِالِاحْتِيَاطِ لِدُخُولِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ  كَذَلِكَ ;  فَإِنَّ  هَذَا خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ  فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَإِنَّمَا سُنَّ  ذَلِكَ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْعُذْرُ وَحَالُ الْغَيْمِ حَالُ عُذْرٍ فَأُخِّرَتْ  الْأُولَى  مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ وَقُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ لِمَصْلَحَتَيْنِ . إحْدَاهُمَا التَّخْفِيفُ عَنْ النَّاسِ حَتَّى  يُصَلُّوهَا مَرَّةً  وَاحِدَةً  لِأَجْلِ خَوْفِ الْمَطَرِ  كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مَعَ الْمَطَرِ  . وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَيَقَّنَ دُخُولَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ  وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ  عَلَى  أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ  أَحْمَد  وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِلْوَحْلِ الشَّدِيدِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ  فِي  أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ  مَالِكٌ  وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  .  الثَّانِي  أَنَّ الْخَطَأَ  فِي تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ  أَوْلَى  مِنْ الْخَطَأِ  فِي تَقْدِيمِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ  فَإِنَّ فِعْلَ هَاتَيْنِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ  بِحَالٍ بِخِلَافِ تينك فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُمَا  فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّ  ذَلِكَ وَقْتٌ  لَهُمَا  حَالَ الْعُذْرِ  وَحَال الِاشْتِبَاهِ حَالُ عُذْرٍ  فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الِاشْتِبَاهِ  أَوْلَى  مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الشَّكِّ  .  وَهَذَا  فِيهِ مَا  ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ  مِنْ الِاحْتِيَاطِ ;  لَكِنَّهُ احْتِيَاطٌ مَعَ تَيَقُّنِ الصَّلَاةِ  فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرَكِ  أَلَا  تَرَى  أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَذْكُرُوا  فِيهَا  هَذَا الِاسْتِحْبَابَ وَلَا  فِي الْعِشَاءِ وَالْعَصْرِ وَلَوْ  كَانَ لِعِلْمِ خَوْفِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَطُرِدَ  هَذَا  فِي الْفَجْرِ  ثُمَّ يَطَّرِدُ  فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ .  وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّبْكِيرِ بِالْعَصْرِ  فِي يَوْمِ الْغَيْمِ  فَقَالَ : " {   بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ  فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ مَنْ  تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ   }  .  فَإِنْ  قِيلَ . فَإِذَا  كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ الْمَغْرِبُ مَعَ الْغَيْمِ  فَكَذَلِكَ يُؤَخَّرُ الْفُطُورُ  قِيلَ : إنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا مَعَ تَقْدِيمِ الْعِشَاءِ بِحَيْثُ  يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ  مَغِيبِ الشَّفَقِ  فَأَمَّا تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ  يَخَافَ  مَغِيبَ الشَّفَقِ  فَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفُطُورِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ .  وَلِهَذَا  كَانَ الْجَمْعُ الْمَشْرُوعُ مَعَ الْمَطَرِ هُوَ جَمْعَ التَّقْدِيمِ  فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ بِالنَّاسِ الْمَغْرِب إلَى  مَغِيبِ الشَّفَقِ بَلْ  هَذَا حَرَجٌ عَظِيمٌ  عَلَى النَّاسِ   وَإِنَّمَا شُرِعَ الْجَمْعُ لِئَلَّا يُحْرَجَ الْمُسْلِمُونَ  . وَأَيْضًا فَلَيْسَ التَّأْخِيرُ وَالتَّقْدِيمُ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُمَا مُقْتَرِنَتَيْنِ ; بَلْ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَيُقَدِّمَ الْعَصْرَ وَلَوْ  كَانَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ  فِي الزَّمَانِ .  وَكَذَلِكَ  فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِحَيْثُ  يُصَلُّونَ الْوَاحِدَةَ وَيَنْتَظِرُونَ الْأُخْرَى لَا يَحْتَاجُونَ إلَى ذَهَابٍ إلَى الْبُيُوتِ  ثُمَّ رُجُوعٍ  وَكَذَلِكَ جَوَازُ الْجَمْعِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ  الْمُوَالَاةُ  فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ  كَمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ  فِي غَيْرِ  هَذَا الْمَوْضِعِ .  