وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي  فِي الْحَيْضِ الْمُبْتَلَى بِهَا شَطْرُ النِّسْوَةِ  فِي الْحَجِّ وَكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ  فِيهِ : مِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ  حَائِضًا  فِي  ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَحِيضُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ .  الْمَسْأَلَةُ  الْأُولَى : امْرَأَةٌ   تَحِيضُ  أَوَّلَ الشَّهْرِ وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَطُوفَ إلَّا  حَائِضًا وَعِنْدَ الْوُقُوفِ   بِعَرَفَةَ  تَرَى شَيْئًا  مِنْ  الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ  الَّتِي تَرَاهَا بَعْدَ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ  فَمَا الْحُكْمُ  فِي  ذَلِكَ . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِيمَنْ تَحِيضُ  فِي خَامِسٍ إلَى تَاسِعٍ وَيَبْقَى حَيْضُهَا إلَى سَابِعَ  عَشَرَ أَوْ  أَكْثَرَ فَوَقَفَتْ وَهِيَ  حَائِضٌ وَرَمَتْ وَهِيَ  حَائِضٌ  وَطَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ وَهِيَ  حَائِضٌ وَلَمْ يُمْكِنْهَا عُمْرَةٌ . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : امْرَأَةٌ  وَقَفَتْ وَرَمَتْ الْجِمَارَ وَتُرِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ  فَحَاضَتْ قَبْلَ الطَّوَافِ فَلَمْ تَطُفْ وَكَتَمَتْ  وَكَانَتْ تُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَلَمْ تَعْتَمِرْ وَرَجَعَتْ وَلَمْ تَفْعَلْ لَا طَوَافًا وَلَا عُمْرَةً وَلَا دَمًا . 
				
				
				 فَأَجَابَ   رَحِمَهُ اللَّهُ  الْحَمْدُ لِلَّهِ  رَبِّ الْعَالَمِينَ .  أَمَّا " الْمَسْأَلَةُ  الْأُولَى " : فَإِنَّ   الْمَرْأَةَ  الْحَائِضَ تَقْضِي جَمِيعَ الْمَنَاسِكِ . وَهِيَ  حَائِضٌ ; غَيْرَ الطَّوَافِ  بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الثَّابِتَةِ عَنْهُ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . فَإِنَّهُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :   {  الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ   }   {  وَأَمَرَ  أَسْمَاءَ  بِنْتَ  أَبِي بَكْرٍ  لَمَّا نُفِسَتْ   بِذِي الحليفة  أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُحْرِمَ   }   {  وَأَمَرَ  عَائِشَةَ  لَمَّا  حَاضَتْ بِسَرِفِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَلَا تَطُوفَ قَبْلَ التَّعْرِيفِ   }  . فَهَذِهِ الَّتِي قَدِمَتْ   مَكَّةَ  وَهِيَ  حَائِضٌ قَبْلَ التَّعْرِيفِ لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ لَكِنْ تَقِفُ   بِعَرَفَةَ  وَلَوْ  كَانَتْ  حَائِضًا  فَكَيْفَ إذَا  كَانَتْ  تَرَى شَيْئًا  مِنْ  الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ . و "  الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ " لِلْفُقَهَاءِ  فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  وَغَيْرِهِ : هَلْ هِيَ حَيْضٌ مُطْلَقٌ أَوْ لَيْسَتْ حَيْضًا مُطْلَقًا . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ -  أَنَّهَا إنْ  كَانَتْ  فِي الْعَادَةِ مَعَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَهِيَ حَيْضٌ  وَإِلَّا  فَلَا ; لِأَنَّ  النِّسَاءَ  كُنَّ يُرْسِلْنَ إلَى  عَائِشَةَ  بِالدِّرَجَةِ  فِيهَا الْكُرْسُفُ فَتَقُولُ  لَهُنَّ : لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى  تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ  .  وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا  فَكُنَّ يَجْعَلْنَ مَا قَبْلَ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ حَيْضًا .  وَقَالَتْ  أُمُّ عَطِيَّةَ  :  كُنَّا لَا نَعُدُّ  الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا  . وَلَيْسَ  فِي الْمَنَاسِكِ مَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ إلَّا الطَّوَافَ  فَإِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ  بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ  .  وَأَمَّا الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ  فَفِيهِ نِزَاعٌ وَالْجُمْهُورُ  عَلَى  أَنَّهُ لَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ وَمَا سِوَى  ذَلِكَ لَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ  بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ  .  ثُمَّ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ  فِي   الطَّهَارَةِ هَلْ هِيَ شَرْطٌ  فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ  كَمَا هِيَ شَرْطٌ  فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَمْ هِيَ  وَاجِبَةٌ إذَا  تَرَكَهَا جَبَرَهَا بِدَمِ كَمَنْ  تَرَكَ الْإِحْرَامَ  مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ  تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ أَوْ نَحْوَ  ذَلِكَ ؟  عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ  أَحْمَد  .  