وَسُئِلَ  شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ  أَحْمَد بْنُ تيمية  -  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  وَأَرْضَاهُ - عَنْ   " التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ " أَيُّهُمَا أَفْضَلُ   ؟ . 
				
				
				 فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ  مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا  وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا . مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ  فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ  فَلَا هَادِيَ لَهُ : وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا  شَرِيكَ لَهُ وَنَشْهَدُ  أَنَّ   مُحَمَّدًا  عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ  وَعَلَى  آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .  لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ  أَحْمَد  أَنَّهُ إذَا   قَدِمَ  فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ  فَالتَّمَتُّعُ الْخَاصُّ أَفْضَلُ لَهُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِعُمْرَةِ فَيَحِلُّ مِنْهَا إذَا  طَافَ   بِالْبَيْتِ  وَبَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  .  ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ .  وَأَمَّا إذَا  سَاقَ الْهَدْيَ :  فَنَقَلَ  المروذي  عَنْهُ :  أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ .  فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ  جَعَلَ  هَذَا رِوَايَةً ثَانِيَةً عَنْ  أَحْمَد  . وَجَعَلُوا  فِيهَا   إذَا  سَاقَ الْهَدْيَ : هَلْ الْأَفْضَلُ التَّمَتُّعُ ؟ أَوْ الْقِرَانُ  ؟  عَلَى رِوَايَتَيْنِ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ  قَالُوا : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حَجَّ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ  عَلَى  هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  تَمَتَّعَ  وَسَاقَ الْهَدْيَ  وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّمَتُّعِ  فَلَا يَبْقَى لِاخْتِيَارِ الْقِرَانِ وَجْهٌ . وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ  أَحْمَد  الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمُونَ :  أَنَّهُ  حَجَّ قَارِنًا وَلَكِنْ  أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّمَتُّعِ - مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ - أَنْ يَحِلَّ  مِنْ إحْرَامِهِ وَيَجْعَلَهَا مُتْعَةً .  وَقَالَ : {   لَوْ اسْتَقْبَلْت  مِنْ  أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت  لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً   }  .  وَعَلَى  هَذَا الْقَوْلِ  فَهَذَا  مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ  فَإِنَّ  أَحْمَد  لَمْ يَنُصَّ  عَلَى  أَنَّهُ مَنْ  سَاقَ الْهَدْيَ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ . بَلْ إنَّمَا اخْتَارَ التَّمَتُّعَ  لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لِأَصْحَابِهِ  بِهِ . وَلِقَوْلِهِ :   {   لَوْ اسْتَقْبَلْت  مِنْ  أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت  لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً   }  . وَالنَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إنَّمَا  أَمَرَ بِالتَّحَلُّلِ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَإِنَّمَا اخْتَارَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَلَا يَحِلُّ مَنْ لَمْ  يَخْتَرْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ .  وَأَيْضًا  فَإِنَّ  أَحْمَد  لَمْ يَقُلْ : إنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حَجَّ مُتَمَتِّعًا - التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ - بَلْ  نَصَّ  عَلَى  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حَجَّ قَارِنًا .  وَقَالَ : لَا أَشُكُّ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كَانَ قَارِنًا وَالتَّمَتُّعُ  أَحَبُّ إلَيَّ ; لِأَنَّهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ  مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَإِنَّهُ  قَالَ :   {   لَوْ اسْتَقْبَلْت  مِنْ  أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت  لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً   }  . فَكَلَامُهُ إنَّمَا  كَانَ  فِي   أَيِّهِمَا أَفْضَلُ : أَنْ يَسُوقَ وَيَقْرِنَ أَوْ يَتَمَتَّعَ وَلَا يَسُوقَ  ؟ . لِأَنَّهُ إذَا  سَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ .  فَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ  فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   لَوْ اسْتَقْبَلْت  مِنْ  أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت  لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً   }  هَلْ  كَانَ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِعُمْرَةِ أَفْضَلُ  مِنْ الْقِرَانِ أَمْ لَا :  مُوَافَقَةً لِأَصْحَابِهِ  لَمَّا  أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ  فَشَقَّ  ذَلِكَ عَلَيْهِمْ .  فَهَذَا مَوْرِدُ اجْتِهَادٍ . وَلَمْ يَخْتَلِفْ كَلَامُ  أَحْمَد  أَنَّ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَقَدِمَ  فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ .  وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ إذَا  سَاقَ الْهَدْيَ وَقَدِمَ  فِي الْعَشْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ عِنْدَ  أَحْمَد  وَأَبِي حَنِيفَةَ  وَغَيْرِهِمَا حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ يَوْمَ النَّحْرِ  سَوَاءٌ  كَانَ مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ أَوْ قَارِنًا . وَحِينَئِذٍ  فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ عِنْدَ  أَحْمَد  إلَّا  فِي شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا :  أَنَّ الْقَارِنَ يَكُونُ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ  سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ  ثُمَّ  أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ . بِأَنَّهُ  فِي كِلَيْهِمَا قَارِنٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ  .  وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ : فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ إلَى مَا بَعْدَ قَضَاءِ الْعُمْرَةِ . وَمَعْلُومٌ حِينَئِذٍ  أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ  مِنْ تَأْخِيرِهِ فَيَكُونُ الْقِرَانُ  أَفْضَلَ لِمَنْ  سَاقَ الْهَدْيَ .  الثَّانِي :  أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَهُ لَا يَطُوفُ بَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  إلَّا مَرَّةً  وَاحِدَةً كَالْمُفْرِدِ  .  وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فَقَدْ اخْتَارَ لَهُ أَنْ يَسْعَى سعيين  وَنَصَّ  عَلَى  أَنَّهُ يُجْزِيهِ سَعْيٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ  وَالْقَارِنِ . وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَدْ  تَمَيَّزَ بِسَعْيٍ  زَائِدٍ مُسْتَحَبٍّ لَكِنْ هُوَ أَيْضًا يَسْتَحِبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلًا بَعْدَ   عَرَفَةَ  طَوَافَ الْقُدُومِ فَيَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ قَدْ  طَافَ بَعْدَ   عَرَفَةَ  مَرَّتَيْنِ وَسَعَى سَعْيًا ثَانِيًا .  وَأَمَّا الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مَا يَعْمَلُهُ الْمُفْرِدُ لَكِنْ كُلُّ  هَذَا  فِيهِ نِزَاعٌ  وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ آخَرُ :  أَنَّ السَّعْيَ الثَّانِيَ وَاجِبٌ  عَلَى الْمُتَمَتِّعِ . وَقَوْلٌ : إنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سعيين كَمَذْهَبِ  أَبِي حَنِيفَةَ  . وَقَوْلٌ : إنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ  وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ سَعْيٌ ثَانٍ .  فَإِنَّ   الصَّحَابَةَ  الَّذِينَ حَجُّوا مَعَ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمْ يَسْعَوْا إلَّا مَرَّةً  وَاحِدَةً وَبِهَذَا يَظْهَرُ فَضْلُ الْقَارِنِ إذَا  سَاقَ الْهَدْيَ  عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الْغَيْرِ السَّائِقِ . وَأَمَّا إذَا  حَصَلَ  فِي عَمَلِ الْمُتَمَتِّعِ  زِيَادَةُ سَعْيٍ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ أَوْ  زِيَادَةُ طَوَافٍ مُسْتَحَبٍّ فَقَدْ  يُقَالُ : إنَّهُ أَفْضَلُ  مِنْ  هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ هُوَ خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  . وأيضا : فَلَوْ  سَلِمَ اسْتِحْبَابُ  ذَلِكَ لَمْ يَسْلَمْ أَنْ كُلَّمَا  زَادَ عَمَلًا  كَانَ  أَفْضَلَ بَلْ الْأَفْضَلُ قَدْ يَكُونُ هُوَ الْأَيْسَرَ  كَمَا  أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ  مِنْ الْإِفْرَادِ وَهُوَ  أَيْسَرُ وَالْفِطْرُ  فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ وَهُوَ  أَيْسَرُ  وَكَذَلِكَ الْقَصْرُ أَفْضَلُ  مِنْ التَّرْبِيعِ وَهُوَ  أَيْسَرُ .  وَقَدْ يُفَضَّلُ الْمُتَمَتِّعُ بِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ يَكُونُ وَاجِبًا  لِأَنَّهُ طَوَافُ عُمْرَةٍ وَالْقَارِنُ يَكُونُ طَوَافُهُ طَوَافَ قُدُومٍ وَهُوَ لَا يَجِبُ . وَالْوَاجِبُ أَفْضَلُ وَهَذَا مَمْنُوعٌ .  فَإِنَّ الْفَضْلَ بِحَسَبِ كَثْرَةِ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبُ سَبَبُ حُصُولِ مَفْسَدَةٍ  فِي التَّرْكِ  . وَلَمْ يَخْتَلِفْ كَلَامُ  أَحْمَد  أَنَّ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَقَدِمَ  فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَمَرَ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ جَمِيعَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا  مِنْ إحْرَامِهِمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ  سَاقَ الْهَدْيَ .  وَمَذْهَبُ  أَحْمَد  أَيْضًا  أَنَّهُ إذَا أَفْرَدَ الْحَجَّ بِسَفْرَةِ وَالْعُمْرَةَ بِسَفْرَةِ  فَهَذَا الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ لَهُ  مِنْ التَّمَتُّعِ .  نَصَّ  عَلَى  ذَلِكَ  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . وَذَكَرَهُ أَصْحَابُهُ :  كَالْقَاضِي  أَبِي يَعْلَى  فِي تَعْلِيقِهِ  وَغَيْرِهِ .  وَكَذَلِكَ  مَذْهَبُ  سَائِرِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَصْحَابِ  أَبِي حَنِيفَةَ  فَإِنَّهُمْ نَصُّوا  عَلَى  أَنَّ الْعُمْرَةَ  الْكُوفِيَّةَ أَفْضَلُ  مِنْ الْقِرَانِ مَعَ  أَنَّ الْقِرَانَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ . لَكِنَّ الْقِرَانَ الَّذِي  فَعَلَهُ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ الْقِرَانَ الَّذِي يَقُولُهُ  أَبُو حَنِيفَةَ    فَإِنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمْ يَطُفْ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا وَلَمْ يَسْعَ إلَّا سَعْيًا وَاحِدًا . 