وَأَيْضًا فَقَدْ  ثَبَتَ  فِي   صَحِيحِ  الْبُخَارِيِّ  عَنْ   {  أَسْمَاءَ  بِنْتِ  أَبِي بَكْرٍ  قَالَتْ : أَفْطَرْنَا يَوْمًا  مِنْ رَمَضَانَ  فِي غَيْمٍ  عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ   }  .  وَهَذَا يَدُلُّ  عَلَى شَيْئَيْنِ :  عَلَى  أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مَعَ الْغَيْمِ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ الْغُرُوبَ ; فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا  ذَلِكَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ  بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   وَالصَّحَابَةُ  مَعَ نَبِيِّهِمْ  أَعْلَمُ وَأَطْوَعُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ . ( وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ  فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَوْ  أَمَرَهُمْ بِالْقَضَاءِ  لَشَاعَ  ذَلِكَ  كَمَا نُقِلَ فِطْرُهُمْ  فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ  ذَلِكَ  دَلَّ  عَلَى إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ  بِهِ . فَإِنْ  قِيلَ : فَقَدْ  قِيلَ  لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ  : أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ ؟  قَالَ :  أو بُدٌّ  مِنْ الْقَضَاءِ ؟ . قِيلَ :  هِشَامٌ  قَالَ  ذَلِكَ بِرَأْيِهِ لَمْ يُرْوَ  ذَلِكَ  فِي الْحَدِيثِ وَيَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ  بِذَلِكَ عِلْمٌ :  أَنَّ  مَعْمَرًا  رَوَى عَنْهُ  قَالَ : سَمِعْت  هِشَامًا  قَالَ : لَا  أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا ؟  ذَكَرَ  هَذَا  وَهَذَا عَنْهُ  الْبُخَارِيُّ  وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ أُمِّهِ  فَاطِمَةَ  بِنْتِ الْمُنْذِرِ  عَنْ  أَسْمَاءَ  . وَقَدْ  نَقَلَ  هِشَامٌ  عَنْ  أَبِيهِ  عُرْوَةَ  أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْقَضَاءِ  وَعُرْوَةُ  أَعْلَمُ  مِنْ  ابْنِهِ  وَهَذَا قَوْلُ  إسْحَاقَ بْنِ راهويه  - وَهُوَ قَرِينُ  أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ  وَيُوَافِقُهُ  فِي الْمَذْهَبِ : أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَقَوْلُهُمَا كَثِيرًا مَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ . وَالْكَوْسَجُ سَأَلَ مَسَائِلَهُ  لِأَحْمَدَ  وَإِسْحَاقَ  وَكَذَلِكَ  حَرْبٌ الكرماني  سَأَلَ مَسَائِلَهُ  لِأَحْمَدَ  وَإِسْحَاقَ  وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا ; وَلِهَذَا يَجْمَعُ  التِّرْمِذِيُّ  قَوْلَ  أَحْمَد  وَإِسْحَاقَ  فَإِنَّهُ رَوَى قَوْلَهُمَا  مِنْ مَسَائِلِ  الْكَوْسَجِ  .  وَكَذَلِكَ  أَبُو زُرْعَةَ  وَأَبُو حَاتِمٍ  وَابْنُ قُتَيْبَةَ  وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ  مِنْ أَئِمَّةِ   السَّلَفِ  وَالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ  وَكَانُوا يَتَفَقَّهُونَ  عَلَى مَذْهَبِ  أَحْمَد  وَإِسْحَاقَ  يُقَدِّمُونَ قَوْلَهُمَا  عَلَى أَقْوَالِ غَيْرِهِمَا وَأَئِمَّةُ الْحَدِيثِ  كَالْبُخَارِيِّ  وَمُسْلِمٍ  وَالتِّرْمِذِيِّ  والنسائي  وَغَيْرِهِمْ هُمْ أَيْضًا  مِنْ أَتْبَاعِهِمَا وَمِمَّنْ يَأْخُذُ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ عَنْهُمَا  وداود  مِنْ أَصْحَابِ  إسْحَاقَ  . وَقَدْ  كَانَ  أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ  إذَا سُئِلَ عَنْ  إسْحَاقَ  يَقُولُ : أَنَا أُسْأَلُ  عَنْ  إسْحَاقَ  ؟  إسْحَاقَ  يُسْأَلُ  عَنِّي  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ  وَإِسْحَاقَ  وَأَبُو عُبَيْدٍ  وَأَبُو ثَوْرٍ  وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ  المروزي  وداود بْنُ  عَلِيٍّ  وَنَحْوُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . وَأَيْضًا  فَإِنَّ اللَّهَ  قَالَ  فِي كِتَابِهِ   {  وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ   }  وَهَذِهِ الْآيَةُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَيِّنُ  أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَكْلِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْفَجْرُ فَهُوَ مَعَ الشَّكِّ  فِي طُلُوعِهِ مَأْمُورٌ بِالْأَكْلِ  كَمَا قَدْ بُسِطَ  فِي مَوْضِعِهِ .