أَشْهَرُهُمَا عَنْهُ : وَهِيَ مَذْهَبُ  مَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ  فِيهَا فَإِذَا   طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ  حَائِضًا  نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا  ثُمَّ عَلِمَ  أَعَادَ الطَّوَافَ . وَالثَّانِي :  أَنَّهُ وَاجِبٌ فَإِذَا فَعَلَ  ذَلِكَ جَبَرَهُ بِدَمِ ; لَكِنْ عِنْدَ  أَبِي حَنِيفَةَ  الْجُنُبُ  وَالْحَائِضُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَالْمُحْدِثُ عَلَيْهِ شَاةٌ . وَأَمَّا  أَحْمَد  فَأَوْجَبَ دَمًا وَلَمْ يُعَيِّنْ بَدَنَةً  وَنَصَّ  فِي  ذَلِكَ  عَلَى الْجُنُبِ إذَا  طَافَ  نَاسِيًا  فَقَالَ  فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : عَلَيْهِ دَمٌ .  فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ  جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ  فِي الْمَعْذُورِ خَاصَّةً  كَالنَّاسِي . وَمِنْهُمْ مَنْ  جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا  فِي  النَّاسِي وَالْمُتَعَمِّدِ  وَنَحْوِهِمَا .  وَاَلَّذِينَ جَعَلُوا  ذَلِكَ شَرْطًا  احْتَجُّوا بِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ كَمَا  فِي  النسائي  وَغَيْرِهِ عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا  أَنَّ اللَّهَ قَدْ  أَبَاحَ لَكُمْ  فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ  تَكَلَّمَ  فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرِ   }  وَهَذَا قَدْ  قِيلَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ  عَلَى  ابْنِ عَبَّاسٍ  . وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ  عريان   }  وَقَدْ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :   {   خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ   }  نَزَلَتْ  لَمَّا  كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ  عُرَاةً إلَّا الْحُمْسَ فَإِنَّهُمْ  كَانُوا يَطُوفُونَ  فِي ثِيَابِهِمْ وَغَيْرُهُمْ لَا يَطُوفُ  فِي ثِيَابِهِ يَقُولُونَ : ثِيَابٌ عَصَيْنَا اللَّهَ  فِيهَا  فَإِنْ وَجَدَ ثَوْبَ  أحمسي  طَافَ  فِيهِ  وَإِلَّا  طَافَ  عريانا  فَإِنْ  طَافَ  فِي ثِيَابِهِ  أَلْقَاهَا فَسُمِّيَتْ  لِقَاءً . وَكَانَ  هَذَا مِمَّا ابْتَدَعَهُ الْمُشْرِكُونَ  فِي الطَّوَافِ وَابْتَدَعُوا أَيْضًا تَحْرِيمَ أَشْيَاءَ  مِنْ الْمَطَاعِمِ  فِي الْإِحْرَامِ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {   خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ  وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ   }   {   قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي  أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ   }  وَقَوْلَهُ :   {   وَإِذَا  فَعَلُوا فَاحِشَةً   }  - كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ  عُرَاةً -   {  قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا  آبَاءَنَا وَاللَّهُ  أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ  عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ   }  .  فَمَا  ثَبَتَ بِالنَّصِّ  مِنْ إيجَابِ الطَّهَارَةِ  وَالسِّتَارَةِ  فِي الطَّوَافِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ  وَأَمَّا مَا  ثَبَتَ بِاللُّزُومِ  مِنْ كَوْنِ  ذَلِكَ شَرْطًا  فِيهِ كَالصَّلَاةِ  فَفِيهِ نِزَاعٌ . وَمَنْ  قَالَ : إنَّ  ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطِ  قَالَ : إنَّ الْحَجَّ قَدْ  وَجَبَ  فِيهِ أَشْيَاءُ تُجْبَرُ بِدَمِ لَيْسَتْ شَرْطًا  فِي صِحَّةِ الْحَجِّ فَإِذَا  تَرَكَهَا الْحَاجُّ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا جَبَرَهَا بِدَمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ . وَأَمَّا   الصَّلَاةُ فَهَلْ يَجِبُ  فِيهَا مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا  أَمْ لَا ؟ أَمْ لَا تَبْطُلُ إذَا  تَرَكَهُ نِسْيَانًا  هَذَا  فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ .  فَأَبُو حَنِيفَةَ  يُوجِبُ  فِيهَا مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا  كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ  كَذَلِكَ  أَحْمَد  فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ  فِي مَذْهَبِهِ إذْ  أَوْجَبَ الْجَمَاعَةَ وَلَمْ يَجْعَلْهَا شَرْطًا  فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ  وَأَحْمَد  فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ يُوجِبُ  فِيهَا مَا إذَا  تَرَكَهُ سَهْوًا جَبَرَهُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى جَبْرٍ كَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ  فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ .  وَكَذَلِكَ  مَالِكٍ  يُوجِبُ  فِيهَا  مِنْ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ  وَنَحْوِهَا مَا إذَا  تَرَكَهُ  أَعَادَ  فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يُعِدْ بَعْدَهُ  كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ  فِي مَذَاهِبِهِمْ .