وَمَذْهَبُ 
 أَبِي حَنِيفَةَ  أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ أَوَّلًا . وَيَسْعَى لِلْعُمْرَةِ  ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى لِلْحَجِّ وَإِذَا فَعَلَ مَحْظُورًا  كَانَ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَدْ حُكِيَ  هَذَا رِوَايَةً عَنْ  أَحْمَد  وَأَنَّ الْقَارِنَ يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وسعيان كَمَذْهَبِ  أَبِي حَنِيفَةَ  .  لَكِنَّ مَذْهَبَهُ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْمَعْرُوفَ كَمَذْهَبِ  مَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  وَغَيْرِهِمَا  أَنَّهُ لَيْسَ  فِي عَمَلِ الْقَارِنِ  زِيَادَةٌ  عَلَى عَمَلِ الْمُفْرِدِ .  بَلْ أَبْلَغُ  مِنْ  ذَلِكَ  أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هَلْ يُجْزِيهِ السَّعْيُ الْأَوَّلُ الَّذِي مَعَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى سَعْيٍ ثَانٍ عَقِيبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ غَيْرِهِ  عَلَى قَوْلَيْنِ عَنْ  أَحْمَد  . وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ قَدْ  نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا .  قَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ  أَحْمَد  قُلْت  لِأَبِي : الْمُتَمَتِّعُ يَسْعَى بَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  .  قَالَ :  إنْ  طَافَ طَوَافَيْنِ فَهُوَ أَجْوَدُ  وَإِنْ  طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا  فَلَا بَأْسَ . قَالَ :  وَإِنْ  طَافَ طَوَافَيْنِ فَهُوَ  أَعْجَبُ إلَيَّ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ  جَابِرٍ  وَكَذَلِكَ  نَقَلَ عَنْهُ  ابْنُ مَنْصُورٍ  . وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ مَذْهَبُهُ  فِي  ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ  فِي  ذَلِكَ . فَفِي   صَحِيحِ  مُسْلِمٍ  عَنْ  جَابِرٍ  .  قَالَ :   {   لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا   }  طَوَافَهُ الْأَوَّلَ .  وَهَذَا مَعَ  أَنَّهُمْ  كَانُوا مُتَمَتِّعِينَ .  وَرَوَى  أَحْمَد  قَالَ : ثِنَا  الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ  قَالَ : ثِنَا  الأوزاعي  عَنْ  عَطَاءٍ  عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  أَنَّهُ  كَانَ يَقُولُ : الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَالْمُفْرِدُ يُجْزِيهِ طَوَافٌ   بِالْبَيْتِ  وَسَعْيٌ بَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  .  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ   {  عن  عَائِشَةَ  قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةِ  ثُمَّ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مَنْ  كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ  فليهل بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ  ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا - إلَى أَنْ  قَالَتْ -  فَطَافَ الَّذِينَ  أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ   بِالْبَيْتِ   وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  ثُمَّ  حَلُّوا  ثُمَّ  طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا  مِنْ   مِنَى  لِحَجِّهِمْ  وَأَمَّا الَّذِينَ  كَانُوا جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا  طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بِالْبَيْتِ   }  . قُلْت : فَقَوْلُهَا طَوَافًا آخَرَ إنَّمَا  أَرَادَتْ  بِهِ الطَّوَافَ   بِالْبَيْتِ  وَبَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  كَذِكْرِهَا  فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ  وَلِأَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا  بُدَّ  لَهُمْ  مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَعُلِمَ  أَنَّهَا إنَّمَا  نَفَتْ طَوَافًا مَعَهُ الطَّوَافُ بَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  لَا الطَّوَافُ الْمُجَرَّدُ   بِالْبَيْتِ  . وَاَلَّذِي  نَفَتْهُ عَنْ الْقَارِنِ أَثْبَتَتْهُ لِلْمُتَمَتِّعِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهَا الْحَجَّ  .  وَأَحْمَد  فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ  فَهِمَ  مِنْ  هَذَا  أَنَّهُمْ  طَافُوا   بِالْبَيْتِ  فَقَطْ لِلْقُدُومِ فَاسْتَحَبَّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَوَّلًا إذَا رَجَعَ  مِنْ   مِنَى  أَنْ يَطُوفَ أَوَّلًا لِلْقُدُومِ  ثُمَّ يَطُوفَ طَوَافَ الْفَرْضِ . وَمَنْ  رَدَّ  عَلَى  أَحْمَد  حُجَّتَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّوَافِ طَوَافُ الْفَرْضِ فَقَدْ غَلِطَ .  لِأَنَّ طَوَافَ الْفَرْضِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ وَالْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ  .  وَعَائِشَةُ  أَثْبَتَتْ لِلْمُتَمَتِّعِ مَا  نَفَتْهُ عَنْ الْقَارِنِ .  وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الطَّوَافُ   بِالْبَيْتِ   وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  إنْ لَمْ تَكُنْ  أَرَادَتْ الطَّوَافَ   بِالْبَيْتِ  ; لِأَنَّهَا هِيَ لَمْ تَطُفْ   بِالْبَيْتِ  إلَّا مَرَّةً  وَاحِدَةً ;  لِأَجْلِ حَيْضِهَا .  وَهَذَا قَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ  جَابِرٍ  الصَّحِيحُ "   {  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ  أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَحِلُّوا  مِنْ إحْرَامِهِمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً لَمْ يَطُوفُوا بَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  إلَّا  أَوَّلَ مَرَّةٍ   }  وَهَذَا  يُنَاقِضُ مَا فُهِمَ  مِنْ حَدِيثِ  عَائِشَةَ   فَإِنَّهُمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا سَعَوْا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ فَأَنْ لَا يَطُوفُوا قَبْلَهُ لِلْقُدُومِ  أَوْلَى  وَأَحْرَى . وَفِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ كَلَامٌ لَيْسَ  هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ .  فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ  مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ  أَنَّ هَذِهِ  الزِّيَادَةَ  فِي حَدِيثِ  عَائِشَةَ  هِيَ  مِنْ  كَلَامِ  الزُّهْرِيِّ  لَيْسَتْ  مِنْ قَوْلِ  عَائِشَةَ  فَلَا تُعَارِضُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ . وَقَدْ رَوَى  الْبُخَارِيُّ  تَعْلِيقًا عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  مِثْلَ حَدِيثِ  عَائِشَةَ  .  وَفِيهِ أَيْضًا عِلَّةٌ .  وَالشَّافِعِيِّ  اخْتَارَ التَّمَتُّعَ تَارَةً وَاخْتَارَ الْإِفْرَادَ تَارَةً - وَمَنْ  قَالَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا فَقَدْ غَلِطَ وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُ  فِي إحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ .  وَمَالِكٍ  يَخْتَارُ الْإِفْرَادَ لَكِنْ قَدْ  قِيلَ يُسْتَحَبُّ مَعَ  ذَلِكَ تَأْخِيرُ الْعُمْرَةِ إلَى الْمُحَرَّمِ  فَأَمَّا الْعُمْرَةُ عَقِيبَ الْحَجِّ  مِنْ   مَكَّةَ  كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ  مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ :  فَهَذَا لَمْ يُعْرَفْ  عَلَى عَهْدِ   السَّلَفِ  وَلَا  نَقَلَ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ  مِنْ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ  أَنَّهُمْ  فَعَلُوا  ذَلِكَ إلَّا  عَائِشَةَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  لِأَنَّهَا  كَانَتْ قَدِمَتْ مُتَمَتِّعَةً  فَحَاضَتْ  فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَتَدَعَ الْعُمْرَةَ .  فَمَذْهَبُ  أَحْمَد  وَمَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  أَنَّهَا  صَارَتْ قَارِنَةً وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الْعُمْرَةِ .  لَكِنَّ  أَحْمَد  فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ  جَعَلَ الْقَضَاءَ وَاجِبًا عَلَيْهَا لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ عِنْدَهُ  فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَكَوْنِ عُمْرَةِ الْقَارِنِ وَالْعُمْرَةِ  مِنْ  أَدْنَى الْحِلِّ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الْعُمْرَةِ عِنْدَهُ  فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .  وَهَكَذَا يَقُولُونَ  فِي كُلِّ مُتَمَتِّعٍ ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ  مِنْ الطَّوَافِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ فَإِنَّهُمْ يَأْمُرُونَهُ بِإِدْخَالِ الْحَجِّ  عَلَى الْعُمْرَةِ  وَيَصِيرُ قَارِنًا كَالْمُفْرِدِ الَّذِي قَدِمَ وَقَدْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ  فَإِنَّهُ يَقِفُ   بِعَرَفَةَ  أَوَّلًا وَلَا يَطُوفُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ . وَهَكَذَا يَصْنَعُ حَاجُّ   الْعِرَاقِ  إذَا قَدِمُوا مُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُمْ يُوَافُونَ   عَرَفَةَ  يَوْمَ التَّعْرِيفِ فَيُعَرِّفُونَ وَلَا يَطُوفُونَ قَبْلَ التَّعْرِيفِ . وَمَذْهَبُ  أَبِي حَنِيفَةَ  أَنَّ  عَائِشَةَ  رَفَضَتْ الْعُمْرَةَ وَأَهَلَّتْ بِالْحَجِّ  فَصَارَتْ مُفْرِدَةً . وَعِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ الَّتِي رَفَضَتْهَا وَبَنَى  ذَلِكَ  عَلَى  أَصْلِهِ :  فِي  أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سعيين فَلَمْ يَكُنْ  فِي الْقِرَانِ  لَهَا  فَائِدَةٌ . وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَبَنَوْهُ  عَلَى أُصُولِهِمْ :  فِي  أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ لَا يَزِيدُ  عَلَى عَمَلِ الْمُفْرِدِ  وَقَالُوا : إنَّ {  النبي   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إنَّمَا  أَعْمَرَ  عَائِشَةَ  تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا ; لِأَنَّهَا  قَالَتْ : يَذْهَبُ أَصْحَابِي بِحَجَّةِ وَعُمْرَةٍ وَأَذْهَبُ أَنَا بِحَجَّةِ .  فَقَالَ  لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يَسَعُك طَوَافُك بِحَجِّك وَعُمْرَتِك .  وَفِي رِوَايَةِ أَهْلِ السُّنَنِ طَوَافُك   بِالْبَيْتِ  وَبَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  يَكْفِيك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك   }  .  فَلَمَّا  أَلَحَّتْ  أَعْمَرَهَا تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا  وَأَحْمَد  فِي رِوَايَةِ  الْأَثْرَمِ  وَغَيْرِهِ  قَالَ : إنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ وَالْعُمْرَةَ الْمَكِّيَّةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ  عَائِشَةَ  لَمَّا  أَعْمَرَهَا النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا  كَانَتْ قَارِنَةً  وَأَعْمَرَهَا بَعْدَ  ذَلِكَ .  فَجَعَلَ هَذِهِ الْعُمْرَةَ  وَاجِبَةً  فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ .  كَمَا  قَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ  . لَكِنْ اخْتَلَفَا  فِي تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَلَمْ يَعْتَمِرْ  مِنْ   مَكَّةَ  عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إلَّا  عَائِشَةُ  خَاصَّةً .  لِأَجْلِ  هَذَا الْعُذْرِ .  وَأَمَّا عُمَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَإِنَّمَا  كَانَتْ وَهُوَ قَاصِدٌ إلَى   مَكَّةَ  فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ  عَامَ   الْحُدَيْبِيَةِ  مِنْ   ذِي الحليفة  وَحَلَّ   بِالْحُدَيْبِيَةِ  لَمَّا  أُحْصِرَ  وَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ   الْبَيْتِ  وَالْحُدَيْبِيَةُ  غَرْبِيُّ   جَبَلِ التَّنْعِيمِ  حَيْثُ بَايَعَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَصْحَابَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَصَالَحَهُ الْمُشْرِكُونَ .   وَجَبَلُ التَّنْعِيمِ  هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُسَمَّى مَسَاجِدَ  عَائِشَةَ  عَنْ يَمِينِك  وَأَنْتَ دَاخِلٌ إلَى   مَكَّةَ  وَتِلْكَ الْمَسَاجِدُ مَبْنِيَّةٌ  فِي   التَّنْعِيمِ  وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ  عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  فَإِنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَمِرَ  مِنْ   التَّنْعِيمِ  وَالتَّنْعِيمُ  أَدْنَى الْحِلِّ إلَى   مَكَّةَ  فَهُوَ  أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى   مَكَّةَ  وَالْمُعْتَمِرُ  مِنْ   مَكَّةَ  يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ   وَالْحَرَمِ  بِخِلَافِ الْحَاجِّ  مِنْ   مَكَّةَ  فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى   عَرَفَةَ   وَعَرَفَةُ  مِنْ الْحِلِّ  ثُمَّ اعْتَمَرَ  مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ  مِنْ   ذِي الحليفة  ثُمَّ  لَمَّا لَقِيَ   هَوَازِنَ   بِوَادِي  حنين  فَهَزَمَهُمْ  ثُمَّ  ذَهَبَ إلَى  الطَّائِفِ  فَحَاصَرَهُمْ  ثُمَّ رَجَعَ إلَى   الْجِعْرَانَةِ  فَقَسَمَ غَنَائِمَ  حنين   بالجعرانة  اعْتَمَرَ دَاخِلًا إلَى   مَكَّةَ  وحنين   والجعرانة  وَالطَّائِفِ  كُلُّ  ذَلِكَ  مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ شَرْقِيِّ  عَرَفَاتٍ  فَأَقْرَبُهَا إلَى   عَرَفَةَ   الْجِعْرَانَةُ  ثُمَّ  وَادِي  حنين  ثُمَّ  الطَّائِفُ  . وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ  مِنْ   مَكَّةَ  فَيَعْتَمِرُونَ إلَّا مَا ذُكِرَ  مِنْ حَدِيثِ  عَائِشَةَ  فَلِهَذَا  نَصَّ  أَحْمَد  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ  عَلَى  أَنَّ   أَهْلَ   مَكَّةَ  لَيْسَ عَلَيْهِمْ عُمْرَةٌ وَرَوَى  أَحْمَد  عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  أَنَّهُ  قَالَ : يَا   أَهْلَ   مَكَّةَ  لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ الطَّوَافُ   بِالْبَيْتِ  فَمَنْ  أَبَى إلَّا أَنْ يَعْتَمِرَ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ   مَكَّةَ  بَطْنَ وَادٍ .  وَذَلِكَ لِأَنَّ   الصَّحَابَةَ  الْمُقِيمِينَ   بِمَكَّةَ  عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِرُونَ  مِنْ   مَكَّةَ  .  وَالْعُمْرَةُ  وَاجِبَةٌ  فِي  أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ  أَحْمَد  :  فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ  جَعَلَ  هَذَا رِوَايَةً ثَالِثَةً . فَقَالَ : الْمَسْأَلَةُ  عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ : رِوَايَةٌ تَجِبُ وَرِوَايَةٌ لَا تَجِبُ وَرِوَايَةٌ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ جَدِّنَا  أَبِي  الْبَرَكَاتِ  وَغَيْرِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ  قَالَ :   أَهْلُ   مَكَّةَ  يُسْتَثْنَوْنَ  فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ عُمْرَةٌ رِوَايَةً  وَاحِدَةً . وَهِيَ طَرِيقَةُ  الشَّيْخِ  أَبِي مُحَمَّدٍ  . وَهِيَ أَصَحُّ .  وَمِنْ الْفُقَهَاءِ : مَنْ اسْتَحَبَّ لِمَنْ اعْتَمَرَ  مِنْ   مَكَّةَ  أَنْ يُحْرِمَ  مِنْ   الْحُدَيْبِيَةِ  أَوْ   الْجِعْرَانَةِ  مُحْتَجًّا بِعُمْرَةِ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ غَلَطٌ .  فَإِنَّ   الْحُدَيْبِيَةَ  كَانَتْ مَوْضِعَ حِلِّهِ  لَمَّا  أُحْصِرَ لَمْ تَكُنْ مَوْضِعَ إحْرَامِهِ .  وَأَمَّا   الْجِعْرَانَةُ  فَإِنَّهُ أَحْرَمَ مِنْهَا دَاخِلًا إلَى   مَكَّةَ  ; لِأَنَّهُ  أَنْشَأَ الْعُمْرَةَ  مِنْ هُنَاكَ . وَلِهَذَا  كَانَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ  أَحْمَد  أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ   الْإِكْثَارُ  مِنْ الْعُمْرَةِ  لَا  مِنْ   مَكَّةَ  وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَجْعَلُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مُدَّةً وَلَوْ  أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يَنْبُتُ  فِيهِ شَعْرُهُ وَيُمْكِنُهُ الْحِلَاقُ  وَهَذَا لِمَنْ يَخْرُجُ إلَى مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَعْتَمِرُ . وَأَمَّا الْمُقِيمُ   بِمَكَّةَ  فَكَثْرَةُ الطَّوَافِ   بِالْبَيْتِ  أَفْضَلُ لَهُ  مِنْ الْعُمْرَةِ الْمَكِّيَّةِ  كَمَا  كَانَ   الصَّحَابَةُ  يَفْعَلُونَ إذَا  كَانُوا مُقِيمِينَ   بِمَكَّةَ  كَانُوا يَسْتَكْثِرُونَ  مِنْ الطَّوَافِ وَلَا يَعْتَمِرُونَ عُمْرَةً مَكِّيَّةً   فَالصَّحَابَةُ  الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الْإِفْرَادَ  كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ  وَغَيْرِهِ إنَّمَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُسَافِرَ سَفَرًا آخَرَ لِلْعُمْرَةِ ; لِيَكُونَ لِلْحَجِّ سَفَرٌ  عَلَى حِدَةٍ وَلِلْعُمْرَةِ سَفَرٌ  عَلَى حِدَةٍ .  وَأَحْمَد  وَأَبُو حَنِيفَةَ  وَغَيْرُهُمَا اتَّبَعُوا   الصَّحَابَةَ  فِي  ذَلِكَ وَاسْتَحَبُّوا  هَذَا الْإِفْرَادَ  عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ . قَالَ  أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ  :  قِيلَ  لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ  : فَأَيُّ الْعُمْرَةِ عِنْدَك أَفْضَلُ ؟  قَالَ : أَفْضَلُ الْعُمْرَةِ عِنْدِي أَنْ  تَكُونَ  فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ  كَمَا  قَالَ  عُمَرُ  فَإِنَّ  ذَلِكَ  أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ أَنْ تَجْعَلُوهَا  فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ .  قِيلَ  لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ  :  فَأَنْتَ تَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ وَتَقُولُ الْعُمْرَةُ  فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ ؟  فَقَالَ : إنَّمَا سُئِلْت عَنْ  أَتَمِّ الْعُمْرَةِ فَقُلْت  فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقُلْت : الْمُتْعَةُ تُجْزِيهِ  مِنْ عُمْرَتِهِ فَأَتَمُّ الْعُمْرَةِ أَنْ  تَكُونَ  فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ .  وَقَالَ  عَلِيٌّ  :  مِنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ أَنْ تَقْدَمَ  مِنْ دويرة  أَهْلِك  وَكَانَ  سُفْيَانُ بْنُ عيينة  يُفَسِّرُهُ أَنْ يُنْشِئَ  لَهَا سَفَرًا يَقْصِدُ لَهُ لَيْسَ أَنْ تُحْرِمَ  مِنْ  أَهْلِك حَتَّى تَقْدَمَ الْمِيقَاتَ  .  وَقَالَ  عُمَرُ  :  فِي الْعُمْرَةِ  مِنْ دويرة  أَهْلِك  .  قِيلَ  لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ  : فَيَجْعَلُ لِلْحَجِّ سَفَرًا  عَلَى حِدَةٍ وَلِلْعُمْرَةِ سَفَرًا  عَلَى حِدَةٍ  قَالَ : نَعَمْ قُلْت لَهُ :  فَإِنْ اعْتَمَرَ  فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ  ثُمَّ  أَقَامَ   بِمَكَّةَ  حَتَّى يَحُجَّ أَيَكُونُ  هَذَا قَدْ  جَعَلَ لَهُ سَفَرًا  عَلَى حِدَةٍ وَلِلْحَجِّ سَفَرًا  عَلَى حِدَةٍ ؟  فَقَالَ : لَا . حَتَّى يَرْجِعَ  ثُمَّ يَحُجَّ .  فَهَذَا مَدٌّ لِلْعُمْرَةِ  مِنْ أَهْلِهِ وَقَصْدٌ لِلْحَجِّ  مِنْ أَهْلِهِ هَذَا مَعْنَاهُ . قِيلَ  لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ  : فَإِنَّهُمْ يَحْكُونَ  عَنْك  أَنَّك تَقُولُ : الْمُتْعَةُ أَفْضَلُ  مِنْ غَيْرِهَا  فَقَالَ :  أَمَّا أَفْضَلُ  مِنْ الْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَيْسَ  فِيهِ شَكٌّ  ثُمَّ  قَالَ : أَيُّمَا أَفْضَلُ : أَنْ يَجِيءَ بِعُمْرَةِ وَحَجٍّ ؟ أَوْ أَنْ يَجِيءَ بِحَجِّ وَحْدَهُ هِيَ أَفْضَلُ  مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ .  قُلْت لَهُ : وَأَفْضَلُ  مِنْ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ جَاءَ بِكُلِّ وَاحِدٍ  عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ  مِنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا  فَقَالَ نَعَمْ وَأَفْضَلُ  مِنْ الْقِرَانِ  ثُمَّ  قَالَ : نَحْوَ مَا قُلْت . وَقَالَ  الْأَثْرَمُ  : سَمِعْت  أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  يَقُولُ : التَّمَتُّعُ  أَحَبُّ إلَيَّ هُوَ   {  آخر الْأَمْرَيْنِ  مِنْ رَسُولِ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ  قَالَ : لَوْ اسْتَقْبَلْت  مِنْ  أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَصَنَعْت  كَمَا صَنَعْتُمْ   }  وَقَوْلُهُ لِأَصْحَابِهِ : "  حُلُّوا " وَمَا جَاءَ  فِيهَا  مِنْ الْحَدِيثِ . وَقَالَ أَيْضًا :  قِيلَ  لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ  :  أَنْتَ تَذْهَبُ إلَى الْمُتْعَةِ .  فَقَالَ : هِيَ  أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ . وَذَاكَ  أَنَّا نَذْهَبُ إلَى  أَنَّ الْعُمْرَةَ  وَاجِبَةٌ .  قَالَ تَعَالَى {   وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ   }  ثُمَّ  قَالَ :  هَذَا بَيِّنٌ .  وَكَانَ  ابْنِ عَبَّاسٍ  وَابْنُ عُمَرَ  يَرَيَانِهَا  وَاجِبَةً  وَقَالَ  ابْنِ عَبَّاسٍ  : وَاَللَّهِ إنَّهَا لَقَرِينَتُهُ  فِي كِتَابِ اللَّهِ  وَقَالَ جَمَاعَةٌ : الْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ فَإِذَا  وَقَعَ عَلَيْهَا  اسْمُ الْحَجِّ  فَهَذَا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهَا فَرِيضَةٌ فَإِذَا  خَرَجَ مُتَمَتِّعًا فَقَدْ  أَجْزَأَهُ  مِنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ جَاءَ بِعُمْرَةِ مُفْرَدَةٍ وَحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ . فَأَمَّا عُمْرَةُ الْمُحَرَّمِ فَلَيْسَ بِمَجْزِيِّ عَنْهُ عِنْدِي . وَلَيْسَتْ بِعُمْرَةِ تَامَّةٍ إنَّمَا هِيَ  مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ . {  وقال رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لِعَائِشَةَ  : إنَّمَا هِيَ  عَلَى قَدْرِ نَصَبِك وَنَفَقَتِك   }  وَمَعْنَى عُمْرَةِ الْمُحَرَّمِ  أَنَّهُمْ  كَانُوا يَخْرُجُونَ  فِي الْمُحَرَّمِ  مِنْ   مَكَّةَ  لِيَعْتَمِرُوا  مِنْ  أَدْنَى الْحِلِّ إلَى أَنْ يَعْتَمِرَ  فَكَيْفَ مَنْ اعْتَمَرَ  فِي ذِي الْحِجَّةِ  مِنْ   مَكَّةَ  عَقِيبَ الْحَجِّ  وَهَذَا لَمْ يَكُنْ   السَّلَفُ  يَفْعَلُونَهُ . فَإِذَا تَبَيَّنَ  أَنَّ الْعُمْرَةَ الْمَكِّيَّةَ  عَقِبَ الْحَجِّ مَعَ الْحَجِّ لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَلَا أَحَدٌ  مِنْ   الصَّحَابَةِ  إلَّا  عَائِشَةَ  وَلَا  كَانَ   خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ  يَفْعَلُونَهَا امْتَنَعَ أَنْ  يَكُونَ  ذَلِكَ  أَفْضَلَ . وَأَمَّا مَنْ  قَالَ  مِنْ الْفُقَهَاءِ : الْإِفْرَادُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ  عَقِبَ  ذَلِكَ  مِنْ   مَكَّةَ  فَهَذَا  غالط  بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ  فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ  أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ  ثُمَّ  حَجَّ أَوْ  أَقَامَ   بِمَكَّةَ  حَتَّى يَحُجَّ  مِنْ  عَامِهِ  أَنَّهُ مُفْرِدٌ لِلْحَجِّ  وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ  فِي سَفْرَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ مُفْرِدٌ بِالِاتِّفَاقِ  وَهَذَا الْإِفْرَادُ هُوَ الَّذِي اسْتَحَبَّهُ   الصَّحَابَةُ  وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا عِنْدَ  أَحْمَد  وَغَيْرِهِ  فَإِنَّ الِاعْتِمَارَ  فِي رَمَضَانَ  وَالْإِقَامَةَ إلَى أَنْ يَحُجَّ أَفْضَلُ  مِنْ التَّمَتُّعِ  وَإِنْ  كَانَ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ  ثُمَّ السَّفَرُ لِلْحَجِّ  أَفْضَلَ مِنْهَا .  وَالتَّمَتُّعُ جَائِزٌ  بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ  . وَإِنَّمَا  كَانَ  طَائِفَةٌ  مِنْ   بَنِي أُمَيَّةَ  وَغَيْرِهِمْ يَكْرَهُونَهُ . وَقَدْ  قِيلَ : إنْ الَّذِينَ كَرِهُوا  ذَلِكَ إنَّمَا كَرِهُوا فَسْخَ الْحَجِّ إلَى التَّمَتُّعِ  فَإِنَّ النَّاسَ يَقْدَمُونَ  مِنْ الْآفَاقِ فَيُحْرِمُونَ بِالْحَجِّ فَمَنْ جَوَّزَ الْفَسْخَ جَوَّزَ  لَهُمْ الْمُتْعَةَ وَمَنْ مَنَعَ  مِنْ  ذَلِكَ مَنَعَهُمْ مِنْهُ .  وَالْفَسْخُ  فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ :  قِيلَ هُوَ وَاجِبٌ كَقَوْلِ  ابْنِ عَبَّاسٍ  وَأَتْبَاعِهِ   وَأَهْلِ الظَّاهِرِ   وَالشِّيعَةِ  .  وَقِيلَ : هُوَ مُحَرَّمٌ كَقَوْلِ  مُعَاوِيَةَ  وَابْنِ الزُّبَيْرِ  وَمَنْ اتَّبَعَهُمَا  كَأَبِي حَنِيفَةَ  وَمَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  .  وَقِيلَ : هُوَ جَائِزٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ  أَحْمَد  وَغَيْرِهِ وَالْأَمْرُ  بِهِ مَعْرُوفٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ  مِنْ   الصَّحَابَةِ   وَالتَّابِعِينَ  وَلِهَذَا  كَانَ  ابْنُ عُمَرَ  وَابْنُ عَبَّاسٍ  يَأْمُرَانِ بِالْمُتْعَةِ .  قَالَ  أَحْمَد  :  أَخْبَرَنَا  عَبْدُ الرَّزَّاقِ  حَدَّثَنَا  مَعْمَرٌ  عَنْ  الزُّهْرِيِّ   عَنْ  سَالِمٍ  قَالَ : سُئِلَ  ابْنُ عُمَرَ  عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ  فَأَمَرَ بِهَا  فَقِيلَ لَهُ : إنَّك تُخَالِفُ  أَبَاك  فَقَالَ :  عُمَرُ  لَمْ يَقُلْ الَّذِي تَقُولُونَ إنَّمَا  قَالَ  عُمَرُ  : إفْرَادُ الْحَجِّ  مِنْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهَا  أَتَمُّ لِلْعُمْرَةِ أَوْ  أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ  فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُهْدَى . وَأَرَادَ أَنْ  يُزَارَ   الْبَيْتُ  فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا وَقَدْ  أَحَلَّهَا اللَّهُ وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  . فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ  قَالَ : أَفَكِتَابَ اللَّهِ  أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ  عُمَرُ  ؟  وَكَانَ  ابْنِ عَبَّاسٍ  يَأْمُرُ بِهَا فَيَقُولُونَ : إنَّ  أَبَا بَكْرٍ  وَعُمَرَ  لَمْ يَفْعَلَاهَا فَيَقُولُ يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ  مِنْ السَّمَاءِ أَقُولُ لَكُمْ  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَتَقُولُونَ :  قَالَ  أَبُو بَكْرٍ  وَعُمَرَ  وَكَانَ  عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ  يُنَاظِرُ  ابْنِ عَبَّاسٍ  فِيهَا  فَقَالَ : إنَّ  أَبَا بَكْرٍ  وَعُمَرَ  أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مِنْك  فَقَالَ : لَهُ  ابْنِ عَبَّاسٍ  يَا  عرية  سَلْ أُمَّك يَعْنِي  أَنَّهَا تُخْبِرُهُ  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْإِحْلَالِ  وَكَانَتْ  أَسْمَاءُ  مِمَّنْ  أَحَلَّتْ  . وَهَذِهِ  الْمُشَاجَرَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ ; لِأَنَّ  ابْنِ عَبَّاسٍ  كَانَ يُوجِبُ الْمُتْعَةَ  بَلْ  كَانَ يُوجِبُ الْفَسْخَ  وَكَانَ يَقُولُ : كُلُّ مَنْ  طَافَ   بِالْبَيْتِ  وَبَيْنَ   الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَقَدْ  حَلَّ  مِنْ إحْرَامِهِ . وَيَحْتَجُّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لِأَصْحَابِهِ بِالتَّحَلُّلِ  فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : {  ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ   } . وَإِيجَابُ الْمُتْعَةِ هُوَ قَوْلُ  طَائِفَةٍ  مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ   وَالظَّاهِرِيَّةِ  :  كَابْنِ حَزْمٍ  وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ   الشِّيعَةِ  أَيْضًا  لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ  مِنْ   الصَّحَابَةِ   وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ  وَغَيْرِهِمْ  عَلَى  أَنَّهُ يَجُوزُ التَّمَتُّعُ وَالْإِفْرَادُ ; وَالْقِرَانُ لَكِنْ   أَهْلُ   مَكَّةَ   وَبَنُو هَاشِمٍ  وَعُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَسْتَحِبُّونَهَا . فَاسْتَحَبَّهَا عُلَمَاءُ سُنَّتِهِ وَأَهْلُ سُنَّتِهِ وَأَهْلُ بَلْدَتِهِ الَّتِي بِقُرْبِهَا الْمَنَاسِكُ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ  أَخَصُّ النَّاسِ  بِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ  الشَّافِعِيِّ  .  وَأَبُو يُوسُفَ  يَجْعَلُ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ  سَوَاءً . وَإِنَّمَا جَوَّزَ الْجُمْهُورُ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهُ قَدْ  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ {  عن النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَنْ  شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةِ  فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ  شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ  فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ  شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ وَعُمْرَةٍ  فَلْيَفْعَلْ   }  .  وَأَمَّا أَمْرُهُ لِأَصْحَابِهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ  ذَلِكَ أَنْ يَحِلُّوا  مِنْ إحْرَامِهِمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ  سَاقَ الْهَدْيَ فَلِأَنَّهُ  أَرَادَ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ  وَأَلَّا يَعْتَمِرُوا عُمْرَةً مَكِّيَّةً  وَإِنْ سَافَرُوا سَفَرًا آخَرَ لِلْعُمْرَةِ . وَمَنْ  كَانَ هَذِهِ  حَالَهُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ فَالتَّمَتُّعُ  كَانَ مُتَعَيِّنًا  فِي حَقِّ   الصَّحَابَةِ  . إذَا  أَرَادُوا أَنْ يَفْعَلُوا الْأَفْضَلَ  لَهُمْ  وَكَانَ أَوَّلًا قَدْ أُذِنَ  لَهُمْ  فِي الْفَسْخِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ  بِهِ لَا سِيَّمَا إذَا  قِيلَ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّمَتُّعُ  عَلَى مَنْ لَمْ يُسَافِرْ سَفْرَةً أُخْرَى وَلَمْ يَعْتَمِرْ  عَقِبَ الْحَجِّ  مِنْ   مَكَّةَ  وَعُمْرَةُ الْمُتَمَتِّعِ بِمَنْزِلَةِ التَّوَضُّؤِ لِلْمُغْتَسِلِ فَالْمُغْتَسِلُ لِلْجَنَابَةِ إذَا  تَوَضَّأَ  كَانَ وُضُوءُهُ بَعْضَ اغْتِسَالِهِ الْكَامِلِ  كَذَلِكَ عُمْرَةُ الْمُتَمَتِّعِ  عِنْدَ  أَحْمَد  بَعْضُ حَجَّةِ الْكَامِلِ وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَصُومَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ  مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ وَقَدْ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ  فِي الْحَجِّ   }  فَهُوَ  مِنْ حِينِ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ  دَخَلَ  فِي الْحَجِّ  كَمَا  أَنَّ الْمُغْتَسِلَ  مِنْ حِينِ  تَوَضَّأَ  دَخَلَ  فِي الْغُسْلِ .  وَقَوْلُهُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   مَنْ  حَجَّ  هَذَا   الْبَيْتَ  فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ  مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ   }  أَخْرَجَاهُ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  . يَدْخُلُ  فِيهِ الْمُتَمَتِّعُ  مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ .  وَلِهَذَا  كَانَ  أَحْمَد  يُنْكِرُ  عَلَى مَنْ يَقُولُ : إنَّ حَجَّةَ الْمُتَمَتِّعِ حَجَّةٌ مَكِّيَّةٌ .  قَالَ  الْأَثْرَمُ  سَمِعْت  أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  يَقُولُ :  كَانَ  ابْنُ الْمُبَارَكِ  زَعَمُوا يَقُولُ بِالْمُتْعَةِ  فَقِيلَ لَهُ : يَكُونُ  مَجِيئُهُ حِينَئِذٍ لِلْعُمْرَةِ .  فَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا  خَرَجَ يُرِيدُ صَلَاةَ الظُّهْرِ  فِي جَمَاعَةٍ فَتَطَوَّعَ قَبْلَهَا بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ .  ثُمَّ  صَلَّى الظُّهْرَ  أَزَادَهُ  ذَلِكَ خَيْرًا أَمْ نَقَصَهُ ؟ ثُمَّ  قَالَ  أَحْمَد  : مَا  أَحْسَنَ مَا  قَالَ  ثُمَّ  قَالَ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ  : يَقُولُ  مَجِيئُهُ حِينَئِذٍ لِلظُّهْرِ أَوْ لِلتَّطَوُّعِ : أَيْ إنَّمَا  مَجِيئُهُ لِلظُّهْرِ  قَالَ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ  :  هَذَا قَوْلٌ مُحْدَثٌ يَعْنِي قَوْلَهُمْ حَجَّةٌ مَكِّيَّةٌ .  قَالَ : وَسَمِعْت  أَبَا عَبْدِ الل